الاستفتاء يقسم تركيا إلى دولتين عثمانية وأتاتوركية

الاستفتاء يقسم تركيا إلى دولتين عثمانية وأتاتوركية


أنقرة – قد يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد حقق مكسبا شخصيا من خلال الاستفتاء، وذلك بتمرير التعديلات الدستورية التي تسمح له بحكم تركيا لعشر سنوات أخرى، لكن الاستفتاء حقق نتائج عكسية تماما حين خرجت البلاد بعده منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى، وسيكون الدور الجديد لأردوغان تعميق هذا الانقسام.

وتتزامن حالة الانقسام العميقة مع مخاوف من أن يزيد هذا الاستفتاء من عناد الرئيس التركي للتورط في أزمات المنطقة والعودة للعب ورقة الإسلاميين الذين تسابقوا لتهنئته بالفوز.

واعتبر مراقبون أن نتائج الاستفتاء ستزيد من حالة الانقسام داخل تركيا ليس فقط حول مساعي أردوغان لإحكام سيطرته على السلطة، ولكن بسبب هدمه المستمر لهوية تركيا العلمانية المنفتحة على الغرب وإحياء الحكم العثماني. كما يخشون من أسلمة البلد.

وقال المراقبون إن تقارب نسبة الداعمين للتعديلات ونسبة المعارضين يجعل البلاد منقسمة حديا إلى نموذجين لتركيا: تركيا العثمانية وتركيا الأتاتوركية ما يجعل من تجاوز آثار الانقسام مستقبلا أمرا صعبا لأنه خلاف عن الهوية وليس فقط على المصالح السياسية.

ووصفت حنا لوسيندا سميث مراسلة صحيفة التايمز البريطانية في إسطنبول فوز أردوغان المتواضع بأنه قسم تركيا بشكل حاد.

واستخدم أردوغان في حملته نبرة قومية متشددة، وأشاد بالأمجاد القديمة للإمبراطورية العثمانية، وهو ما يجعله في مواجهة مع الأكراد من جهة ومع الأحزاب العلمانية المتمسكة بتركيا الحديثة من جهة ثانية.

ولم تخف دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا قلقها من هذا الانقسام الذي قد يؤثر على الجالية التركية في أوروبا ويعقد عملية اندماجها.

وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند “يتوقف الأمر على الأتراك وحدهم لاتخاذ قرار بشأن كيفية تنظيم مؤسساتهم السياسية لكن النتائج المنشورة تظهر أن المجتمع التركي منقسم بشأن الإصلاحات الواسعة المقررة”.
حنا لوسيندا سميث: فوز أردوغان المتواضع قسم تركيا بشكل حاد

وقالت المفوضية الأوروبية الأحد إنه يتعين على تركيا السعي لتحقيق توافق وطني واسع على التعديلات الدستورية نظرا للفارق الضئيل بين معسكري نعم ولا.

وفي مارس قالت لجنة البندقية، وهي لجنة من الخبراء القانونيين في مجلس أوروبا، إن التعديلات المقترحة على الدستور التي سيصوت عليها الأتراك وتعزز صلاحيات أردوغان تمثل “خطوة خطيرة إلى الوراء” بالنسبة للديمقراطية.

وكانت لجان الانتخابات قد أجرت تعديلا في الساعات الأخيرة على لوائح الاستفتاء بحيث يتم قبول بطاقات التصويت غير المختومة، دون أي تفسير لدوافعها.

ورأى مراقبون أن حملة “نعم” استحوذت على الجزء الأكبر من الأثير ومصادر الدولة ومقدراتها.

ويتخوف الأتراك من أن تشجع الموافقة على التعديلات الدستورية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الاستمرار في مغامراته الإقليمية مثل توسيع تحرك عملية “درع الفرات” في سوريا أو تنفيذ عملية “درع دجلة” شمال العراق مثلما كشفت عن ذلك مواقع تركية في السابق.

ومن المفروض أن تكبح النتائج المتواضعة للتصويت على الاستفتاء نزوع أردوغان إلى التأثير الإقليمي، لكن مراقبين أتراكا لا يستبعدون أن يجد “السلطان” في إقرار تلك التعديلات دافعا للاستمرار في الورطة السورية أو البحث عن ورطة جديدة مثل التدخل ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار شمال العراق، ما قد يورط أنقرة في حرب طويلة مع أكراد سوريا والعراق وتركيا.

وأشار المراقبون إلى أن أوراق الرئيس التركي باتت محدودة في ظل الوجود العسكري الروسي والأميركي في سوريا، لافتين إلى أن تناقض مواقفه وتصريحاته زاد من منسوب الشك لدى موسكو وواشنطن تجاهه ما يجعل رهانه على واحدة منهما أمرا مستبعدا خاصة أن الولايات المتحدة اختارت بشكل واضح الرهان على الأكراد في الحرب على داعش وليس على تركيا.

وباتت روسيا أكثر ابتعادا عن الرئيس التركي بسبب انعطافته الكاملة باتجاه واشنطن بعد تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفكرة المناطق الآمنة في سوريا. ورغم الانفراجة التي حدثت بعد اعتذار أردوغان عن إسقاط المقاتلة الروسية شمال سوريا، فإن روسيا لم تتحمس بعد لعودة قوية في التعاون الاقتصادي، ولا يزال قرار العقوبات ساريا على عدد من المنتجات التركية.

ومع الارتياب الروسي والأميركي، أوصد أردوغان على تركيا أبواب الاستفادة من أوروبا بعد الحملات الانتخابية والشعارات العدائية التي رفعت خلالها، ما جعل القادة الأوروبيين يراجعون علاقتهم بأنقرة رغم الحاجة إلى دورها الحيوي في قضية الهجرة.

وإذا اتجهنا شرقا، سنجد أن الرئيس التركي الذي تقابل سياساته بالارتياب في الدول العربية، لم يجد من يشيد بالاستفتاء الذي جمع بيده كل السلطات، سوى فروع الإخوان المسلمين ما يزيد من حالة الشك تجاه تركيا في الفضاءين العربي والإسلامي.

وارتفعت أصوات تركية، بينها أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية، مطالبة بأن تنأى تركيا بنفسها عن الإخوان المسلمين والجمعيات المرتبطة بها كخطوة ضرورية لاستعادة ثقة الدول العربية، خاصة دول الخليج التي بيدها إخراج الاقتصاد التركي من أزمته الخانقة، وهي أزمة وليدة تورط أنقرة في القضايا الإقليمية.

العرب اللندنية