سجل روحاني وفرص فوز الأصوليين

سجل روحاني وفرص فوز الأصوليين

يستعد الرئيس الإيراني حسن روحاني لخوض منافسة شرسة لولايته الثانية في انتخابات الرئاسة الإيرانية الثانية عشرة. في حين يرى منافسوه أنه لم يحقق الكثير من الإنجازات والوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية الأولى.

وعليه فسيكون سجل الرئيس روحاني بين يدي تقييمه في سباق رئاسي محموم خصوصاً مع وجود منافس أصولي قوي هو رجل الدين السيد إبراهيم رئيسي، رئيس سدنة الإمام الرضا في مشهد.

قبل أربع سنوات (عام 2013) رفع حسن روحاني شعار “الحكمة والأمل” و”المفتاح” في المنازلة الرئاسية، واعداً الناخبين الإيرانيين بأنه سيفتح بهذا المفتاح أقفال الأبواب المغلقة في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية. ودغدغ روحاني بهذه الشعارات والوعود مشاعر المواطنين، وكسب المنازلة ففاز بأكثرية ضئيلة (50.71%) بصورة مفاجئة لم يتوقعها كثير من المراقبين.

وما لا يمكن أن نغفله هنا هو أن ما أوصل روحاني إلى كرسي الرئاسة لم تكن تلك الشعارات الانتخابية، بل لأنه وقف إلى جانبه بقوة الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني (المعروف بـ”صانع الرؤساء”)، ومحمد خاتمي والمعسكر الإصلاحي.

اليوم وبعد إعلان الرئيس روحاني الترشح لولاية ثانية، أصبح السؤال المشروع هو عن مدى نجاحه في تحقيق وعوده السابقة، وعن تقييم مختلف التيارات السياسية -وعلى رأسها الإصلاحيون والمحافظون- لسجله الرئاسي في الولاية الأولى، وهل سيشكل هذا السجل تحدياً له في حملته الانتخابية القادمة أم أنه سيكون عنصراً مساعداً له؟

حصيلة السياسة الداخلية
في السياسة الداخلية، كانت أمام روحاني حين استلامه للسلطة ملفات صعبة ورثها من سلفه، وأكد أن مفاتيحها عنده. كان الاقتصاد وما زال على رأس هذه الملفات، إضافة إلى تعزيز الحريات العامة ومعالجة الإشكاليات التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009 (أحداث الحركة الخضراء)، بما فيها رفع الحظر عن الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

عندما تسلم روحاني مقاليد الحكم، كان الاقتصاد يعاني من حالة الركود التضخمي، إذ كان قد سجّل أعلى معدل تضخم (45 %)، وصارت المؤشرات في مختلف القطاعات الاقتصادية بالسالب. ويقول روحاني نفسه إنه تسلم الخزانة الوطنية فارغة.

وفي هذا السياق؛ يرى الرئيس روحاني في الاتفاق النوويمفتاحاً سحرياً لأقفال الاقتصاد، وقد عمل ليل نهار على ذلك مستحضرا تجربته السابقة عندما كان كبير المفاوضين الإيرانيين في عهد الرئيس خاتمي، وحقق روحاني وفريقه أمنيتهم في التوصل إلى الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015.

“ما لا يمكن أن نغفله هنا هو أن ما أوصل روحاني إلى كرسي الرئاسة لم تكن تلك الشعارات الانتخابية، بل لأنه وقف إلى جانبه بقوة الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني (المعروف بـ”صانع الرؤساء”)، ومحمد خاتمي والمعسكر الإصلاحي”

اليوم ورغم إعلان الحكومة إحصائيات تُظهر تحسن مؤشرات قطاعات اقتصادية، وانخفاضا في التضخم إلى أقل من 10%، وتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8% ولا سيما في القطاع النفطي، ونجاحها في إخراج البلد من حالة الركود التضخمي على ضوء رفع الحظر عن النفط ووصول الصادرات النفطية إلى أكثر من مليوني و600 ألف برميل يوميا، إلا أن المواطن الإيراني لم يلمس تحسنا ملحوظا على حياته غير تراجع نغمة ارتفاع الأسعار.

ولعل أهم ما يعاني منه الإيرانيون هذه الأيام -ولا سيما الشريحة الشبابية- هو البطالة المستشرية التي وصلت إلى 12%، وفقاً للإحصائيات الرسمية. ثم إن الاقتصاد الإيراني -رغم تعافيه جزئيا وتحقيقه استقرارا نسبيا بعد رفع العقوبات عن قطاع النفط- لا يزال يعاني من حالة ركود في قطاعات كبيرة.

كما أعلن صندوق النقد الدولي -في تقريره الصادر يوم 28 فبراير/شباط الماضي- أن اقتصاد إيران انتعش بعد الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، ولكن “حال عدم اليقين المحيطة (بالاتفاق النووي) -خصوصاً بالعلاقات مع الولايات المتحدة- من شأنها أن تضعف الاستثمار والتجارة مع إيران”.

الانتعاش الاقتصادي الذي تتحدث عنه الحكومة لم يرتق إلى تقدم اقتصادي ملحوظ يشعر به المواطن الإيراني، وهذا لا يعني بالضرورة أن الحكومة لم تحقق نجاحات، بل إن هذه الإنجازات تناولت مفاصل أساسية وبنيوية في الاقتصاد الإيراني، لكن -وكما أكد تقرير صندوق النقد الدولي- “على الإيرانيين أن ينتظروا المزيد من الوقت لتلمّس الفوائد من الاتفاق النووي”.

هذه المعادلة ليس من الضروري أن يفهمها المواطن العادي، ولذلك فإن عامل الاقتصاد يشكل أهم تحدّ أمام الرئيس روحاني، ويتيح فرصة كبيرة للأصوليين في الانتخابات لتوظيف ذلك، وجعله عنوانا بارزا في مواجهة روحاني.

والإصلاحيون رغم تحفظات بعض قادتهم خلال الفترة الماضية على الوضع الاقتصادي، فإنهم اليوم معنيون أكثر من أي وقت مضى بالذود عن سجل روحاني الاقتصادي أمام خصومهم.

أما مؤسسة القيادة التي تولي الاقتصاد مساحة رئيسية في اهتماماتها، حيث أطلق قائد الثورة على العامين الماضي والحالي تسمية “عام الاقتصاد المقاوم، المبادرة والعمل” و”الاقتصاد المقاوم، الإنتاج وخلق فرص العمل”؛ فترى أن الإحصائيات الرسمية لا تشير إلى أن الأوضاع تتجه نحو حلحلة هذه المشاكل الاقتصادية.

أما الحريات العامة، فترى القاعدة الإصلاحية أن الوضع فيها تطور عما كان عليه خلال عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، لكنه بقي دون التوقعات خاصة أن روحاني لم يفِ بوعوده في هذا المجال.

في نفس الوقت، تجد قيادة الإصلاح الأسباب الموضوعية الكثيرة وراء عدم تحقق مثل هذه الوعود، خاصة أن روحاني بذل كافة الجهود الممكنة لتحقيقها لكنه لم يفلح.

كما يقدر الإصلاحيون لروحاني صموده وحكومته في مواجهة الضغوط لإغلاق شبكات تواصل اجتماعية حديثة، مثل التلغرام الأكثر استخداما في إيران مقارنة بدول أخرى. ويقال إن هذه الشبكات تمكنت من تغيير الرأي العام خلال الأيام الأخيرة في الانتخابات السابقة، علماً بأن متابعيها يقدّرون بالملايين.

رغم إصدار روحاني “ميثاق حقوق المواطنة” (غير ملزم قانونيا) قبل أشهر -تطبيقا لوعده الانتخابي السابق بهذا الخصوص- وتناوله قضايا عديدة؛ فإن قواعد الإصلاحيين بشكل عام ليسوا راضين تماما عن أداء روحاني في الإصلاحات السياسية والاجتماعية والحريات العامة.

وفي المقابل أيضا يتهمه الأصوليون بدعم من يعتبرونهم أصحاب “الفتنة”، وهو المصطلح الذي دخل قاموس السياسة الإيرانية بعد أحداث 2009.

حصيلة السياسة الخارجية
طبيعة السياسة الخارجية لحكومة روحاني تنال أكبر قسط من انتقادات المحافظين، ويبدو أن هذا يعود إلى التفاوت في منطلقات المعسكرين الأصولي والإصلاحي نحو السياسة الخارجية، حيث إن الأول ينطلق من الثورية المثالية، والثاني من مفهوم الدولة والواقعية.

“يعتبر الرئيس روحاني الاتفاق النووي أهم إنجاز له إذ أخرج به إيران من طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وينال الاتفاق أكبر دعم من الإصلاحيين، وفي المقابل يلاقي أشرس الهجمات من الأصوليين، علماً بأنه لولا موافقة ودعم المؤسسات السيادية لم يكن لهذا الاتفاق أن يرى النور”

ويعتبر الرئيس روحاني الاتفاق النووي أهم إنجاز له إذ أخرج به إيران من طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وينال الاتفاق أكبر دعم من الإصلاحيين، وفي المقابل يلاقي أشرس الهجمات من الأصوليين، علماً بأنه لولا موافقة ودعم المؤسسات السيادية لم يكن لهذا الاتفاق أن يرى النور.

وبقدر ما نال الاتفاق النووي هجمات من الرئيس الأميركي دونالد ترمب والجمهوريين الأميركيين، نال مثله وأكثر من الأصوليين في الداخل الإيراني.

بعد مرور أكثر من عام على دخول الاتفاق مرحلة التنفيذ فإنه يواجه تحديات جمة، أهمها وصول ألد أعدائه إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الطرف الأساسي في الاتفاق. ورغم عدم لجوء ترمب حتى هذه اللحظة إلى تنفيذ تهديداته خلال حملته الانتخابية بإلغاء هذا الاتفاق، فإنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يفعله مستقبلا.

والتحدي الآخر الذي يواجهه الاتفاق النووي هو المماطلة الأميركية في سير تنفيذه، حيث ما زالت إيران تواجه صعوبات كبيرة في تعاملاتها البنكية الخارجية.

يهاجم الأصوليون انفتاح الحكومة على الغرب ومساعيها السابقة في فتح قنوات اتصال مع إدارة أوباما، لكن لأن ملف العلاقة مع واشنطن لم يكن بيد روحاني فإن تطبيع العلاقات معها لم ينجح، رغم إحداث اختراقات مؤقتة وكسر الحاجز بعد أكثر من 36 عاما من الثورة، وإجراء أول اتصال بين رئيس إيراني ونظيره الأميركي، وكذلك لقاءات بين حين وآخر بين وزيريْ خارجية البلدين.

وفي حين نجح روحاني في كسر محدود للعزلة الدولية الغربية على إيران، تدهورت في عهده العلاقات مع السعودية ودول خليجية أخرى، حتى وصلت إلى حد القطيعة مع بعضها لأسباب باتت معروفة.

فرص فوز المرشح الأصولي
نجاح الأصوليين في إيجاد مرشح قوي خلال الفترة الأخيرة، وهو السيد إبراهيم رئيسي المقرب من دوائر صنع القرار السيادية؛ رفع أسهمهم في الانتخابات القادمة. فرئيسي يحظى بدعم قوي من الأصوليين والمؤسسات السيادية الخاضعة لسيطرتهم، لكنهم يواجهون تحديدات كبيرة، أهمها:

1ـ مدى قدرتهم على إقناع الشارع الإيراني بالخطاب الأصولي في مواجهة خطاب الدولة الواقعي لروحاني، بينما لا تزال تجربة حكم الرئيس نجاد الأصولي حاضرة في ذاكرة قطاعات واسعة من الشعب الإيراني. وفي ظل انعدام تقييم إيجابي لهذه التجربة لدى تلك القطاعات في المدن الكبرى، سيواجه الأصوليون صعوبة في استمالة عقول هذه الشرائح.

2ـ ثمة مخاوف مكنونة لدى شرائح معتبرة من الشعب الإيراني من أن البديل الأصولي لروحاني سيعود بالبلد إلى المواجهة المفتوحة مع الغرب، كما حدث ذلك في ولايتيْ نجاد، وما يترتب على ذلك من عودة العقوبات الاقتصادية وربما بشكل أقوى. ويواجه الأصوليون اليوم تحدياً في تبديد هذه المخاوف نظرا إلى لغتهم التصعيدية تجاه الغرب.

“لخلق فرص أكثر للفوز، يدفع الأصوليون بعدد من المرشحين إلى جانب مرشحهم الرئيسي ليستطيع كل منهم استقطاب أصوات شرائح من المجتمع الإيراني، وكذلك توظيف فرصة الدعاية الانتخابية لكل مرشح، ولا سيما في المناظرات التلفزيونية لمواجهة روحاني وسياساته، وتقليل فرص فوزه”

ولخلق فرص أكثر للفوز، يدفع الأصوليون بعدد من المرشحين إلى جانب مرشحهم الرئيسي ليستطيع كل منهم استقطاب أصوات شرائح من المجتمع الإيراني، وكذلك توظيف فرصة الدعاية الانتخابية لكل مرشح، ولا سيما في المناظرات التلفزيونية لمواجهة روحاني وسياساته، وتقليل فرص فوزه.

كما أن المعسكر الأصولي سيسعى إلى استغلال التحديات الصعبة التي يواجهها روحاني في طريقه نحو الولاية الثانية، وأهمها:

1ـ تواضع الإنجازات في سجل روحاني خلال فترته الأولى، ولا سيما في المجال الاقتصادي. وهذا يصعب عليه الحفاظ على أكثر من 18 مليون صوت نالها في الدورة السابقة، كما يصعب مهمة الإصلاحيين في استقطاب الأصوات الرمادية.

وقد ينتج عن ذلك انخفاض نسبة المشاركة وهذا ليس لصالحهم، إذ تُظهر التجارب الانتخابية السابقة أنه كلما ارتفعت نسبة المشاركة ازدادت حظوظ الإصلاحيين، والعكس صحيح أيضا. لكن يُفترض أن ترتفع المشاركة إذا نجحوا في إذكاء المخاوف من بديل روحاني.

2ـ يخوض روحاني هذه الدورة الانتخابية بعد أن فقد قبل أشهر أكبر داعميه في مفاصل الدولة، والذي أوصله إلى الرئاسة في الدورة السابقة ويحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، أي الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني.

يتضح مما سبق أن الأصوليين باتوا يشكلون تحديا يقلق الرئيس روحاني ومعسكره، إلى جانب التحدي النجادي حال صادق مجلس صيانة الدستور على ترشحه أو مرشحه بقائي، حيث إنه على الأغلب سيحصل على أصوات معتبرة لا يستهان بها في الأرياف والمدن الصغيرة، كما أن هذه الأصوات ستكون على حساب سلة روحاني.

وهذا يرجح احتمالية أن تتجه الانتخابات إلى جولة الإعادة لا سيما إذا سُمح للمعسكر النجادي بالمشاركة في المنازلة، وفي هذه الحالة ستنحصر المنافسة في نهاية المطاف بين روحاني ورئيسي.

وفقاً للفرضيات السابقة؛ فإن كفة روحاني تبقى راجحة ولكنها غير محسومة، وبانتظار فرز مجلس صيانة الدستور تظل الاحتمالات مفتوحة في كل الاتجاهات.

صابر كل عنبري

الجزيرة