ترامب يسارع إلى إطفاء ‘حرائق’ البيت الأبيض تجنبا لانقسام إدارته

ترامب يسارع إلى إطفاء ‘حرائق’ البيت الأبيض تجنبا لانقسام إدارته


واشنطن – يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة ضبط التوازن داخل فريق عمله في البيت البيض، منعا لنشوب المزيد من “الحرائق” في محيطه ما من شأنه أن يؤثر على السياسات الداخلية والخارجية.

ويدرك ترامب أن الخلافات الضارية التي نشبت بين رموز كبار في إدارته ستلقي بظلالها على أدائه الرئاسي وستعطي للصحافة التي يصفها بالمناوئة والمهادنة للديمقراطيين مادة دسمة للهجوم عليه.

وتحرك ترامب لإنهاء الصراع الداخلي بين صهره والمستشار جاريد كوشنر وكبير الاستراتيجيين في الإدارة الجديدة ستيف بانون اللذين تدور بينهما معركة طاحنة لفرض النفوذ في البيت الأبيض.

وللحظات قصيرة صباح الاثنين، بدا وكأن موظفي البيت الأبيض يستمتعون بوقتهم بعد أن ساد الابتسام وحلّ التربيت على الأكتاف محل التوتر والفوضى والإرهاق التي عانت منها إدارة ترامب طوال الـ80 يوما الماضية.

وتجول عدد من كبار مساعدي الرئيس ومن بينهم راينس بريباس وستيف بانون وشون سبايسر وكيليان كوناي في أرجاء حديقة الورود بالبيت الأبيض في انتظار أداء القسم التاريخي لنيل غورستش قاضي المحكمة العليا الذي عيّنه ترامب تحت سماء الربيع الصافية، فيما كانت فرقة المارينز تعزف ألحانا موسيقية.

وقال ترامب عن انتصاره السياسي الكبير بتعيين غورستش “لقد سمعت دائما أن أهم شيء يفعله رئيس الولايات المتحدة هو تعيين أشخاص.. وخاصة أشخاص عظماء كتعيين قاض في المحكمة العليا الأميركية”. وأضاف “لقد فعلت ذلك في الأيام المئة الأولى”.

ولكن خلال هذه الأيام المئة لم تكن الحياة داخل الإدارة الأميركية هادئة. فرغم أن موظفي أي إدارة في البيت الأبيض يشعرون بالتعب والإرهاق، إلا أنه وبعد مرور وقت قصير فقط من وجود إدارة ترامب بالحكم الذي يستمر أربع سنوات، يبدو الموظفون في غاية الإرهاق من الأحداث الدرامية التي شهدها البيت الأبيض وتطلبت عمليات تبديد سوء الفهم الذي يخلفه ترامب بشكل مستمر.

المعسكران حاولا مؤخرا التسوية بيـــن مــوقـف بانــون القــومي وسياساته الشعبوية وبين رؤية كوشنر الأكثر عولمة واعتدالا

وفي كل مرة يجري فيها تغيير جديد بين الموظفين تتدفق الدموع وينفجر الغضب، كما حدث في الخروج السريع لنائب مدير الموظفين كاتي وولش، إضافة إلى وجود صراع داخلي محتدم على أكثر من جبهة.

فخلال حملة انتخابات الرئاسة العام الماضي طغى الهدف المشترك لهزيمة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على الخلافات بين أنصار ترامب، بين الجمهوريين المعتدلين والمتشددين ومناصري العولمة والقوميين.

ولكن منذ اليوم الأول في البيت الأبيض اشتبكت هذه الجماعات المختلفة أيديولوجيا في صراعات وتسريبات هددت بوقف عمل الإدارة بالكامل. وتحدث الإعلام عن كل تفصيل من المخططات والمؤامرات التي تحاك داخل الإدارة الجديدة لتخلق انطباعا بأن البيت الأبيض في حالة يرثى لها.

وقرر ترامب مؤخرا أن ما حدث يكفي وأمر صهره كوشنر ومساعده بانون اللذين أصبحا يمثلان مركزي قوة في البيت الأبيض بتسوية خلافاتهما، بحسب ما ذكر مسؤولون.

وفي اجتماع في وقت سابق من الأسبوع الماضي، حاول الرجلان التسوية بين موقف بانون القومي وسياساته الشعبوية وبين رؤية كوشنر الأكثر عولمة واعتدالا. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا، فقد تمكن كل منهما من اكتساب نفوذ هائل داخل البيت الأبيض.

فمن خلال موقعه ككبير الاستراتيجيين في الإدارة الجديدة اكتسب بانون السلطة من خلال المساعدة في تحقيق ترامب لنصره الانتخابي الصادم، لدرجة أنه تفاخر بين أوساطه الخاصة في بداية تولي الإدارة الجديدة الحكم بأنه اختار أعضاء حكومة ترامب بنفسه.

وانتشرت ملصقات في المناطق التي يهيمن عليها الديمقراطيون في واشنطن تدعو إلى تنحية “الرئيس بانون”. وحظي بانون كذلك بمقعد في مجلس الأمن القومي الذي يقرر في شؤون الحروب والسلام والسياسة الخارجية، رغم أنه تلقى مؤخرا نكسة كبيرة بخسارته موقعه هذا، في مؤشر إلى تعديلات جارية في أعلى هرمية البيت الأبيض بعد بدايات اتسمت بالفوضى.

ولكن كوشنر من جهته يتمتع بميزة أنه جزء من عائلة ترامب كونه زوج ابنته إيفانكا. واستفاد من هذه الميزة بتكليفه بقضايا مهمة من بينها التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط وإصلاح الحكومة الفيدرالية. وأسهم كوشنر في تولي معتدلين مناصب في الإدارة مثل المديرين التنفيذيين السابقين في شركة غولدمان ساكس المالية غاري كوهن ودينا باول.

وتزامن صعودهما مع تباطؤ ترامب في تنفيذ بعض وعوده المتعلقة بالتجـارة الحمائية مثل الانسحـاب من اتفاق التبادل التجاري الحر في أميركا الشمالية “نافتا” الـذي وصفـه الرئيس الأميـركي بأنـه “كـارثة”، إضافـة إلى فـرض تعريفـات جمركيـة واسعة، ووصفه الصين بأنها تتلاعب بالعملة لتغيير موازين القوى.

وبالنسبة إلى العديد من أنصار بانون فإن مناصري كوشنر هم “ديمقراطيون” غزاة في البيت الأبيض الجمهوري، إذ أنهم أحبطوا وعد ترامب بالقتال بضراوة من أجل الطبقة العاملة من البيض. وتزايد الكشف العلني عن الصراع بين بانون وكوشنر في الأسابيع الأخيرة، حيث اتهم أنصار بانون صهر الرئيس بتسريب معلومات تجعل من بانون (63 عاما) يبدو في صورة سيئة.

ومن ناحية أخرى فقد شن موقع “بريتبارت” الإخباري اليميني المتطرف انتقادات حادة ضد كوشنر وأبرز إخفاقه في الابتعاد عن مصالحه في الأعمال، مركزا على “سجلّه الضعيف في الدبلوماسية”.

وبشأن رأي ترامب حول ما وصفه بالخلافات بشأن “السياسة” بين الرجلين، قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر “اعتقد أنه يدرك أن بعض هذه الخلافات يتسرب”. ورغم ذلك فإن بعض التوترات في البيت الأبيض هي من صنع يد ترامب نفسه.

فقد علمته سنوات خبرته كرجل أعمال أن يفضل نهج “البقاء للأقوى” في الإدارة، وهو ما يطبقه على إدارته في البيت الأبيض.

وقال سبايسر إن “السبب الذي دفع الرئيس إلى تشكيل هذا الفريق هو الحصول على مجموعة متنوعة من الآراء”. وأضاف أن ترامب “لا يريد عملية فكرية واحدة في البيت الأبيض”. ويبدو أن الخطر من ذلك ليس كبيرا. ولكن في حال أخفق ترامب في جهوده لتسوية الخلافات السياسية داخل إدارته، فإن الأيام المشمسة في “حديقة الورود” ستكون نادرة جدا.

العرب اللندنية