القنبلة الفراغية ومؤشر الحرب العالمية

القنبلة الفراغية ومؤشر الحرب العالمية

في تطور يعكس التغير الكبير في السياسة الأمريكية تجاه قضايا العالم، ألقت إحدى القاذفات الأمريكية قنبلة فراغية على كهوف وأنفاق، يستخدمها تنظيم «داعش»، في منطقة آشين بولاية ننغرهار شرقيّ أفغانستان. وجاء الإعلان عن إطلاق هذه القنبلة في ظل تعقد السياسة الدولية بسبب أزمتي سوريا وكوريا الشمالية، وكأنها كانت بمنزلة رسالة بأن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لاستخدام أخطر الأسلحة ضد أعدائها، وأنها مصرة على إيجاد حلول لمشاكل العالم تتناسب مع رؤيتها العالمية.
وتعد القنبلة الفراغية أقوى أنواع القنابل غير النووية، وهي تعمل على إحداث فراغ مدمر، فعند تفجير القنبلة فإن شحنتها تعمل على امتصاص كميات ضخمة من الأوكسجين من الجو بشكل سريع في أجزاء من الثانية، محدثة منطقة كبيرة من الضغط المنخفض، فيسرع الهواء من كل الاتجاهات نتيجة الضغط الجوي، لملء هذا الفراغ ليشكل هجوماً عنيفاً كالإعصار، على منطقة التفجير، في صورة موجات صدم هوائية تسحق كل ما هو موجود في موقع نقطة الانفجار.
وقد استخدمت الولايات المتحدة خلال حرب فيتنام قنبلة فراغية وزنها 6 أطنان فوق غابة كثيفة الأشجار، ما تسبب في انسحاق جميع الأشجار في دائرة قطرها 600 متر. وفي عام 2007 اختبر سلاح الجو الروسي قنبلة فراغية عملاقة، قالت موسكو: «إنها أكبر قنبلة غير نووية في العالم». وأكدت روسيا: «إن هذه القنبلة أكثر تدميراً من نظيرتها الأمريكية المعروفة باسم «مواب». ورغم عدم وجود قدرة على التأكد من هذا الأمر، فإن الولايات المتحدة قدمت الدليل الحي على قوة قنبلتها من خلال ضربها مواقع إرهابية شرقي أفغانستان. في الوقت الذي كانت قد أطلقت فيه مجموعة من صواريخ «توما هوك» على قاعدة جوية في وسط سوريا، وكذلك قامت بإرسال حاملة الطائرات «كارل فينسون» مع مجموعة من الطائرات الحربية إلى سواحل شبه الجزيرة الكورية؛ لتأكيد جدية النية الأمريكية في وضع حد لتمادي كوريا الشمالية.
ويحبس العالم أنفاسه في انتظار ما قد يتمخض عن هذا التصعيد الأمريكي، فمن دون شك، فإن روسيا لن تسمح بسقوط النظام في سوريا. وهذا ما أكده أرفع المسؤولين الروس، وكذلك فإن الصين ستجد نفسها مضطرة لدخول الحرب في حال قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة ضد كوريا الشمالية؛ لأنها أيضاً لن تسمح بتدمير هذه الدولة، وبما يؤدي إلى تقوية المشروع المعادي لها في كوريا الجنوبية.
وتدرك الولايات المتحدة من خلال تجربتها في الحرب الكورية بين 1950 و1953 أن الصين هي العقبة الحقيقية أمام توحيد كوريا، وفق الرؤية الأمريكية، فقد حاربت الصين بكل قوتها في تلك الحرب، ومنعت الأمريكيين وحلفاءهم، في الشطر الجنوبي، من تحقيق أي تقدم على جبهة الحرب. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «إن بلاده مستعدة لوضع حد لكوريا الشمالية إذا لم تقم الصين بذلك». لكن ترى هل تستطيع الولايات المتحدة فعلاً تغيير قواعد الاشتباك في الشرق الأقصى؟الواقع أن جبهة كوريا تبدو اليوم أخطر بكثير من سوريا، ورغم أن التفكير المنطقي يستبعد وقوع حرب في كوريا، لكن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى كوريا الشمالية تُطور من قدراتها النووية، بما يهدد مصالحها في المنطقة. كما أن قوة الصين تتصاعد أكثر وأكثر على المستويين الاقتصادي والعسكري؛ لذا ترى الولايات المتحدة أنها إذا لم تتحرك عسكرياً، فإنها ستفقد وجودها في الشرق الأقصى في المستقبل القريب، فكوريا الجنوبية لا تستطيع الاستمرار في ظل التهديد الشمالي المستمر، وكذلك اليابان فإنها تبدو ضعيفة للغاية أمام قوة الصين المتعاظمة، وقد كشفت قضية الجزر المتنازع عليها بين الدولتين هذه الحقيقة، ولا شك أن بناء قوة عسكرية يابانية يحتاج وقتاً وجهداً، إضافة إلى أنه يصطدم بتيار معارض كبير في الداخل الياباني، باعتبار أن اليابان اختارت منذ أمد بعيد أن تظل دائماً دولة مسالمة بعيدة عن أي صراع، وارتضت ألا تعود إلى العسكرة مرة أخرى. وكذلك فإن تسليح اليابان بالسلاح الذري لمواجهة الصين قد يحمل عواقب وخيمة على الولايات المتحدة في حالة اشتعال فتيل الحرب في المنطقة.

وإزاء هذا الواقع قد يبدو خيار الحرب هو الخيار الوحيد المتاح أمام الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة كوريا، غير أن هذه الحرب لن تكون نزهة، فالأرض الأمريكية لن تبقى بمنأى عن ضربات انتقامية بأسلحة ذرية من الخصم الكوري أو الصيني، ورغم امتلاك الولايات المتحدة صواريخ اعتراضية في جزر مارشال في المحيط الهادئ وأخرى في ولاية ألاسكا في منطقة القطب الشمالي، لكن لا توجد ضمانة أن هذه الصواريخ ستكون قادرة على اعتراض كل الصواريخ التي ستطلقها كوريا أو الصين على المدن الأمريكية، وهكذا ستتعرض الولايات المتحدة لكوارث كثيرة، ورغم أن كوارث مثلها ستقع في كوريا أو الصين، لكن ما سينزل بالجانب الأمريكي سيكون أفظع؛ لأنها ستكون المرة الأولى التي يطول فيها لهيب الحرب الأرض الأمريكية.

إن البديل عن خيار الحرب ليس أقل مرارة من الحرب ذاتها بالنسبة للولايات المتحدة؛ إذ تطالب كوريا الشمالية بإخلاء الشطر الجنوبي من القواعد الأمريكية، وأن تعترف الولايات المتحدة بها كدولة ذات سيادة، لها الحق في الوجود إلى جانب الدول الأخرى، وأما الصين فهناك ملفات لا تزال عالقة بينها وبين الولايات المتحدة، فلا تزال هذه الأخيرة تدعم تايوان، وتقول إنها ستدافع عنها عسكرياً ضد أي تدخل صيني فيها، وهناك صراع بين الدولتين حول بحر الصين الجنوبي.

الواقع أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع حل القضية الكورية، لكنها لن تفعل ذلك دون حل باقي الملفات العالقة بينها وبين الولايات المتحدة، وإذا قبلت هذه الأخيرة بذلك فإنها ستحكم على نفسها بالخروج من الشرق الأقصى بأكمله، كما أن عليها أن تقبل بوجود شريك يحكم الجانب الآخر من العالم، في عودة إلى عالم ثنائي القطبية.

محمد خليفة

صحيفة الخليج