عزلة محتملة: هل تتفاقم الأوضاع الاقتصادية باليمن مع سيطرة الحوثيين؟

عزلة محتملة: هل تتفاقم الأوضاع الاقتصادية باليمن مع سيطرة الحوثيين؟

_65015

تُواجه اليمن أزمة اقتصادية محتملة نابعة من تعقد وتشابك الموقف السياسي عقب سيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثية على المشهد السياسي. وإذا كان الاستقرارُ السياسي الذي تحقق بعد انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي في نوفمبر 2012، كفيلا باستعادة نمو الاقتصاد اليمني؛ فإن الوضعَ السياسي الراهن يعكس إمكانية تردي الأوضاع الاقتصادية جراء العنف السياسي المحتمل.

وربما يمكن القول إن ما يؤزم الموقف الاقتصادي الراهن هو أن سيطرة الحوثيين على السلطة تفرض تداعيات سلبية على بنية الاقتصاد اليمني إذا توقف إنتاج بعض الشركات النفطية الأجنبية، كما أن خروج كثيرٍ من مشروعات الاستثمارات الأجنبية بات مسألة قريبة التحقق، وهو ما يمكن أن تنجم عنه في النهاية أزمة إنسانية واسعة النطاق.

تحسن تدريجي:

شهد الاقتصاد اليمني تحسنًا تدريجيًا خلال عامي 2012 و2013 بفضل انتعاش صادرات النفط، والتي ساهمت في دفع النمو الاقتصادي ليبلغ 2.4 و4.8% على التوالي، ليعكس بذلك أوضاعًا اقتصادية أكثر استقرارًا مقارنة بعام 2011 الذي شهد انكماشًا اقتصاديًّا بسبب تصاعد العنف السياسي المصاحب للثورة اليمنية عام 2011.

وعلى النقيض؛ تأتي الأحداث السياسية المضطربة بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، لتضفي قدرًا من السلبية على بيانات 2014. وتكشف المؤشرات الأولية عن أنه مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى التخريب المتكرر لأنابيب النفط بالبلاد من قبل تنظيم “القاعدة”، تراجع القطاع النفطي قرابة 8.5% في 2014، إلى جانب تأثر باقي القطاعات الأخرى كالقطاع السياحي والعقاري.

تراجع الإنتاج النفطي:

رغم عدم صدور بيانات حديثة توضح تداعيات سيطرة الحوثيين على الأوضاع الاقتصادية، فإن الدلائل الأولية تُشير إلى أن القطاع النفطي باليمن يبدو الأكثر تأثرًا بتصاعد الاضطراب السياسي؛ إذ إن الإنتاج النفطي بالبلاد بدأ في التراجع مع إجبار القبائل عددًا من الشركات الأجنبية بمحافظتي حضرموت وشبوة على إيقاف إنتاجها، علمًا بأن المحافظتين، بالإضافة إلى مأرب، تُساهم بالنسبة العظمى من إنتاج البلاد من النفط والغاز، وفي هذا السياق المضطرب أوقفت شركة “دي إن أو” النرويجية عمليات الاستكشاف والإنتاج التي تقوم بها، كما أعلنت وحدة “نكسين” التابعة لشركة “سي.إن.أو.أو.سي” الصينية أنها ستوقف أنشطتها بسبب تصاعد التهديدات الأمنية.

ويتعرض إنتاج البلاد من النفط لمخاطر كبيرة، حيث تشكل صادرات النفط قرابة 87% من إجمالي صادراتها، وهو الأمر الذي سيقود الريال اليمني إلى مزيدٍ من الانخفاض أمام الدولار، ومن ثمّ ارتفاع تكلفة الاستيراد. وعلاوة على ذلك، فإن التراجع المحتمل لإيرادات الدولة من صادرات النفط سيكون مضاعفًا في ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط؛ إذ تُشير بعضُ التقديرات الرسمية اليمنية إلى أنها ستتكبد خسارة قرابة 359 مليون دولار خلال العام الجاري 2015 في حال بلوغ سعر برميل النفط 65 دولارًا، وقد تتزايد إلى 504 ملايين دولار إذا هبط السعر إلى 50 دولارًا.

أزمة إنسانية:

تلعب المساعداتُ الإنسانية التي تتلقاها اليمن دورًا هامًّا في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية المستمرة التي تواجهها منذ عقود، وجدير بالإشارة أن هناك نحو 54% من سكان البلاد فقراء، فيما نحو 60% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية مزمن، و35% يُعانون من نقص الوزن، بينما 13% لديهم سوء تغذية حاد، وفي ظل الاضطرابات السياسية الراهنة، فإن وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين يتطلب تنسيقًا ثلاثي الأطراف ما بين الحوثيين والقبائل والمنظمات الدولية، وهو أمر صعب في الوقت الراهن، بما قد يفرض عراقيل أمنية وسياسية في وصول المعونات العاجلة لليمنيين.

عزلة اقتصادية دولية:

يتبنى المجتمع الدولي والإقليمي موقفًا مناهضًا لاستيلاء الحوثيين على الحكم منذ سبتمبر 2014، وهو ما قد يضع الحوثيين في عزلة دولية قد تُلحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد اليمني، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية بين كافة الأطراف السياسية، خاصة أن المساعدات والمنح التي تتلقاها اليمن من المجتمع الدولي تمثل مصدرًا هامًّا للنقد الأجنبي بالبلاد.

وعلاوةً على ذلك، أصبح موقف اليمن أكثر صعوبة في الاقتراض الخارجي لسد احتياجاتها من النقد الأجنبي، فيما ظهرت إشارات أولية مع بداية الأزمة إلى إقدام المستثمرين الأجانب على الخروج من السوق اليمنية، والجدير بالإشارة أن البيانات الأولية لصندوق النقد الدولي توضح أن هناك استثمارات بقيمة 1.7 مليار دولار خرجت بالفعل من اليمن عام 2014. وقد تزداد الأوضاع الاقتصادية تعقدًا حال لجوء المجتمع الدولي إلى تطبيق عقوبات اقتصادية على اليمن.

والمحصلة النهائية في ضوء ما تبين هي أن استمرار الأزمة السياسية في اليمن سيقود أوضاع الاقتصاد اليمني إلى مزيد من التعقد، في ظل تدهور الإنتاج النفطي، ومضي المجتمع الدولي قدمًا في عزل اليمن دوليًّا، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى حدوث تدهور اقتصادي كبير.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية