الاثر الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي

الاثر الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي


شذى خليل *

       هناك مؤشرات لخروج فرنسا من الاتحاد الاوربي ،  سياسية واقتصادية الاولى  تتمثل بصعود تيار المحافظين في المجتمع الفرنسي ، وهذا ما يدلل علية الانتخابات الفرنسية المقبلة ، اما الثانية، تكمن باعباء مالية بتقديم المساعدات لدول الاتحاد المنهكة اقتصاديا ، واعباء اللاجئين ، وفك ارتباط العملة الفرنسية باليورو ،تمهيدا للخروج من الاتحاد الاوربي .

     بريطانيا العظمى حرة طليقة، الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، هكذا يرى البريطانيون انفسهم من منظار تاريخهم العريق ، لا يحبذون الانصهار في بوتقة اوروبية تهدّد بمحو كيانهم وتراثهم ، وسكان الجزيرة الذين سعوا على مرّ الزمان لحماية ارضهم من الغزو الخارجي، وحماية يدهم العاملة من المنافسة الخارجية، لا ينظرون بارتياح الى تدفق العمالة الاجنبية الى مصانعهم، ومؤسساتهم بحماية القانون.
وبعد انضمام دام 43 عاما بين بريطانيا والاتحاد الاوربي ، من 1 يناير 1973 الى 24 – حزيران 2016 تم الانفصال رسميا عن الاتحاد الاوربي، اذ دخلت بريطانيا مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعية، هي مرحلة بريكست.
وتعد بريطانيا إحدى الأعمدة الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، وخامس اقتصاد عالمي، ومركز أوروبا المالي، وصاحبة اكبر نصيب من الاستثمارات الأوروبية المباشرة.
وحصلت بريطانيا على امتيازات كثيرة ، وهي ضمن الاتحاد ، ففي المجال الاقتصادي تميزت السلع البريطانية بسهولة تنقلها ضمن دول الاتحاد، وسهولة تنقل خطوط الطيران ضمنها أيضا، وهناك اكثر من نصف مليون شخص بريطاني يعملون بمؤسسات دول الاتحاد، و الاحتفاظ بعملتها الجنيه الاسترليني، وعدم التعامل بالعملة الاوربية اليورو، ومع كل هذه الامتيازات الا ان الرغبة بالانفصال موجودة .
وتميزت العلاقات البريطانية – الأوروبية قبل الانفصال بحالة “عدم الارتياح المتبادل”، القائمة على تاريخٍ طويلٍ من عدم الثقة، وعدم الانسجام في التوجهات والرؤى بين بريطانيا والدول الأوروبية، وخصوصاً مع الدولتين الكبيرتين في الاتحاد: ألمانيا وفرنسا، اذ لم تكن بريطانيا متحمسة يوماً لعملية التكامل والاندماج الأوروبي.

  وكان لهذا الانفصال اثار اقتصادية على الطرف البريطاني والطرف الاوربي ، فان بريطانيا فقدت كل امتيازات العضوية الكاملة في حرية دخول البضائع والسلع والخدمات دون تعريفة جمركية لأكبر سوق في العالم، السوق الأوروبية الموحدة، التي تضم 500 مليون شخص، بحجم ناتج إجمالي يصل إلي 18 تريليون يورو، وفقدت التبعية لاتفاقات التبادل التجاري مع 53 دولة ، اذ كانت ترتبط باتفاقات تجارة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك كندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والمكسيك، وستكون مضطرة للتفاوض الثنائي مع كل دولة لتحصيل الامتيازات التجارية ذاتها.
ومن جهة اخرى تفاوض بريطانيا للوصول إلى السوق الأوروبية المشتركة لتسويق صناعات الخدمات لديها، في حين تتمتع الشركات المصنعة في الاتحاد الأوروبي تلقائيا بحقوق تكاد تكون غير محدودة لبيع ما ترغب في بيعه أيا كان في بريطانيا بموجب القواعد العالمية التي وضعتها منظمة التجارة العالمية”.
وبريطانيا سوف تكون بحاجة إلى اتفاق شراكة مع دول الاتحاد الأوروبي على غرار الاتفاقات التي تم التفاوض عليها مع سويسرا و النروج، الكيانين الاقتصاديين الكبيرين الوحيدين خارج الاتحاد الأوروبي.
ومن منظور الاتحاد الأوروبي، فإن شروط أي اتفاق مع بريطانيا لا بد أن لا تقل صرامة عن تلك الواردة في اتفاقات الشركة القائمة. ذلك أن منح بريطانيا شروطًا أسهل من شأنه أن يفرض على الفور تنازلات مماثلة لسويسرا والنروج.
واذا حصلت بريطانيا، على أي امتياز خاص ، فان ذلك سيغري اعضاء آخرين تعوزهم الحماسة إلى التهديد بالخروج من الاتحاد الأوروبي والمطالبة بإعادة التفاوض، والمحصلة.
والواقع ان كثيرين في اسكتلندا ممن يدافعون عن الاستقلال سيجادلون من أجل أن تبقى عضوا في الاتحاد الأوروبي، وهو امتناع شعبي من المتوقع أن يؤدّي إلى التصويت لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة، وتأخذ معها العديد من وظائف الخدمات في لندن إلى أنبره.

 ومن الاجراءات التي اتخذتها المملكة المتحدة، لتقليل اثر الانفصال السلبي، بناء وتوطيد علاقاتها التجارية مع الهند ، للمضي في الاستثمار في اقتصادات متنوعة، وبناء علاقات مع شركاء و حلفائنا عبر العالم.”
ومع تفعيل البريكيست، تتنافس مدن أوروبية عديدة لجذب الشركات والوظائف من لندن التي تمثل حاليا المركز المالي الرئيس لأوروبا، وكانت مؤسسات بنكية عديدة اعلنت اعتزامها مغادرة لندن فور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتسعى بريطانيا، للمحافظة على مؤسساتها، منفتحة على الأعمال والمواهب والتجارة والانفتاح على الخارج “.
وتتنافس مدن على غرار باريس وفرانكفورت ودبلن ولوكسمبورغ لاستقطاب الأنشطة المالية الموجودة في حي المال في لندن بمجرد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت دراسة أجراها «معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية» أكدت أن مدينة فرانكفورت الألمانية هي الأوفر حظا لخلافة لندن لكونها القلب المالي لأكبر اقتصاد في أوروبا( ألمانيا) ومقر البنك المركزي الأوروبي.
وانعكس الانفصال على الاجور في المملكة المتحدة ، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، الارتفاع بأدنى وتيرة ، ما أثار مخاوف إزاء احتمالات تزايد الضغوط على الأسر تزامنًا مع ارتفاع التضخم، لأعلى مستوياته مدفوعا بتراجع الجنيه الاسترليني ، وذكر مكتب الإحصاءات الوطنية إن أسعار المستهلكين زادت بنسبة 2.3% في شهر آذار2017.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات أن أسعار الغذاء ارتفعت بوتيرة سنوية بلغت 1.2 %، وارتفع معدل البطالة بنسبة 4.7% ، ليتزامن ذلك مع ارتفاع متوسط الدخل الأسبوعي باستثناء المكافآت بنسبة 2.2%.
ورغم التقدم الملحوظ في توفير فرص عمل منذ الأزمة المالية العالمية، ظل نمو الأجور في المملكة المتحدة ضعيفًا خلال السنوات الماضية.
وأعلن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.8% ، خلال عام 2016، مقارنة بـ 2.2% في عام 2015.

  وأشار تقرير مكتب الاحصاء، إلى أن اقتصاد بريطانيا نما بنسبة 0.7% في الربع الأخير من العام 2016، مع استمرار إنفاق المستهلكين القوي، ونمو الصناعات الاستهلاكية ، مقابل تراجع استثمارات الأعمال بنحو 0.9%.
وسجلت بريطانيا أكبر عجز في ميزان المعاملات الجارية عام 2016 ، بما يعادل 5.2% من الناتج الاقتصادي للبلاد؛ وعكس هذا العجز زيادة تدفقات توزيعات الأرباح ومدفوعات الدين إلى المستثمرين الأجانب عن التدفقات المماثلة التي تأتي للبلاد، بالإضافة إلى العجز التجاري الكبير.
وبالنسبة للعملة البريطانية فأنها فقدت اكثر من 10% من قيمتها، بينما شهدت أسواق الأسهم والسندات والبورصات الأوروبية، حالة من الفوضى خصوصاً بورصة لندن بعد الانفصال .
وتراوحت التوقعات بين هجرة واسعة لرؤوس الأموال وعزوفٍ الاستثمار في قطاع العقارات والخدمات المزدهر في لندن، واحتمال انتقال العاصمة المالية للاتحاد الأوروبي، من لندن إلى باريس أو إلى فرانكفورت، حيث مقر البنك المركزي الأوروبي، فضلاً عن مسارعة وكالات التصنيف العالمية إلى إعادة النظر في التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا.
واهم تأثير على الاقتصاد البريطاني، يبدو إذا عرفنا أنّ الاتحاد الأوروبي الذي يعدّ شريك بريطانيا التجاري الأول؛ تبلغ صادرات المملكة المتحدة إليه في عام 2015 ما نسبته 44% من إجمالي صادراتها، علماً أن الميزان التجاري بين الطرفين يميل لمصلحة الاتحاد الأوروبي، ولا يبدو أنّ ثمة مصلحة له بالتنازل عن ذلك، حتى بعد الانفصال.
وسينعكس خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي على ان انتقال الرعايا البريطانيين داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يوجد نحو 1.26 مليون بريطاني يعيشون في دول أوروبية، بينها إسبانيا (381 ألفًا) وإيرلندا (253 ألفًا) وفرنسا (172 ألفاً) وألمانيا (96.9 ألفاً) وإيطاليا (72.23 ألفًا)، ومن الاثار السلبية عليهم انخفاض مستوى دخلهم، وزيادة البطالة، والتضخم بالأسعار لزيادة الاستهلاك.

اذ كانت عضوية الاتحاد الأوروبي تمكّن المواطن البريطاني من التنقّل بحرية، والعمل داخل دول الاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى تصريحٍ خاص، أما الآن، فسوف يحتاج إلى تأشيرة دخولٍ لزيارتها، بالإضافة إلى تكبّد أعباء مالية إضافية للسفر.

 وفضلاً عن ذلك، هناك شكوك وتساؤلات حول مصير موظفين بريطانيين كثيرين يعملون في مؤسسات أوروبية، وخصوصاً في بروكسل.
كما قد يقود خروج بريطانيا إلى تعقيد العلاقة مع جيرانها، فربما تغلق إسبانيا حدودها منطقة جبل طارق الذي تبلغ مساحته 6 كيلومترات، والملتصق بإقليم الأندلس، حيث يعيش 33 ألف بريطاني، وفي الشمال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة حدودٍ بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا؛ ما ينعكس سلبيا على حركة الأفراد.
وهناك دائما تساؤلات تتنامى حول مستقبل المملكة المتحدة وقدرتها على البقاء دولةً موحدةً بعد أن تعالت أصواتٌ تطالب بإعادة طرح مسألة استقلال إسكتلندا؛ إذ يسعى دعاة استقلالها إلى بقائها عضواً في الاتحاد الأوروبي.
وجاء التوجه هذا عبر رئيسة وزراء إسكتلندا، نيكولا سترجن، التي رأت أنّ تنظيم استفتاء جديد حول استقلال إسكتلندا بات مرجحاً جدًا، لأنها لا تريد أن يصبح الاسكتلنديون خارج الاتحاد الأوروبي رغمًا عنهم، بوصف أكثريتهم صوّتت لمصلحة البقاء فيه.
وسوف تدفع هذه التداعيات بريطانيا إلى البحث عن بدائل لممارسة تأثيرها في الساحة الدولية، ولا سيما في حلف شمال الأطلسي والدول الصناعية السبع الكبرى.
ورغم ان بريطانيا لها مكانة على الساحة الدولية سياسياً، ودول العالم تنظر إليها صوتا قويا داخل الاتحاد الأوروبي، فان الانسحاب يمكن ان يؤدي الى ما يلي:
– لم تعد بريطانيا قوة عالمية عظمى كما كانت من قبل، ولكنها تبقى دولة مؤثرة قوية في الثقافة والاقتصاد والمجالات العسكرية، وسيكون الاتحاد الأوروبي أضعف وأصغر من دون بريطانيا، وسيختل التوازن السياسي الذي كان يضمنه وجودها مع ألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد، لكن قضية أخرى مؤكدة تجعل انسحاب بريطانيا نذير خطر لجميع دول الاتحاد، خصوصا ان الاتحاد يواجه فيه أزمة اليورو وأزمة اليونان وديونها، وقضايا الهجرة والمهجرين واللاجئين.
– تعد بريطانيا، أكبر مقدم للخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، حيث إن بنوكاً ومؤسسات مصرفية عالمية كثيرة تدير جزءاً من أعمالها من بريطانيا لضمان ما يُعَرف بـ«حقوق جواز السفر» أي أن تُنشئ فروعاً لها في لندن يسمح لها بالدخول إلى السوق الأوروبية كلها، ولكن بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد ستضطر هذه المؤسسات والبنوك إلى إنشاء فروع لها في دول أوروبية أخرى؛ الأمر الذي يؤدي إلى هبوط بنسبة 50% في الخدمات المالية المقدمة من لندن إلى الاتحاد الأوروبي، أي خسارة 10 مليارات جنيه إسترليني سنوياً.
ورغم الاثار السلبية للانفصال الا ان المراقبين البريطانيين، متفائلون، فقد اكد مركز ابحاث كابيتال ايكونوميكس أن العجز في تجارة السلع تراجع في ديسمبر2016 الى 10,9 مليارات جنيه من 11,6 مليارا في نوفمبر.
وقال سكوت بومان الخبير الاقتصادي في المركز، ومقره بريطانيا، إن البيانات تؤكد أن الاقتصاد أصبح “أكثر توازنا”.
وأضاف ان “بيانات الانشطة الاقتصادية اليوم تضاف إلى أدلة أخرى تشير إلى أن الاقتصاد حافظ على قدر كبير من الزخم نهاية 2016، ما يعني أن نمو الناتج المحلي الاجمالي اصبح أكثر توازنا”.
– سجل الاقتصاد البريطاني نموا نسبته 0,6% في الاشهر الثلاثة الاخيرة من العام الماضي، وفقا لمكتب الاحصاءات في تقديرات اولية الشهر الماضي، رغم تأثير عملية خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
– تؤكد بريطانيا ان الاولوية الكبرى في الصناعات ستكون للطيران والنقل الجوي وصناعة السيارات والملابس والأدوية، وتشمل القطاعات ذات الأولوية المتوسطة المواد الكيميائية والإلكترونيات والأثاث واحواض الأسماك، في حين تشمل الاولوية المتدنية المستوى الخدمات البيئية والطبية والنفط والغاز والبناء والصلب والمياه، كما تشدد على زيادة حجم العمل الذي يتعين القيام به لمساعدة هذه القطاعات خلال مرحلة بريكست.
واليوم تفكر فرنسا بالانفصال اقتداءً ببريطانيا ، اذ طرحت الجبهة الوطنية “اقصى اليمين” الفرنسية فكرة التوجهات العامة لبرنامجهم الانتخابي للرئاسة القادمة، بخروج فرنسا من منطقة اليورو، ومن الاتحاد الأوروبي اقتداء ببريطانيا.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية