رؤية محمد بن زايد.. خيار ‘النوعية’ والمرتكزات الخمسة

رؤية محمد بن زايد.. خيار ‘النوعية’ والمرتكزات الخمسة

تنطلق رؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للتغيير والتطور والتأسيس للمستقبل من التركيز على الخيار الأوحد “خيار النوعية” في ظل منافسة تعتمد على العلم. تجلّى ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها في ختام فعاليات “مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل” الأربعاء (8 مارس الجاري)، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض.

تُحقِّقُ الرؤية -في طرحها المتواصل- مسألتين هامتين، أوَّلُهما الذهاب إلى المستقبل قبل حضوره من خلال إبعاد الخوف عن الأجيال الجديدة في الإمارات بحيث تغدو هي الثروة الحقيقية في مرحلة ما بعد النفط. وثانيهما الشراكة مع العالم في مرحلة أولى والتنافس في مرحلة ثانية والفوز في السباق في مرحلة ثالثة، وربما لهذا السبب ركَّز على اللحاق بدول أحدثت تطورا في مجال التعليم ومنافستها، مثل نيوزيلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وليس منافسة شركات عالمية. ولهذا يرى الشيخ محمد بن زايد “أن رحلة شباب الإمارات رحلة جيل من أجل وطن.. عليه أن يجاهد ويتسلح بالعلم ثم يعود ليتسلم الراية”.

وتأسيس تلك الرؤية يأتي من خمسة مرتكزات تتداخل أحيانا إلى درجة يصعب فيها التمييز بينها من الناحية التطبيقية وإن كان ذلك ممكنا من الناحية النظرية، وتتباعد أحيانا أخرى حتى لكأنّها تشكل عوالم منفصلة، وصحيح هي مكملة لبعضها لكن كل مرتكز منها مستقل بذاته، ومع هذا كله فهي تسير معا وتعمل لأجل تحقيق هدف واحد، وهي تتطلب إرادة وحسما وتعلقا بآمال الغيب وتحويلها إلى حقائق، ولا يؤثر فيها تداخل الأبعاد الزمنية ولا يحول دون تحققها ما يحدث من تغيرات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

يكشف الحديث عن المرتكزات الخمسة عن رؤية تقوم على استراتيجية شاملة لها ما يؤديها من تطبيق عملي، ويحق للعرب جميعهم، إن أرادوا تغيير حالهم، الاستناد عليها، ذلك لأنها بنات زمانها بما فيه من حداثة وعصرنة وتطبيقات للعلم على أوسع نطاق، كما أنه يؤسس لتحول عربي قائم على المشاركة في الحقل العالمي للسياسة والاقتصاد والثقافة وكل مجالات الحياة وتلك المرتكزات هي:

تواجد شباب الإمارات في مختلف المواقع وتخصصهم الأكاديمي في مجالات علمية متطورة واكتسابهم للمعارف والعلوم من مختلف جامعات العالم علامات دالة على صدقية الرهان

◄ ميراث الحكمة: وهذه كما ذكر الشيخ محمد بن زايد “أنه وقبل 47 سنة وفقنا بقيادة حكيمة، وليست ذكية فقط، أقامت بنية تحتية على أسس صحيحة.. وبفضل تلك القيادة نحن نضع رؤية 25 سنة و50 سنة إلى الأمام”.

وعلى خلفية ما قام به المؤسسون الأوائل وعلى رأسهم الشيخ زايد أصحبت الإمارات “دولة مغرية” للعيش فيها، لما لها من اقتصاد قوي ومواصلات واتصالات متميزة على مستوى المنطقة والعالم، وتوفر الأمن والأمان، الأمر الذي جعل 70 بالمئة من الشباب العربي -حسب استبيانات الرأي- يريدون العيش فيها ويزورها 28 مليون سائح سنويا.

هناك اليوم في الإمارات تنمية لميراث الحكمة حيث يتحقق الرشد بوعي وبجد، ليس فقط من أجل المحافظة على المكاسب والمنجزات ولكن للتمكين لرؤية عربية ناضجة في الداخل والخارج تكشف عن أن الدمار والتطرف والفساد ليست حالة عربية شاملة، بدليل أن واقع الإمارات يشكل وجها جميلا يظهر البناء والتسامح والصلاح، وهذا يتم من خلال استراتيجية دائمة لصانع القرار ينمّي من خلالها ميراث الحكمة والرشد.

◄ الرهان على الإنسان: وهذا المرتكز يتجلى في ثلاثة أبعاد، أولها دفعه ليكون فاعلا وصانعا لتاريخه الشخصي والوطني ومشاركا مع العالم بإيجابية، وثانيها التعويل عليه باعتباره الأمل والمستقبل، وثالثها جعله في المكان المناسب. ومن خلال هذه الأبعاد يتحقق الهدف الأساس وهو أن يكون المستقبل أفضل من الحاضر، مهما كان هذا الخير ثريا وجميلا ومُبهجا، وقد يستغرق تحقيق هذا مسيرة طويلة، لكن المهم أن يصبح واقعا معاشا حين يحل أوانه.

الواقع أن الرهان على الإنسان، اليوم، في الإمارات العربية المتحدة ليس تنظيرا ولا هو خطاب سياسي، ولكنه وعي وقرار وتنفيذ، وهو عمل يومي. وتواجد الشباب الإمارات في مختلف المواقع وتخصصهم الأكاديمي في مجالات علمية متطورة، واكتسابهم للمعارف وللعلوم من مختلف جامعات العالم، علامات دالة على صدقية الرهان.

◄ إحياء منظومة القيم: والحديث هنا يخص مادة الأخلاق التي أقرت الشهور الماضية وتم وضعها ضمن البرامج المدرسية.

وقد دار حول هذا الموضوع نقاش واسع اختصره الشيخ محمد بن زايد في سؤال كثير من الناس: لماذا تدرَّس مادة التربية الأخلاقية؟ وجاءت إجابته على النحو التالي “في الإمارات 9 ملايين من غير الإماراتيين، ومليون إماراتي فقط، وهذا ما يؤثر فينا كثير وليس لدينا مضاد حيوي، وهناك تأثير لوسائل التواصل الاجتماعي”. ما يعني أن منظومة القيم تمثل حماية للمجتمع من العادات والثقافات الدخيلة على غرار ما فعلت دول أخرى ومنها اليابان.

الواقع أن مسألة إحياء منظومة القيم من خلال تدريس الأخلاق تحقق ثلاثة أهداف أولها حماية المجتمع من حدوث فوضى المُنظَّرين من مثقفين ورجال دين سواء لجهة نقدهم للوضع العام أو باستغلال تدهور القيم وبث أفكار تهدد السلم الاجتماعي، وثانيها فرض سلطة الدولة لجهة التأكيد على دورها في التراث الجمعي ومسؤوليتها المباشرة عن حمايته، وثالثها طرح الأخلاق في بعدها الحقيقي والعميق لجهة فرض التسامح والاعتراف بالآخر وطرح قيم التعايش والاستفادة من التنوع الثقافي.

وبقدر ما نجد في رؤية الشيخ محمد بن زايد سعيا دؤوبا للاستفادة من تجارب العالم في العلوم والمعارف، بقدر إقراره للحالة العربية الراهنة، وهو ما يظهر في قوله “نحن العرب لدينا قيم وعادات جميلة ولا نريد أن يدخل علينا شيء غريب يخرّب قيمنا..”.

◄ صواب رؤية الآخر: وذلك من خلال الاعتراف بوجود رأي مختلف عنَّا يحمل صدقا وواقعية وصوابا في مكان آخر من هذا العالم الفسيح، وهذا يعني عدم احتكار الحقائق، وهو جاء واضحا في قوله “نحن شرق أوسطيون، عرب، مسلمون، تعلَّمنا أننا دائما على صح، وهذا أمر خطير.. هناك أناس صح على الطرف الثاني من الكرة الأرضية.. الطرف الآخر أيضا صح.. هذا يمثل تحديا في ثقافتنا، لكن ما الذي سنستفيده في حال اعترافنا برأي الآخرين؟”.

نجد الإجابة من خلال سرده لبعض التجارب العالمية “سنغافورة كانت قبل خمسين عاما عبارة عن مستنقعات، أنظروا كيف وصلت اليوم إلى تعليم شبابنا وعلاج مرضانا! كوريا كانت قبل 20 سنة تأخذ معونات من الدول الغنية، اليوم هي من مجموعة العشرين!”.

وعلى خلفية تلك التجارب وإيمانا بالانتصار في المستقبل وبتغير ميزان القوى على المستوى العالمي وظهور فاعلين جدد يدعو الشيخ محمد بن زايد شباب الإمارات إلى التفاعل المبكر مع التطور المقبل قائلا “في الإمارات علينا أن نعرف كيف نتعامل مع الصين والشيلي ونبرم معهما عقودا ونُربِّح شركات إماراتية”.

◄ توجيه رسائل إيجابية: ويمثل هذا المرتكز الهدف الأسمى لأنه يقدم الإمارات والعرب ضمن سياق الحضارة والتواجد والمشاركة، ولا يحول دون تحقيقه الظلام الذي عم المنطقة ولا عدم الاستقرار، وبهذا الخصوص يقول الشيخ محمد بن زايد “نحن من منطقة صعبة وغير مستقرة.. بلادنا مثل النور الذي يشعُّ في منطقة مظلمة، وهي أيضا قدوة حسنة، مع احترامي لكل جيراننا”.

تجسد تلك المرتكزات وغيرها، رؤية الشيخ محمد بن زايد وتأتي لتكون “منفستو” (بيان) موجه للأجيال الإماراتية في المستقبل المنظور، وهو أيضا صوت عال لمن أراد من العرب أن يذكر أو أرد أن يكون جزءا من العالم المعاصر، كما أنه بيان للعالم كله ضمن رسائل إيجابية يحتاج إليها بعد أن ساد الظلام والدم وسيطر التوتر على شبكة العلاقات الدولية.

خالد عمر بن ققة

صحيفة العرب اللندنية