عن دوافع إعفاء العراقيين من حظر دخول الولايات المتحدة الأمريكية

عن دوافع إعفاء العراقيين من حظر دخول الولايات المتحدة الأمريكية

 

 

في خضم معركة تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش و التي تقودها الحكومة العراقية وبمشاركة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن البيت الأبيض في 6 آذار/مارس الحالي، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وقع أمراً تنفيذياً جديداً حول حظر الهجرة، يستثني العراقيين من حظر السفر. وأوضح مسؤول البيت الأبيض أوضح أن العراق حُذف من قائمة الدول الواردة في الأمر التنفيذي الأول الصادر في 27 يناير؛ لأن الحكومة العراقية فرضت إجراءات فحص جديدة، مثل زيادة الرقابة على تأشيرات السفر، وتبادل البيانات، وبسبب تعاونها مع الولايات المتحدة في سبيل محاربة تنظيم داعش.

ومن جانبها، رحبت الحكومة العراقية بذلك القرار حيث أشادت وزارة الخارجية العراقية به، وعدته “خطوة في الاتجاه الصحيح” وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد جمال في بيان: “وزارة الخارجية العراقية تعبر عن عميق ارتياحها للقرار التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي تضمن استثناء العراقيين من حظر السفر للولايات المتحدة الأمريكية”. وأضاف جمال: “القرار خطوة هامة في الاتجاه الصحيح الذي يعزز التحالف الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن في العديد من المجالات وفي مقدمتها محاربة الإرهاب”. ونتساءل هنا: عن أبعاد القرار الأمريكي؟

 أعطى ذلك القرار مؤشّرا جديدا على مقدار اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة ترمب بالعراق ورغبتها في اتخاذه ساحة رئيسية للفعل السياسي والعسكري، ومنطلقا لاستعادة الدور الأميركي المتراجع في منطقة الشرق الأوسط ومقارعة خصوم لها هناك على رأسهم النظام الإيراني التي مكّنتها سلسلة من السياسات الأميركية الخاطئة من أن تصبح اللاعب الرئيسي على الساحة العراقية. واستيلائه العمليّ على مقدّراته ثم إلى سورية ولبنان واليمن، وتصاعد قوته العسكرية الصاروخية والنووية وهو ما جعل سيطرة الولايات المتحدة على العراق والمنطقة تتقلّص لتصبح شراكة الأمر الواقع مع روسيا الفاعلة في الأجواء والبحار والإعلام وقرصنة الانترنت والنظام الإيراني المسيطر على تفاصيل الأمور في مناطق نفوذه المتمدد. كما يزيل قرار ترمب الجديد عوائق إجرائية من أمام التواصل بين واشنطن وبغداد في وقت تشتركان فيه بخوض حرب على تنظيم داعش في الموصل وتحاول واشنطن المشاركة بفعالية في وضع ترتيبات مرحلة ما بعد تلك الحرب.

لكنّ الأهم في القرار أنّه يزيل الحرج عن رئيس الوزراء حيدر العبادي ويخفّف من الضغط المسلّط عليه من قبل شركائه في الحكم، وتحديدا قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية للنظام الإيراني، والتي اتخذت من وضع العراقيين على لائحة المنع من دخول الولايات المتحدة منصّة لمهاجمة تقاربه مع واشنطن. فقد جاء القرار من باب سحب البساط عن ردود الفعل القويّة التي صدرت عن أطراف سياسية وعسكرية عراقية تحمل في طيّاتها لهجة التهديد مثل «الحشد الشعبي» الذي طالب بمنع دخول الأمريكيين حفظاً لكرامة الشعب العراقي الذي يحارب الإرهاب.

 وبدا القرار وكأنّه استجابة مباشرة لطلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي قال إنّه توجّه به لترمب خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما قبل أسابيع، ما يعني أنّ لرئيس الوزراء حظوة واهتماما من قبل الإدارة الأمريكية وأنّه لن يترك وحيدا بمواجهة الضغوط الداخلية والخارجية. واتّضح منذ مجيء إدارة ترمب إلى الحكم في الولايات المتحدة أن حيدر العبادي موضع جهد سياسي ودبلوماسي أميركي مركّز لاستمالته واستدراجه خارج دائرة الموالاة للنظام الإيراني التي عُرف بها حكّام العراق منذ سقوط نظام حزب البعث في سنة 2003.

 ويفهم من هذا القرار كون الولايات المتحدة السياسية هي الراعية الحقيقي للنظام السياسي العراقي، أنها لا ترغب في خسارة العراق، فمنع دخول العراقيين أراضيها يعني للساسة والمواطنين العراقيين بأنهم غير مرحب بهم في الولايات المتحدة الأمريكية مما يخلق فتور في العلاقات الثنائية ويعطي دليل واضح على فشل الولايات المتحدة الإمريكية في إنجاح تجربتها السياسية في العراق، التي تصب في نهاية المطاف لمصلحة النظام الإيراني في تعزيز سيطرته على العراق. لذا جاء قرار الإعفاء للرد على تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية بالشرق الأوسط حيث بات واضحا نظير صعود تدريجيّ كبير لروسيا التي بدأت تتمدّد سياسيا وعسكريا وإعلاميّاً خارج محيطها المباشر من جمهوريات سوفييتية سابقة وصولاً إلى البحر المتوسط حيث تكثّف نفوذها في سورية والعراق والأردن ومصر وليبيا، وصارت يدها الطويلة قادرة على التأثير على الانتخابات الأمريكية نفسها، وهو ما أخذ يتكشّف على شكل فضائح مستمرة تلاحق إدارة ترمب، ومخاوف مستمرة في أوروبا من النفوذ الروسي الإعلامي والتجسسي.

  ويعطي القرار مؤشرًا واضحًا بأن العراق لا يزال له أهمية عسكرية وأمنية واستخبارتية لدي صانع القرار السياسي في واشنطن، وما أدل  على ذلك، تلك القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العراق ما بعد عام 2003م، كقاعدة الأسد وقاعدة بلد وتاجي والحبانية وقاعدة قيارة وقاعدة في مطار أربيل ومطار بغداد ومطار حرير، وقاعدة معسكر بعشيقة وكرم لس قريب حمدانية وقاعدة سد الموصل، وفي المستقبل القريب قد يكون للولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية أخرى في سبايكر وكركوك وتلعفر. وتأتي أهمية هذه القواعد لتضمن لها رقابة على الطرق باتجاه سورية ولتكون بمثابة ستارة تمنع التواصل الحرّ بين النظام الإيراني وحليفها في سورية عبر الأراضي العراقية.

واعتبر محللون سياسيون معنيون بالشأن العراقي أن قرار إعفاء العراقيين من حظر الدخول للولايات الأمريكية سيعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية العراقية على كافة الصُعد، وسيمهد الطريق لشراكة استراتيجية بينهما، فالقرار أبعاده سياسية تتعلّق بتهيئة الظروف المناسبة لعلاقة أميركية عراقية متميزة في مرحلة ما بعد تنظيم داعش التي تلوح من خلف غبار المعركة الجارية في الموصل، وهي مرحلة تطمح إدارة ترمب لأن تعيد خلالها ترميم نفوذ واشنطن المتآكل في العراق والشرق الأوسط.

ومن هذا القرار يبدو  أن سياسة الانكفاء التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في ترسيخ النظام الإيراني نفوذه في العراق، الذي يمثّل مركز ثقل كبير له. كما ساهم هذا النفوذ في تقوية أو صمود حليفه النظام السوري،أن تلك السياسة قد طويت صفحتها مع قرارات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه العراق، وكان آخرها السماح للعراقيين بدخول الولايات المتحدة الأمريكية. فمن منظور إدارة ترمب،إنّ انسحاب القوات الأميركية من العراق في عهد الرئيس السابق باراك أوباما خطأ استراتيجي جعل المليارات من الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في العراق -وفق رواية ترامب نفسه- تذهب هباء وتجيّر لمصلحة النظام الإيراني. فكما كان العراق نقطة انطلاق النفوذ الإيراني منذ الغزو الأميركي الذي أطاح عام 2003 بنظام صدام حسين، يتحول تدريجيا إلى أرض المعركة النهائية التي ستعيد تشكيل موازين القوى على أسس جديدة في الشرق الأوسط. فالعراق يُشكل جوهر الاستراتيجية الأميركية الجديدة الهادفة للعودة إلى دائرة الفعل والتأثير في منطقة الشرق الأوسط.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية