تحليل لقدرات “داعش” في التسليح: أي أسلحة يستخدم ومن أين يحصل عليها؟

تحليل لقدرات “داعش” في التسليح: أي أسلحة يستخدم ومن أين يحصل عليها؟

م إضعاف مجموعة “داعش” بحدة في الأشهر الأخيرة، بسبب التقدم الذي أحرزته القوات العراقية، والميليشيات الشيعية، والمقاتلون الأكراد، وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي خضم المعارك الشرسة الدائرة حول معاقله، لم يعانِ “داعش” من فقدان الأراضي والأفراد فحسب، وإنما فقد أيضاً سبل الوصول إلى المصادر الرئيسية للدخل، وشهد بالتزامن تضاؤل حضوره الإعلامي على شبكه الإنترنت. ومع ذلك، تجعل قدرات التنظيم المتقدمة في الأسلحة منه تهديداً مستمراً لأولئك الذين لا يتفقون مع نظرته العالمية المروعة. ومن أجل تحييد التهديد العسكري الذي يشكله “داعش”، فإن من الضروري التحقق أولاً من قدراته من الأسلحة والمصادر التي يعتمد عليها في تسليحه.
منذ أعاد التنظيم تسمية نفسه في العام 2013، وشرع في شن حملاته للسيطرة على مدن رئيسية في العراق وسورية في العام التالي، حاز “داعش” ترسانة متنوعة من الأسلحة. وكسبت المجموعة هذه الأسلحة عن طريق إلحاق الهزيمة بالقوات العراقية والكردية ذات التسليح الأميركي؛ وقيامه بسرقة الأسلحة الكيميائية من مخزونات الحكام المستبدين في المنطقة؛ وتهريب المواد إلى المناطق التي تسيطر عليها المجموعة، وتطوير مصانعها الخاصة لإنتاج الأسلحة. ولم تسمح هذه الأساليب التي استخدمها “داعش” له بمجرد استخدام أسلحة تشبه تلك التي تستخدمها الجماعات الإرهابية الأخرى، وإنما أتاحت له إمكانية تصنيع الذخيرة من طبقة الجيوش المحترفة، والتي تنافس تلك التي تقوم بإنتاجها الدول القومية.
مثل الكثير من الجماعات المسلحة من غير الدول قبله، يفضل “داعش” استخدام البنادق الهجومية، وكان السلاح المفضل لمسلحيه هو بندقية كلاشنكوف (AK-47). وخلال المراحل الأولى من عملياته، استخدم التنظيم الأسلحة التي يمكن إخفاؤها وحملها بسهولة، مثل الصواريخ التي تُطلق من على الكتف، فيما يعود على الأغلب إلى أن أعضاءه كانوا ينفذون عمليات تسلل من أجل كسب السيطرة على الأرض خلال فترة قصيرة نسبياً من الوقت. وقد استولى “داعش” على معظم محافظة الأنبار العراقية في كانون الثاني (يناير) 2014، ومضى إلى انتزاع السيطرة على مدينة الموصل، مجبراً القوات الحكومية على التخلي عن المدينة.
وبينما واصلت المجموعة توسيع مناطقها في شمال وغرب العراق، وكذلك في سورية، فقد تمكنت من الاستيلاء على الأسلحة والعربات العسكرية التي تركتها القوات العراقية والسورية وقوات الثوار. ومن بين هذه المعدات: حوالي 55 دبابة من الحقبة السوفياتية؛ وست عربات مدرعة برمائية سوفياتية من طراز BRDM-2؛ واثنتان من العربات البرمائية المدرعة السوفياتية المساعِدة من طراز MT-LB؛ و20 مركبة مشاة قتالية سوفياتية من طراز BMP-1، وثلاث قطع من مدفعية 2S1 Gvozdika السوفياتية ذاتية الدفع؛ وأسطول من عربات Hamvi المدرعة أميركية الصنع؛ وبنادق B-10 و M4 عديمة الارتداد؛ ومجموعة كبيرة من القاذفات الصاروخية RPG-7؛ ومجموعة كبيرة من قاذفات الصواريخ الأخرى المتنوعة ومدافع الهاوتزر، والمدافع الميدانية، والمدافع المضادة للطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، والصواريخ المضادة للدبابات، بل وحتى طائرات عمودية من طراز “بلاكهوك” وطائرات مقاتلة أيضاً.
كما قام “داعش” أيضاً بإنشاء طرق تهريب معقدة، والتي أتاحت له إمكانية إدخال الأسلحة والذخائر غير المشروعة إلى البلاد. وقد اشترت المجموعة الأسلحة من الأفراد العسكريين الفاسدين، وتجار الأسلحة، ومن جماعات مسلحة متشددة أخرى في كل من تركيا، وقطر، وسورية، والعراق، والسعودية والأردن، والتي ساعدت كلها المجموعة في جلب الأسلحة إلى داخل البلد دون أن يتم اكتشافها.
بشكل خاص، تعمل تركيا كنقطة عبور دولية رئيسة، وتشير التقارير إلى أن أسلحة من كرواتيا دخلت إلى المناطق التي يسيطر عليها “داعش” من خلال حدودها التركية. ومع ذلك، ركز نشاط “داعش” في السوق السوداء بشكل أساسي على شراء الذخيرة. ووجد تحقيق أجرته منظمة أبحاث تسليح الصراعات، ومقرها المملكة المتحدة، أن “داعش” يستخدم ذخائر تأتي من 21 بلداً، والتي تم تصنيع معظمها في الصين، والاتحاد السوفياتي/ الاتحاد الروسي، والولايات المتحدة. كما تم العثور في مناطق “داعش” أيضاً على ذخائر مصنوعة في صربيا، والسودان، وكوريا الشمالية، وهنغاريا، وقرغيزستان، وهو ما يشير إلى أن بنية شبكة المجموعة وقنوات التهريب العابرة للحدود الوطنية تتيح لها تلقي الأسلحة والإمدادات من مجموعة متنوعة من المصادر العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، تم العثور على ذخائر من صناعة إيرانية في مخابئ أسلحة “داعش”، فيما قد يشكل انتهاكاً لقرار صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2006، والذي حظر على إيران تصدير الذخائر.
بكل وضوح، تتفوق قدرات مجموعة “داعش” في مجال الأسلحة على قدرات الجماعات الجهادية الإرهابية الأخرى، ليس فقط بسبب استيلائها على الأسلحة من مستوى أسلحة الجيوش، وإنما أبضاً بسبب مهارتها في تصنيع أسلحتها الخاصة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، كشفت فرق التحقيق التي تعمل في المناطق المحررة حديثاً من “داعش” في الموصل النقاب عن ست مصانع حيث كان التنظيم يقوم بتصنيع الصواريخ، والقذائف، ومدافع الهاون. ووفقاً لتقرير فريق التحقيق، فإن “درجة التنظيم، ومراقبة الجودة، وإدارة المخزون، تشير كلها إلى نظام إنتاج صناعي متطور ومسيطر عليه مركزياً”. وتشبه الإجراءات المعيارية التي تبنتها المجموعة تلك المعايير التي تستخدمها الجيوش التقليدية، وقد سمح لها ذلك بإنتاج عشرات الآلاف من الصواريخ وقذائف الهاون، مما يظهر أن قدرة إنتاج الأسلحة لدى “داعش” ربما تكون في الحقيقة شبيهة بقدرات الدولة القومية.
مع وجود هذا العدد الكبير من مصادر الأسلحة والذخائر، ربما يتساءل المرء عما يمكن فعله لإضعاف قدرات “داعش” التسليحية. ويمكن اقتراح بعض الأفكار في هذا الإطار. أولاً، يجب على القوات الأميركية والشيعية والكردية والقوات المتحالفة أن تواصل ضغطها لاستعادة المناطق التي يحتلها “داعش” في العراق وسورية، حيث سيضطر مقاتلو المجموعة إلى ترك مرافق تصنيع الأسلحة والأسلحة الكبيرة وراءهم. ثانياً، يجب تحصين حدود سورية مع العراق وبقية الدول المجاورة. وتتسم الحدود بين تركيا وسورية بأهمية خاصة في هذا الصدد، حيث تم تهريب الكثير من الأسلحة وعناصر الحرب الكيميائية إلى سورية عبر حدودها الشمالية. كما يجب على الدول في جميع أنحاء العالم تعزيز آليات الرقابة لضمان أن لا يتمكن تجار السلاح والأفراد العسكريون المارقون من تصدير الأسلحة والذخائر.
عزت منظمة العفو الدولية (أمنستي) ترسانة “داعش” الهائلة من الأسلحة إلى سوء الأنظمة والافتقار إلى الرقابة على واردات الأسلحة، وتحويلات الأسلحة غير المسؤولة، وتراخي الرقابة على المخزونات العسكرية. وفي ضوء هذه النقاط، يجب على قوات التحالف أن تتوخى الحرص والحذر في اختيار الميليشيات التي تقوم بتسليحها في القتال ضد “داعش”، وأن تدرس الشوط الذي ستقطعه في تسليحها. ويجب وضع آليات للإبقاء على الجيش العراقي مسلحاً ومسيطراً على مخزونات الأسلحة، في حين يتم نزع سلاح المجموعات من غير الدول. ومع ذلك، فإن نزع سلاح “داعش”، وكذلك العراق وسورية بشكل عام، ليس مهمة سهلة؛ فمع زيادة انعدام الأمن الإقليمي، من المرجح أن تتفاقم مشكلة انتشار الأسلحة في العراق وسورية وتصبح أسوأ قبل أن تصبح أفضل.

نبيل باتيا

صحيفة الغد