الشارع الشيعي العراقي يواجه أتباع إيران بشعار ‘برة برة’

الشارع الشيعي العراقي يواجه أتباع إيران بشعار ‘برة برة’

بغداد – أجبر طلبة جامعة القادسية بمدينة الديوانية، في جنوب العراق، أحد كبار قادة الميليشيات الشيعية على مغادرة جامعتهم حين كان يهمّ بإلقاء كلمة في أحد مدرّجاتها، تحت هتافات الاستهجان له ولإيران.

وبدأ تعرّض الجماهير لقادة الميليشيات والأحزاب الشيعية خلال تجمّعات عامّة، يتحوّل إلى ظاهرة تقلق هؤلاء القادة، إذ تؤشّر على نقمة متزايدة عليهم، وعلى وعي عامّ بدورهم في ما آلت إليه أوضاع البلد من سوء على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وبات الربط بين هؤلاء وإيران واضحا من خلال شعارات الاستهجان التي ترفع كلّ مرّة في وجوههم مطالبة بكف يد طهران عن العراق.

ويزداد الأمر خطورة في نظر القادة العراقيين الشيعة حين تصدر تلك التحركّات الجماهيرية ضدّهم من مدن ومناطق يعتبرونها خزانهم الجماهيري، ما يعني لهم خسارة شارعهم الذي لطالما شكّل لهم سندا في المناسبات الانتخابية وفي غيرها من حلقات الصراع على السلطة الذي يخوضونه باستمرار.

وفوجئ قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ المنشقّة عن التيار الصدري والتي تعدّ إحدى أشرس الميليشيات وأشدّها تبعية لإيران، حين كان يستعد لألقاء كلمة في جامعة القادسية بمدينة الديوانية مركز المحافظة التي تحمل نفس الإسم يشرح فيها دعوته إلى تأسيس “حشد” جامعي على غرار الحشد الشعبي، بالطلبة يهتفون ضدّه واصفين إياه بالجهل والتطفل على جامعتهم، ومطالبين إياه بالمغادرة.

وشملت هتافات الاستهجان إيران عبر ترديد شعار “إيران برّة برّة”، وهو شعار ليس بجديد على الشارع العراقي وسبق أن رفع في وقت سابق خلال مظاهرات كان يقودها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ببغداد ضدّ الفساد الحكومي وللمطالبة بالإصلاح.

وجاء رفع الشعار نفسه بالديوانية هذه المرّة أكثر تلقائية في تظاهرة عفوية غير مبرمجة بشكل مسبق.

وفي ردّ فعلهم على الطلبة، اعتدى عناصر الميليشيا المرافقين للخزعلي على الطلبة قبل أن يتمّ إجلاء زعيمهم من باب خلفي بشكل عاجل.

كما بادرت تلك العناصر إلى إطلاق النار داخل الحرم الجامعي. وأكدت قيادة شرطة الديوانية وقوع مشادات بين الطلبة وعناصر ميليشيا عصائب أهل الحق داخل جامعة القادسية نجمت عنها إصابات طفيفة لعدد من الطلبة.

وتؤشر مثل هذه الأحداث على تصاعد الغضب في الأوساط الشعبية العراقية من سياسات إيران وتدخّلها في البلد، ودليل على وعي رجل الشارع العراقي بمسؤولية طهران عما آلت إليه الأوضاع في العراق من سوء على مختلف المستويات.

ويقول مطلعون على الشأن العراقي إن موجة الغضب من الرموز السياسية الشيعية بصدد التحول إلى تيار تتمثل خصوصيته في اختراقه الشارع الشيعي المفترض –نظريا- موالاته لطهران على أساس عقائدي طائفي، وباعتباره موجها من قبل قيادات سياسية ودينية تعلن الولاء الصريح لإيران.

وتمثّل مجابهة قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية بشعار “إيران برّة برّة” إنذارا جدّيا للسياسيين العراقيين الموالين لطهران بشأن انفلات الشارع بكل طوائفه وأعراقه عن الضبط والتوجيه بعد أن عمّت القناعة بفشل تجربة حكم الأحزاب الشيعية المستمرّة منذ الغزو الأميركي للبلد الذي أطلق عملية سياسية قامت على المحاصصة وأتاحت لإيران نفوذا غير مسبوق في العراق عن طريق وكلاء محليين من قادة دينيين وسياسيين وقادة ميليشيات مسلّحة.

ووجّهت أشدّ الإنذارات لزعيم حزب الدعوة الإسلامي، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يتهمه العراقيون بالمسؤولية المباشرة عن الأوضاع القائمة في البلد بما في ذلك وقوع جزء من أراضيه تحت سيطرة تنظيم داعش، فضلا عن استشراء الفساد، وتصاعد الطائفية.

وفي ديسمبر الماضي اقتحم المئات من المحتجين في محافظة البصرة العراقية مركزا ثقافيا كان المالكي يعتزم إلقاء كلمة فيه أمام تجمع عشائري. وطرد المتظاهرون أنصار المالكي من قاعة مركز النادي الثقافي النفطي وسط البصرة متهمين إياهم بتأييد شخص متورط بدماء العراقيين.

كما ردد المحتجون شعارات ترفض تواجد المالكي في المحافظة باعتباره مسؤولا عن تدهور الأوضاع في البلاد. واضطر المالكي إثر ذلك إلى قطع جولته بمحافظات جنوب العراق وعاد إلى بغداد، في ظلّ حملة شنّها الإعلام الموالي له على خصمه مقتدى الصدر المتهم بالوقوف وراء الاحتجاجات التي واجهته.

ولا تقتصر موجة الغضب من إيران على رجل الشارع الشيعي بل تمتد إلى عدد من النخب السياسية والدينية حيث لا تخلو الساحة العراقية من مراجع ورجال دين شيعة معارضين للعملية السياسية ورموزها، ومتمرّدين على التبعية لإيران معتبرين العراق مصدر التشيّع وأصله، وأن المنطق السليم يقتضي أن يكون التأثير من العراق باتجاه إيران، ومن النجف باتجاه قم، وليس العكس.

ويرصد متابعون للشأن العراقي تنامي تيار مناهضة إيران في العراق، بفعل تراكمات 14 سنة من وقوع البلد ضمن دائرة التأثير الإيراني، وهي فترة سلبية على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعل ذلك التيار يجد له أتباعا ليس فقط داخل بعض الأوساط الدينية الشيعية الرافضة للتبعية لمراجع إيران، ولكن أيضا داخل أوساط سياسية شيعية إمّا غير مرضي عليها من قبل طهران وحُرمت بفعل ذلك من المشاركة في السلطة، وإما لكون بعض رموزها من دعاة الدولة المدنية الذين ينظرون إلى التشيع باعتباره مسألة عقائدية لا يجب أن تقحم في السياسة.

العرب اللندنية