نكسات داعش الميدانية في الجزائر تتعمق

نكسات داعش الميدانية في الجزائر تتعمق


الجزائر – أثار السقوط المستمر لخلايا تنظيم داعش في الجزائر اهتمام المختصين والخبراء الأمنيين ومنح المقاربة الميدانية للجيش والأمن الجزائريين وزنا معتبرا في الحرب المعلنة على الإرهاب، وهو ما دفع الأطراف المتضررة على المسارعة للاستفادة من التجربة المحلية خاصة بعد معاينة السقوط المتواتر لجيوب وخلايا التنظيم.

فشلت خلايا تنظيم داعش في اختراق اليقظة الأمنية بمحافظة قسنطينة بشرق البلاد للمرة الثالثة على التوالي في غضون شهر واحد، حيث تم إجهاض محاولة لتنفيذ عمل استعراضي في وسط المدينة بواسطة عنصرين كانا يستعدان لتفجير نفسيهما بحزامين ناسفين في محاولة لنقل المواجهة إلى داخل المدن.

وأبان إصرار جيوب التنظيم على نقل المعركة إلى داخل النسيج الحضري في شرق البلاد من أجل تحقيق صدى إعلامي يبطل فشل داعش في اختراق الحصون الأمنية، يقظة أمنية عالية وقدرة على التكيف مع تطور أساليب الفلول الإرهابية في تنفيذ عملياتها الاستعراضية.

ويرى خبراء أمنيون في الجزائر بأن فشل تنظيم داعش في إرساء خلاياه في الجزائر، رغم محاولات الاختراق وتنويع أساليب الاختراق، يعود بالدرجة الأولى لخسارته المعركة الإلكترونية وتكيف استعلامات الأمن والجيش مع تطورات التنظيم.

وشكل برأي هؤلاء “التحكم في المنصات الإلكترونية والمراقبة المستمرة للحراك الجهادي على شبكة الإنترنت والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي المفتاح الأساسي في إجهاض كل المحاولات التي استهدفت تنفيذ عمليات استعراضية في مواقع عمومية ورسمية، كما مكن من إسقاط العشرات من خلايا الدعم والإسناد والتعبئة”.

وتذكر وسائل إعلام محلية بأن “الوحدات الإلكترونية في مصالح الاستعلامات أطاحت خلال هذه السنة بما يزيد عن 20 خلية لها علاقة بتنظيم داعش، سواء فيما يتعلق بالعناصر المسلحة أو الشبكات العاملة في مجالات التعبئة والدعم والإسناد”.

وتضيف “المراقبة المستمرة لما يبث على شبكة الإنترنت والتحكم في خيوط المنشورات الإلكترونية في المواقع ووسائط التواصل الاجتماعي قادها للتوصل إلى تقفي ورصد مصادر وأهداف رسائل التطرف الديني، ومعرفة أساليب التجنيد القائمة على الإغراء بالمال والشعارات الدينية واستهداف بؤر الفقر والحرمان في الأحياء الفقيرة والعشوائيات”.

التحكم في المنصات الإلكترونية والمراقبة المستمرة للحراك الجهادي على شبكة الإنترنت والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي المفتاح الأساسي في إجهاض كل المحاولات التي استهدفت تنفيذ عمليات استعراضية في مواقع عمومية ورسمية، كما مكن من إسقاط العشرات من خلايا الدعم والإسناد والتعبئة

وقالت مصادر أمنية بأنه في ظرف الأشهر الثلاثة الأخيرة تلقت الوحدات الإلكترونية نحو 1800 بلاغ بمنشورات دعائية أو مشاركات في منتديات جهادية على شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، مما سمح بإجهاض نشاط العشرات من الخلايا في ظرف قياسي.

وكانت قيادات الأمن قد أولت في السنوات الأخيرة أهمية قصوى للوحدات الإلكترونية في الاستعلامات لمواكبة الأساليب الممكن انتهاجها من طرف التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها داعش، حيث ركزت على العاملين البشري والعلمي اللوجيستي لكسب المعركة الإلكترونية ضد الإرهاب.

وهي العملية التي مكنتها من التحكم في الجرائم الإلكترونية التي استهدفت مؤسسات سيادية، على غرار القرصنة التي تعرض لها مؤخرا موقع وكالة الأنباء الرسمية على شبكة الإنترنت، حيث تم توقيف المقرصن بعد ساعات قليلة من وقوع العملية بعيدا عن العاصمة بنحو 120 كيلومترا.

وقالت مصادر محلية بأن “الفرق المختصة في مراقبة المواقع التحريضية والحسابات الدعائية للأفكار الجهادية تمكنت من فك الرسائل المشفرة باستعمال نظام تكنولوجي حديث طوره ضباط الوحدات الإلكترونية بغية مواجهة الجريمة الإلكترونية وإجهاض المخططات والهجمات الإرهابية”.

وأضافت “لقد تم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تفكيك وإجهاض 23 خلية جهادية على اتصال مباشر مع قيادات تنظيم داعش في العراق وسوريا وليبيا”.

وتعتبر الأحياء الفقيرة والمهمّشة في المدن وأحزمة الصفيح الهدف الرئيسي لمروجي الأفكار الجهادية والتطرف الديني، حيث تعتبر “الإغراءات المالية والمادية ومزايا الشعارات الدينية والفقهية والانتقام من أسباب منع قيام الخلافة الإسلامية”، كمقدمة لاستقطاب المجندين الجدد.

وبالمقابل أوضحت المصادر نفسها أن مصالح الشرطة تلقت في الفترة الممتدة ما بين 1 يناير و31 مارس على المستوى المركزي ما يفوق 1800 بلاغ تتعلق بمنشورات إرهابية دعائية أو مشاركات في منتديات إرهابية، إلى جانب اتصالات سواء عن طريق الهاتف أم الإنترنت وتتضمن شبهات حول تنظيمات إرهابية محلية أو دولية.

ويرى مختصون بأن محدودية التحاق الجزائريين بالتنظيمات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا، مقارنة بدول المنطقة، عكس تواجدهم اللافت في تنظيم القاعدة سابقا، ولا يعود الأمر إلى مسائل عقائدية، كما يروّج له البعض، وإنما إلى دور الوحدات الإلكترونية للجيش والأمن في تحييد وإجهاض شبكات التعبئة والتجنيد والتعقب الدقيق للحراك الجهادي على الإنترنت.

ويعتبر محور تونس سوريا مرورا بتركيا الخط الرئيسي الذي كان يوظفه جهاديو داعش لاستقطاب العناصر الجديدة من الجزائر قبل أن يستعيد الأمن الجزائري ورقة المبادرة ويكسب المعركة الإلكترونية والاتصالات ويجهض جميع محاولات إقامة ولاية أو خلايا للتنظيم في البلاد.

وتعود مساعي داعش لاختراق الحدود الجزائرية إلى العام 2015 لما انشق عدد من عناصر القاعدة وأعلنوا البيعة لأبي بكر البغدادي، واختطاف واغتيال الفرنسي هيرفي غوردال في بلدة تيكجدة بمنطقة القبائل (شرقي العاصمة)، إلا أن ولاية جند الخلافة المعلنة بالمناسبة من طرف عبدالحميد قوري لم تصمد طويلا أمام ضربات الجيش.

وساهم التقارب الجغرافي بين مناطق شرق البلاد مع الحدود التونسية والليبية في ظهور محاولات متجددة لإطلاق خلايا داعشية في محافظات سكيكدة وعنابة وقسنطينة، إلا أنها لم تصمد بدورها أيضا تحت ضغط تجفيف منابع التمويل ومحاربة التهريب من طرف وحدات الجيش على الحدود البرية، والتحكم الاستعلاماتي والإلكتروني للحراك الجهادي على الإنترنت.

وإذ يدرج الخبير الأمني أحمد ميزاب مسألة العمليات الأمنية الفاشلة في منطقة شرق البلاد إلى مسعى داعش إلى البحث عن الصدى الإعلامي والتشويش على الانتخابات التشريعية المقررة في الرابع من مايو المقبل، فإن اللافت هو أن خسائرها الميدانية مستمدة من خسارتها للمعركة الإلكترونية.

العرب اللندنية