بعد الاستفتاء: تركيا تسير نحو النظام الرئاسي

بعد الاستفتاء: تركيا تسير نحو النظام الرئاسي

 

اليوم قرر الشعب التركى مستقبل النظام السياسى في الدولة التركية، بمشاركة 86 بالمئة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية حيث صوّت الأتراك بـ”نعم” لصالح الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تمهّد لأكبر تغيير في النظام السياسي التركي، إذ أعلن عن فرز 99.98% من الأصوات، وعليه فانه حسب النتائج غير رسمية للاستفتاء الشعبي المتعلق باجراء تعديلات على بعض مواد الدستور التركي، فان نسبة الأصوات التي ادلت بـ ” نعم ” تبلغ 51.21%، فيما تبلغ نسبة الأصوات التي ادلت بـ ” لا ” ، 48.79%.

وفي أول كلمة له أمام أنصاره، عقب صدور نتائج فرز أغلبية الأصوات في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان افي وقت متأخر من ليل الأحد أن تركيا اتخذت قرارا تاريخيا وأنهت الجدال المستمر منذ 200 عام حول نظام حكمها وهذا القرار ليس عادياً.” ووصف نتائج هذا الاستفتاء بالنصر، قائلاً: 16 نيسان/إبريل نصر لتركيا بأسرها. وأضاف:” التصويت على التعديلات الدستورية هو نجاح للديموقراطية، لا سيما وأن كل السلطات التنفيذية والتشريعية تعمل لخدمة الشعب.” كما شدد على أن الشعب التركي صوت بإرادته الحرة على التعديلات الدستورية. وأضاف أن الشعب التركي أظهر مجدداً وعياً كبيراً واستثنائياً بتوجهه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته بإرادته الحرة.”وقال: “نريد من الدول الحليفة والصديقة احترام إرادة الشعب التركي”. إلى ذلك، أوضح أن المواد الدستورية المعدلة الخاصة برئيس الجمهورية يبدأ تفعيلها بعد انتخابات 2019.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أبرز القادة الأتراك من بينهم الرئيس “أردوغان” ووزير الخارجية “جاويش أوغلو” وزعيم حزب الشعب الجمهوري السابق “دميز بايكال” كانوا قد وصفوا الاستفتاء بأنّه الأهم في تاريخ الجمهورية التركية. ويقول مؤيدو التعديلات إنها ستحقق الاستقرار في البلاد وتعزز النمو الاقتصادي، بينما يرى المعارضون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تآكل الضوابط والتوازنات عبر الحد من دور البرلمان و”تسييس” السلطة القضائية، وستركز الكثير من السلطة في يد الرئيس. ورأي المؤيدون والمعارضون ستؤكده أو تنفيه سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان في المرحلة القادمة.

وتتضمن التعديلات الدستورية 18 تعديلا تحول نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي، ومن أبرز ما تضمنته التعديلات: إلغاء مجلس الوزراء، تولي الرئيس السلطة التنفيذية وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه ووزرائه وإقالتهم، وإذا كان نائب الرئيس عضوا بالبرلمان تسقط عضويته من البرلمان، ولا تسمح التعديلات للبرلمان بسحب الثقة من مجلس الوزراء. ويواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يلقى تأييد جزء من الأتراك ويثير كره الجزء الآخر، استفتاء دستوريا وهو اختبار سياسي لحزبه وشعبيته، ويكشف مدى قدرته وحدودها، على أن يرسخ سلطته نهائيا بعد تسعة أشهر على نجاته من محاولة انقلابية. وفيما يلي مواد الدستور الجديد في تركيا، والتي تنص على الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي:

المادة رقم 1

تنص المادة الأولى من الدستور الجديد على إضافة كلمة “النزيه” على عبارة “استقلالية القضاء”، بهدف جعل القضاء مستقلا ونزيها.

المادة رقم 2

وتنص على رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600.

المادة رقم 3

وتنص على خفض سن الترشّح للانتخابات البرلمانية من 25 إلى 18.

المادة رقم 4

وتنص على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية كل خمس سنوات، وفي اليوم ذاته.

المادة رقم 5

وتنص على إلغاء ما يسمّى شرط الحصول على الثقة وذلك بسبب طبيعة النظام الرئاسي التي يحصل فيها الرئيس على الثقة بشكل مباشر من الشعب.

وهذا يعني أن نيل الرئيس للثقة مباشرة من الشعب سيعطي الثقة للحكومة التي سيتم تشكيلها بشكل تلقائي.

المادة رقم 6

وتنص على تفعيل الرقابة البرلمانية من خلال نظام الأسئلة الخطية، وجعل التحقيق البرلماني بشأن أعضاء الحكومة ورئيس الجمهورية أكثر شمولية، والإجابة على الأسئلة الخطية خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما وذلك من خلال بيان خطي أيضا.

المادة رقم 7

المادة السابعة من الدستور الجديد تحدد الشروط الخاصة بمرشّح الرئاسة الجمهورية والتي تتلخص بمايلي:

1- أن يكون سن المرشح للرئاسة 40 عاما فما فوق، حاصل على شهادة أكاديمية عالية، أن يكون من مواطني تركيا.

2- مدة الرئاسة 5 سنوات، ولا يحق للرئيس الترشّح أكثر من ولايتين على التوالي.

3- تنتهي عضوية الرئيس المنتخب من قبل الشعب في البرلمان التركي فور فوزه في الانتخابات.

المادة رقم 8

وتحدد المادة الثامنة صلاحيات رئيس الجمهورية التركية وفقا للدستور الجديد والتي تتلخص فيما يلي:

1- الرئيس هو رأس الدولة، وصاحب السلطة التنفيذية في البلاد، ويمثّل بصفته رئيسا للجمهورية وحدة الشعب التركي والجمهورية.

2- لدى الرئيس الصلاحية في تعيين نوّابه والوزراء  وإنهاء مهامهم عند الضرورة.

3- لدى الرئيس صلاحية تعيين إدارري الدولة وإنهاء مهامهم وحجب الثقة عنهم.

4- يقدّم الرئيس الرؤى للبرلمان التركي فيما يخص السياسة الداخلية والخارجية.

5- ينشر القوانين.

6- يقترح القوانين الخاصة بتغيير الدستور عند الضرورة للشعب.

7- يشرف على أداء قسم النواب.

8- صاحب القرار باستخدام القوات المسلحة التركية عند الضرورة.

9- لدى الرئيس صلاحية إلغاء العقوبات أو تخفيفها عن المسجونين الذين يصابون بآفة مرضية مزمنة أو الشيخوخة.

10- لدى الرئيس صلاحية في إصدار المراسيم المتعلقة فيما يخص السلطة التنفيذية للرئيس.

11- لا يحق للرئيس من خلال المراسيم الرئاسية إجراء تعديلات فيما يخص الجزء الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق العامة، وحقوق الأفراد، وفيما يخص الجزء الرابع من الدستور المتعلق بالحقوق السياسية.

12- لا يمكن إصدار مراسيم رئاسية فيما يخص المواضيع الخاصة بالتعديلات المتعلقة بالدستور.

المادة رقم 9

المسؤولية الجنائية للرئيس

سيتمكن البرلمان من خلال الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات النواب، من تقديم مقترح يقتضي بفتح تحقيق  بحق رئيس الجمهورية في حال وجود تهمة جنائية ما بحقه.

يناقش البرلمان المقترح خلال مدة لا تتجاوزالشهر، ومن خلال الحصول على ثلثي أصوات البرلمان يمكن فتح تحقيق بشأن ذلك.

لا يحق للرئيس المتهم إصدار قرار بالذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وفي حال صحة التهمة الموجهة ضد الرئيس، يحق لديوان مجلس البرلمان إنهاء مهام الرئيس المنتخب.

المادة رقم 10

رئيس الجمهورية يقوم بتشكيل الحكومة، ويحق له تعيين نائب أو اكثر له.

في حال حدوث فراغ لسبب ما في منصب الرئاسة، يتم اختيار رئيس جديد خلال مدة 45 يوما. ويسد فراغ الرئيس خلال المدة المذكورة أحد نواب الرئيس إلى حين انتخاب الرئيس الجديد.

نوّاب الرئيس والوزراء مسؤولون أمام الرئيس، وفي حال وجود تهم، يمكن فتح تحقيقات بحقهم، بالإضافة إلى إمكانية إحالتهم إلى القضاء.

المادة رقم 11

يحق للبرلمان التركي من خلال الحصول على ثلثي أصوات البرلمان إعادة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وبذلك تجرى الانتخابات العامة للبرلمان والانتخابات الرئاسية مع بعضهما البعض.

في حال اتخاذ قرار إعادة الانتخابات الرئاسية من جديد، يحق للرئيس أن يرشّح نفسه مرة أخرى لولاية جديدة، كما في حال اتخاذ قرار إجراء انتخابات جديدة، يستمر البرلمان التركي والرئيس المنتخب في مهامهما إلى حين اختيار أعضار البرلمان الجدد والرئيس الجديد.

المادة رقم 12

يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ لمدة لا تتجاوز 6 أشهر، في منطقة معينة أو في عموم تركيا، وذلك في الحالات التالية: “الحرب، الأسباب التي تسدعي حدوث حرب، الاستنفار، محاولة القيام بمظاهرات مصحوبة بالقوة ضد الجمهورية أو الوطن، التهديدات الخارجية التي تستهدف الشعب والدولة، في حال وجود خطر يهدد الحريات أو النظام الدستوري، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية أو وجود الأمراض السارية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية. وتعرض حالة الطوارئ على البرلمان التركي بعيد نشره في الجريدة الرسمية. كما يحق له تمديد أو تخفيض المدة.

المادة رقم 13

تنص المادة رقم 13 على إلغاء المحاكم العسكرية بشكل تام، والسماح فقط بإنشاء المحاكم التأديبية. وفي حال حدوث الحروب يُسمح بشكل استثنائي بإنشاء محاكم عسكرية خاصة بالجنود العسكريين الذي يواجهون تهما.

المادة رقم 14

حذف الأعلى من عبارة “المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العام”، وإجراء تغييرات ببنيته، أهمها:

أن يتكون المجلس من 13 عضوا، يتم تعيين 4 منهم من قبل الرئيس، و7 من قبل البرلمان، وييتم تعيين وزير العدل رئيسا للمجلس.

المادة رقم 15

رئيس الجمهورية هو من يعمل على اقتراح قانون الموازنة، ومن ثم عرضه على البرلمان التركي.

وتنحصر صلاحية اقتراح القوانين على البرلمان من قبل الرئيس على قانون الموازنة فقط، وكما تتم مناقشة القانون في البرلمان التركي، ليدخل في إطار القرار.

وفي حال عدم مصادقة البرلمان على قانون الموازنة يتم العمل على موازنة مؤقتة كي تتمكن الحكومة من تسيير أعمالها، وفي حال عدم التمكن من ذلك أيضا يتم تقييم قانون الموازنة السابق، وإضافة النسب  الجديدة عليه، ومن ثم إدخاله قيد التنفيذ.

المادة رقم 16

وتنص على ما يلي:

إلغاء لجنة الرئاسة.

النواب وحدهم لديهم الصلاحية في اقتراح القوانين.

ضم القوات المسلحة إلى بنية لجنة المراقبة الخاصة بالدولة.

تُحيل رئاسة الجمهورية المراسيم إلى المحكمة الدستورية بهدف تدقيقها.

إنهاء ما يسمى بالأحكام العرفية.

المادة رقم 17

وتنص على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 3 / 11 / 2019، وحتى التاريخ المذكور يستمر الرئيس المنتخب وأعضاء البرلمان في مهامهم.

وفي حال الحصول على القبوم من قبل الشعب في التصويت الانتخابي، يقوم البرلمان خلال 6 أشهر بالتعديلات القانونية اللازمة، واقتراح القوانين والتعديلات الخاصة بالمرسيم ومن ثم عرضها على الرئيس.

يتم انتخاب أعضاء مجلس المدعين والقضاة خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما، وبعد اليوم الأربعين يحق لهم بدء مهامهم.

المادة رقم 18

إلغاء القانون القاضي بقطع صلة الرئيس بعيد انتخابه رئيسا عن الحزب الذي ينتسب إليه.

وبهذه التعديلات الدستورية ستنتقل تركيا من النظام النيابي إلى الرئاسي، ويتوقع أن تشكل نتيجة الاستفتاء نقطة تحول كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي لتركيا، فعلى المستوى الداخلي أصبحت بحاجة إلى دستور جديد يرسخ مبادىء الديمقراطية الليبرالية في تركيا، فتركيا بعد موافقة الشعب التركي على التعديلات الدستورية ما عادت تنسجم مع الرداء الكمالي، سواء كان لينا أو صلبا، حديثا أو تقليديا. كما سيعمل الدستور الجديد على حل المسألة الكردية، حيث من المستحيل حلها في إطار الدستور الكمالي الذي يصور الأمة على أنها متجانسة وينكر وجود الشعب الكردي. فالدستور الجديد في تركيا الحديثة سيتغلب على وجهة النظر غير واقعية هذه والتي ترى أن المجتمع التركي على أنه أمة متجانسة. أما على مستوى الخارجي، وبفضل التعديلات الدستورية التي منحت رئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات واسعة فهي أشبه بصلاحيات ذلك السلطان العثماني، فقد سبق للرئيس التركي حينما كان رئيسا لوزراء تركيا أن نهض ببلاده عبر البوابة الاقتصادية،فهو رجل المعجزات الاقتصادية والإصلاحات التي حررت الأكثرية المتدينة والمحافظة في البلد من هيمنة النخبة العلمانية. وقد يعمل عبر البوابة السياسية في تطوير العلاقات العربية الإيرانية وخاصة الخليجية بما يعود بالنفع العام لمنطقة الشرق الأوسط فتركيا السلطان أردوغان قد تكون الجسر القوي الذي يوصل إيران بدول الخليج العربي.

معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية