إثارة ملف الكيميائي مقدمة لتصعيد بسوريا أم تحسين لشروط التفاوض

إثارة ملف الكيميائي مقدمة لتصعيد بسوريا أم تحسين لشروط التفاوض


دمشق – يتواصل ملف الكيميائي السوري في التفاعل رغم مرور أكثر من أسبوعين على الهجوم الدموي في خان شيخون في ريف إدلب (شمال غرب سوريا) والذي توجهت أصابع الاتهام فيه إلى نظام الرئيس بشار الأسد.

وتتقدم الولايات المتحدة الأميركية الدول التي تتهم النظام السوري بالإبقاء على مخزون من المواد الكميائية، رغم الاتفاق الذي تم في العام 2013 وقضى بتدمير ذلك المخزون.

وترى روسيا أن عودة هذا الموضوع إلى الواجهة وبهذا الشكل يحمل بين طياته أهدافا سياسية وحتى عسكرية تتصل بوجود توجه لإحياء فكرة إسقاط النظام، بعد أن خف الحديث عنها طيلة الأشهر الماضية.

وأكد وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس خلال زيارة قام بها إلى إسرائيل الجمعة أن النظام السوري احتفظ ببعض أسلحته الكيميائية “دون شك”، محذرا الرئيس بشار الأسد من استخدامها.

وتأتي تصريحات ماتيس في بداية زيارة استمرت يوما واحدا التقى خلالها مسؤولين إسرائيليين أيدوا بشدة الضربة الأميركية الأخيرة على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا ردا على الهجوم الكيميائي على خان شيخون التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين.
محمد صبرا: لا أظن أن التصعيد العسكري في سوريا ضمن خيارات الإدارة الأميركية

وقال ماتيس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان “الأهم هو أن المجتمع الدولي يعتقد دون أي شك بأن سوريا احتفظت بأسلحة كيميائية في انتهاك لاتفاقها وإعلانها أنها سلمتها كلها”.

وأضاف أن ذلك يعد “انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي وسيتوجب التعامل معه دبلوماسيا وسيكونون مخطئين إذا حاولوا استخدامها ثانية. لقد وضحنا ذلك بشكل جلي من خلال الضربة التي وجهناها”. وأشار إلى أن الجيش السوري “أعاد نشر طائراته خلال الأيام القليلة الماضية” تجنبا لضربها مجددا في حال تجمعها في مكان واحد.

ووفق مسؤول عسكري، تقدر إسرائيل أن نظام الأسد لا يزال يملك “عدة أطنان” من الأسلحة الكيميائية.

وتفيد تقارير إعلامية إسرائيلية أن كميتها تتراوح بين طن وثلاثة أطنان. ورفض ليبرمان كذلك خلال المؤتمر التعليق على هذه التقديرات.

وجدد الأسد الجمعة نفيه للاتهامات بأن قواته استخدمت أسلحة كيميائية ضد خان شيخون في الرابع من أبريل، متهما تركيا بالوقوف خلف الأمر.

ولفت إلى أن “الطريق الوحيد كي يُحضر الإرهابيون الأموال، والأسلحة، وكل أشكال الدعم اللوجستي، والمجندين، وهذا النوع من المواد هو من خلال تركيا. ليس لديهم أي طريق آخر يستخدمونه للقدوم من الشمال. وبالتالي، فإن المصدر هو تركيا مئة بالمئة”.

ويصر الأسد على أن نظامه سلم كل مخزونه من الأسلحة الكيميائية عام 2013 بناء على اتفاق رعته روسيا لتجنب ضربة عسكرية ضد دمشق هددت بها واشنطن حينها، على خلفية هجوم مماثل لخان شيخون في الغوطة الشرقية.

وفي تصريحات لـ“العرب” اعتبر كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى جنيف محمد صبرا أن إثارة موضوع الأسلحة الكيميائية ليست جديدة وتعود إلى العام 2016 بيد أن التركيز عليه جاء نتيجة الهجوم الوحشي على خان شيخون.

واستبعد أن تتجه الأمور إلى تصعيد عسكري بين واشنطن والنظام السوري، مضيفا “لا أظن أن ذلك ضمن خيارات الإدارة الأميركية في هذا الوقت”.

بدوره قال الرائد أبوأسامة حسن إبراهيم رئيس المكتب السياسي لجبهة ثوار سوريا لـ“العرب”، “لا أعتقد أن واشنطن تخطط لتغيير النظام، فأولوياتها هي محاربة تنظيم داعش، وإخراج إيران من سوريا وإنشاء مناطق آمنة، وهذا سيعطي نتيجة حتمية وهي سقوط الأسد في نهاية المطاف”.
أبوأسامة حسن إبراهيم: أولويات واشنطن هي محاربة داعش وإخراج إيران من سوريا

وتنظر دمشق وحلفاؤها إلى عملية التصعيد السياسي الغربي والتركيز على الملف الكيميائي من منطلق “نظرية المؤامرة”، حيث تعتبر أن هذا الأمر هو تمهيد لعمل تصعيدي خطير في سوريا، ولا تستبعد أن يكون عسكريا.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره الصيني وانج يي أن ما تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يهدف إلى تغيير النظام في سوريا.

ونقلت شبكة “روسيا اليوم” الإخبارية عن لافروف قوله إن رفض إرسال بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى إدلب هو محاولة لإجهاض تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن سوريا، مضيفا أن هذه الأعمال تثير القلق.

وتابع لافروف “أعتقد بأن هذا وضع خطير للغاية، لأنه من الواضح اليوم أن المعلومات الكاذبة حول استخدام الحكومة السورية للسلاح الكيميائي تستخدم للتراجع عن قرار 2254، الذي ينص على تسوية سياسية بمشاركة كافة الأطراف السورية، والعودة إلى الفكرة بشأن تغيير النظام، وأنا على قناعة بأنه يجب ألا نسمح بحدوث ذلك”.

وفي مقابل القناعة المتزايدة لدى الأطراف المتحالفة مع الأسد بشأن دوافع إثارة الملف الكيميائي، يرى محللون أنه لا يمكن تجاهل فرضية أن يكون الأمر مرتبطا بتحسين شروط التفاوض مع موسكو خاصة.

ولفت المحللون إلى تأجيل الولايات المتحدة لاجتماع دعت إليه موسكو في جنيف مؤخرا، وهذا يندرج في سياق حرب الأعصاب بين القوتين.

ويعتبر هؤلاء أن واشنطن تعمل على تصعيد الموقف مع روسيا في سوريا في سياق الرغبة في تحسين شروط التفاوض معها، حيث أن إدارة ترامب ترفض أي حل سوري يتم على حساب مصالحها وحلفائها الإسرائيليين على وجه الخصوص.

وتطالب الولايات المتحدة أساسا بضرورة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وإقامة مناطق آمنة في شرق سوريا وجنوبها، وقد كان هذا الموضوع محورا رئيسيا في مباحثات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس مع المسؤولين الإسرائيليين.

العرب اللندنية