بريطانيا تهدد أوروبا: التجارة مقابل الحماية

بريطانيا تهدد أوروبا: التجارة مقابل الحماية


لندن – تصاعدت مناوشات دول أوروبية تشعر بالحنق تجاه بريطانيا التي تسعى إلى الاستحواذ على كل الأوراق المتاحة في مفاوضات شاقة ستشكل ملامح خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ووصل التصعيد إلى مستوى غير مسبوق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ هددت بريطانيا بالامتناع عن التعاون الاستخباراتي مع أوروبا، إذا ما عرقلت دول الاتحاد حصول بريطانيا على مزايا تجارية بعد تخليها عن عضوية السوق الأوروبية.

وسرعان ما هدد الاتحاد الأوروبي بريطانيا بضم جيب جبل طارق إلى إسبانيا. وقال زعيم حزب المحافظين السابق مايكل هاورد الأحد “(رئيسة الوزراء) تيريزا ماي مستعدة للدخول في حرب من أجل الحفاظ على سيادتنا على جبل طارق”. وعززت تهديدات الاتحاد الأوروبي شعورا بالقومية يتزايد بالفعل منذ الاستفتاء الذي أجري في يونيو من العام الماضي، وأسفر عن خروج بريطانيا من الاتحاد.

وفي عام 1982 دخلت بريطانيا بالفعل حربا شعواء تحت قيادة رئيسة الوزراء المحافظة مارغريت ثاتشر ضد الأرجنتين التي حاولت بسط سيطرتها على جزر الفوكلاند، ونجحت في إبقائها تحت السيادة البريطانية.

وهناك أوراق يمكن لماي طرحها على طاولة المفاوضات للرد على الضغط الأوروبي المتزايد، منها مستقبل أكثر من 3 ملايين أوروبي يعملون في بريطانيا.

ويشغل هؤلاء المهاجرون وظائف أغلبها متواضع وتحتاج إلى عمالة كثيفة. ومن بين هذه الوظائف جمع المحاصيل الزراعية والعمل في المطاعم والمقاهي، وتولي أعمال النظافة في الفنادق والأماكن العامة. ويرفض أغلب البريطانيين القيام بهذه المهام.

كما يشكل الأوروبيون أكثر من ربع القوة العاملة في هيئة الصحة الوطنية (إن إتش أس) فضلا عن الجامعات البريطانية. ومن المتوقع أن تؤدي ضبابية المفاوضات وصعوبتها إلى عدم يقين يدفع الكثير من الممرضات والأطباء والموظفين الأوروبيين إلى العودة إلى بلدانهم. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى انهيار القطاع الصحي المدعم تماما.

لكن تضمين التعاون الأمني والاستخباراتي كورقة تفاوض في خطاب الخروج، الذي تسلمه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الأربعاء الماضي، أخذ الأوروبيين على حين غرة.

ويعني هذا أن بريطانيا باتت مستعدة للمقامرة بحياة أفضل للبريطانيين، متمثلة في اتفاق تجارة عادل مع أوروبا، مقابل المقامرة بموتهم إذا ما امتنعت أجهزة الاستخبارات البريطانية، وهي أكثر الأجهزة الأمنية كفاءة في أوروبا، عن إبلاغ دول الاتحاد بأي تهديد محتمل قد يقع على أراضيها.

وما يقرب من 40 بالمئة من حجم المعلومات الاستخباراتية التي تصل إلى هيئة الشرطة الأوروبية (يوروبول) مصدرها بريطانيا، كما تم وضع الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرهاب “نقلا بالحرف” عن الاستراتيجية البريطانية.

ويقول غي فيرهوفستاد، رئيس وزراء بلجيكا السابق وممثل البرلمان الأوروبي في مفاوضات بريكست “حاولت قدر المستطاع أن أكون رقيقا تجاه السيدة ماي، لذلك لم أستخدم ولم أفكر في استخدام كلمة ‘ابتزاز’ في معرض ردي عليها”.

وأضاف فيرهوفستاد، وهو أحد أكبر المناصرين للاتحاد الأوروبي وصاحب كتاب “فرصة أوروبا الأخيرة”، “أعتقد أن أمن مواطنينا أهم كثيرا من التجارة معهم، رغم أن الجانبين التجاري والأمني مهمان لمستقبل الشراكة بيننا من دون المساومة بأحدهما لتحقيق الآخر”.

وتأخذ مقاربة المتشددين في بريطانيا تجاه التعاون الأمني مع أوروبا منحى وصفه الكثيرون بـ”الساذج”، إذ أن وقف تنسيق المعلومات الاستخباراتية سيعرض بريطانيا لأخطار محدقة أيضا.

وستنعكس اللهجة البريطانية المتشددة حتما على حجم العراقيل التي من المتوقع أن تواجهها على طاولة التفاوض.

وقال رافائلو بانتوتشي، مدير دراسات الأمن الدولي في مركز الخدمات الملكية المتحدة في لندن، “أعتقد وأتمنى أن البند الذي أدرجته ماي في خطاب الانفصال ليس تهديدا مباشرا من بريطانيا، بحيث تغمض عينيها عن أي حادث قد يصيب القارة. هذا مفاجئ تماما”.

العرب اللندنية