تراخيص الاستيراد تنعش شبكات الاحتكار والمضاربة في الجزائر

تراخيص الاستيراد تنعش شبكات الاحتكار والمضاربة في الجزائر


الجزائر – تعكف وزارة التجارة الجزائرية على إعداد برنامج جديد لتراخيص استيراد بعض المنتجات والمواد الاستهلاكية، وسط انتقادات بشأن تعزيز احتكار الحكومة للنشاط الاقتصادي والتجاري، الأمر الذي يفاقم الخلل في السياسات التجارية ويؤدي إلى غليان الأسعار.

وقال الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس إن أسلوب تراخيص الاستيراد يؤدي إلى تكريس للبيروقراطية والاحتكار من قبل لوبيات تستفيد من نفوذها وقربها من مصادر صناعة القرار.

وأضاف أن “حصر استيراد بعض المنتجات والمواد الاستهلاكية بعدد معين من المتعاملين يثير الريبة والشكوك بشأن نظام التراخيص والحصص ومصير باقي المتعاملين”.

وأكد أن “الانتقائية الغامضة والمعايير المعتدة في منح التراخيص لخمسة متعاملين من بين 200 متعامل في مجال استيراد الموز مثلا، خطوة في طريق الاحتكار ودفع الآخرين للإفلاس”.

وينتظر أن تفرج وزارة التجارة خلال أيام عن قائمة المستفيدين من تراخيص استيراد المنتجات والمواد الاستهلاكية، في خطوة تقول الحكومة إنها تهدف “لترشيد الإنفاق ومحاربة التبذير” ووقف استنزاف الاحتياطات المالية.

وتشهد السوق الجزائرية اشتعالا غير مسبوق في الأسعار ليصل معدل التضخم إلى 8 بالمئة حاليا بحسب الأرقام الرسمية، فضلا عن ندرة حادة في بعض المواد الاستهلاكية ما أدى لانتشار ظاهرة التهريب من تونس بسبب توقيف استيرادها ونفادها من الأسواق.
إسماعيل لالماس: سياسة الحكومة تتنافى مع شفافية اقتصاد السوق وتشجع الاحتكار والمضاربة

ولا تنسحب الندرة والتهريب على المواد الغذائية أو الكمالية فقط، بل وصلت إلى بعض الأدوية غير المنتجة محليا، حيث تعاني المستشفيات من غياب الأدوية، بعدما لجأت وزارة الصحة إلى تقليص واردات الأدوية لتقليص موازنتها الخاصة، رغم تداعيات القرار على صحة ملايين الجزائريين.

ويعد سوق السيارات أكبر المتضررين، حيث تراجعت واردات السيارات من حوالي 600 ألف سيارة ومركبة في عام 2013 إلى نحو 50 ألف سيارة خلال العام الجاري، ولم تتمكن مصانع التركيب المقامة مؤخرا من تلبية الطلب المحلي، ما أدى لتفاقم المضاربة وارتفاع الأسعار.

وأثارت ندرة مادتي الموز والثوم في الأسواق الجزائرية منذ عدة أسابيع، سخطا في الشارع الجزائري، ووصل سعر الموز إلى 10 دولارات والثوم إلى 15 دولارا للكيلوغرام الواحد، رغم أسعاره المتدنية في الأسواق العالمية.

ويقول محللون إن الجزائريين والحكومة أصبحوا تحت رحمة شبكات المضاربة والاحتكار، التي تعمد إلى إخفاء المنتجات لفترة معينة، ثم تقوم بطرحها في السوق بأسعار خيالية.

وأكد الخبير المالي فرحات آيت علي، لـ”العرب” أن النموذج الاقتصادي الجديد، المكرس في قانون الموازنة العامة للعامين الأخيرين، بحث تقليص فاتورة الواردات وتجاهل تداعيات ذلك على الجبهة الاجتماعية وعلى عوائد الخزينة العمومية من مداخيل الضرائب.

وأضاف أن “تقليص الواردات سيكرس الاحتكار والمحاباة، وتغذية اللوبيات المترصدة بتحويل العملة الصعبة، ويقلص العوائد الجمركية، التي كانت تشكل 30 بالمئة من قيمة الضرائب المحصلة”.

وأضاف أن “سياسة التراخيص والحصص تتم في ظروف غامضة، ومهما اجتهدت الحكومة في تبرير ذلك بمعايير معينة للاستيراد، فإنها ستكرس المحاباة وتغذي اللوبيات النافذة، وتحيل المئات من المتعاملين إلى الإفلاس، وتلهب الأسعار في الأسواق المحلية وتجعلها تحت قبضة الاحتكار والمضاربة”.
فرحات آيت علي: برنامج تقليص الواردات يهمل تداعيات ذلك على مداخيل الخزينة العمومية

وكانت الحكومة قد كشفت مؤخرا عن شبكات مضاربة في غرب ووسط البلاد، قامت باحتكار أكثر من 30 ألف طن من البطاطا، التي سجلت ارتفاعا فاحشا في الأسعار إلى جانب عشرات المواد الغذائية الأخرى، ما أدى إلى إنهاك القدرات الشرائية للمستهلكين ورفع نسبة التضخم إلى مستوى غير مسبوق.

ويرى آيت علي أن الزيادات التي أقرتها الحكومة في الرسوم والضرائب، لا سيما ضريبة القيمة المضافة، بموجب قانون الموازنة العامة الأخير، استفزت بدرجة أولى السوق الموازية، التي تستقطب نصف النشاط الاقتصادي والكتلة النقدية وتنشط خارج القنوات الرسمية، بشكل يجعل الحكومة عاجزة عن التحكم في الأسعار والتموين.

وكان رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، قد وعد في تصريحات سابقة، بعدم نزول الاحتياطات المالية تحت سقف 100 مليار دولار مهما كانت الإكراهات، إلا أنه تراجع عن ذلك في اجتماع أطراف الثلاثية (الحكومة والشريك الاجتماعي وأرباب العمل).

وأقر بأن الاحتياطات المالية “ستنخفض إلى 96 مليار دولار في شهر يوليو المقبل، قبل أن تعود إلى وتيرة الصعود مع نهاية السنة الجارية”.

وألقى تصريح عبدالمالك سلال مخاوف لدى الشارع الجزائري، بالنظر لسلبية أداء الحكومة، وعجزها منذ عام 2014، عن إيجاد بدائل اقتصادية تحرر البلاد من تبعية الريع النفطي، والاعتماد على الاحتياط النقدي لتعويض الاختلالات المزمنة.

وكانت الاحتياطات قد تراجعت تحت سقف 200 مليار دولار في النصف الأول من عام 2014 ومن المتوقع أن تنخفض إلى أقل من 100 مليار بعد ثلاثة أشهر من الآن، ما يثير أسئلة عن مصير اقتصاد البلاد بعد سنتين قادمتين، في ظل تذبذب أسعار النفط في الأسواق الدولية والفشل في تنويع مداخيل البلاد.

العرب اللندنية