فشل حلّ الدولتين

فشل حلّ الدولتين

يحق لنا التساؤل عن نتائج مفاوضات ومؤتمرات السلام لحل القضية الفلسطينية بعد أكثر من عشرين عاماً على بدايتها، وعن إمكانيات الحل مستقبلاً، وخصوصاً بعد توالي التصريحات التي تعبر وبشكل واضح عن فشل حل الدولتين أو اقترابه من الفشل، كتصريحات كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في 2009: “إن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يبقي مساحة للتفاوض حول حل الدولتين مما سيؤدي حتماً إلى اعتماد حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، والتصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي المثير للجدل دونالد ترامب أثناء لقائه رئيس وزراء الاحتلال وقوله “أقوم بدراسة حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وسأقبل بالحل الذي يقبل به الطرفان”، مما يشير وبشكل فج إلى استعصاء تطبيق حل الدولتين، وإلى وجود مخططات أخرى لدى قيادات الاحتلال والدول الإمبريالية المتحالفة معها.

إذن، نحن أمام استعصاء واضح وأمام مخططات وتصورات مختلفة عن الصورة التي تحلم بها القيادة الفلسطينية التي باتت مُسيرة بشكل كامل، لا سيما بعد رضوخها الكامل على مدار السنوات الماضية، وتخليها الطوعي عن أوراق قوتها، لتصبح العملية التفاوضية محكومة فقط بالرغبة والإرادة الدولية والصهيونية المنصهرة في بوتقة واحدة. وبالطبع لا يمكن أن يختلف شخصان على تحمل قوات الاحتلال ومن خلفها داعموها الدوليون لكامل المسؤولية عن الوضع الراهن، فقد انتهجت قوات الاحتلال مجموعة سياسات وإجراءات تؤدي إلى هذه النتيجة كسياسية الفصل العنصري بحق المواطنين العرب في الأراضي المحتلة عام 1948، وجدار الفصل العنصري الذي يعتبر سجناً كبيراً للفلسطينيين والعرب القابعين داخله، وما زال يتمدد رويداً رويداً متمادياً في خنق المناطق المحاطة به، بالإضافة إلى السياسات الاستيطانية التي تقضم المزيد من المساحات والأراضي بهدف إقامة المستوطنات عليها والحفاظ على مساحات حولها كذلك لحمايتها من أصحاب الأرض الفلسطينيين، ومحاصرة المناطق العربية القريبة من المستوطنات بفروع جديدة من جدار الفصل العنصري، وكذلك الممارسات المتبعة بحق مدينة القدس المحتلة وسكانها الفلسطينيين والتي تتجاوز القيود الممارسة على تنقلاتهم وأعمالهم وممارسة شرائعهم الدينية لتطاول الدفع نحو تهجيرهم.

كما لا يمكن إغفال عمليات هدم البيوت وجرف الأراضي وتقطيع المناطق الخاضعة نظرياً لسيطرة السلطة الفلسطينية وفرض القيود على حركة السكان داخلها وخارجها في اتجاه أماكن عملهم، وابتزاز دوائر السلطة مالياً عبر التحكم في حركة وتدفق المنح المالية إليها، فضلاً عن فرض حصار الموت على قطاع غزة، وبالتالي أصبحت العملية المدعوة بعملية السلام في مهب الريح، وبتوافق وقبول دولي، وخصوصاً الأميركي – الروسي – الأوروبي، أي بدعم دول العالم الأقوى والأكثر نفوذاً على مجمل القضايا الدولية، الدعم الذي يصب، دائماً وأبداً، في مسار تهميش ومحو جميع الحقوق الفلسطينية وخلق أمر واقع قائم على مصلحة الاحتلال فقط ومن ثم يتم إخضاع القيادة الفلسطينية له، حيث يتنوع هذا الدعم من الدعم الإعلامي والسياسي مثل تصوير جميع الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال كرد فعل على إرهاب الطرف الآخر، إذ يعتبر المجتمع الدولي جميع أشكال مقاومة الاحتلال أعمالاً إرهابية، كما يستنكر مطالب القيادات الفلسطينية ويصفها بالمجحفة والمبالغ بها على الرغم من كونها أقل من الحد الأدنى المقبول شعبياً.

وهناك الدعم العسكري المباشر والمتزايد دائماً كالاتفاق الموقع بين كل من الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية قبل مغادرة رئيسها السابق أوباما للسلطة، والذي شكل سابقة في تاريخ الدعم الأميركي كونه الأعلى قيمة كما شكل صفعة للمراهنين على تغير إيجابي في السياسات الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أشكال متعددة ومتنوعة من الدعم المباشر وغير المباشر لسياسات وممارسات الاحتلال سواء في مجال التعليم أو الصحة أو النواحي التقنية والعسكرية أو عبر المعدات والآليات الضرورية لبناء المستوطنات والتي يصعب عدها وحصرها.

وكنتيجة لكل ما سبق، نحن اليوم أمام واقع يقوم على إفشال متعمد لحل الدولتين من قبل الرعاة الدوليين للعملية التفاوضية ومن قبل طفلهم المدلل “الاحتلال”، الحل الذي أبت القيادات الفلسطينية إلا أن تتبناه وتخوض فيه على الرغم من جميع التحذيرات والمعارضات له لما يحمله من تنازل كبير في الحقوق الفلسطينية، ولنتائجه الكارثية على القضية الفلسطينية وعلى مستقبل النضال الفلسطيني، وقد تم مراراً التأكيد على خطأ اعتبار العملية التفاوضية خطوة أولى نحو تحرير الأرض وإحقاق الحقوق الفلسطينية والعربية، والتي اعتبرها بعضهم تنفيذاً للبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، إلا أن الوقائع قد أثبتت صحة هذه التحفظات والتحذيرات ودفعت شرائح أوسع من الجماهير الشعبية لتعلن رفضها هذا النهج الاستسلامي وبشتى الطرق والوسائل المتاحة وفقاً لأماكن وجودها بدءاً بنبذ الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية وليس انتهاء بأشكال النضال السلمية والأهلية والنضال المسلح على مستوى الأفراد كعمليات الدهس والطعن الأخيرة، والتي تعيد جميعها الاعتبار إلى خيار الدولة الواحدة والتحرير لكامل الأراضي الفلسطينية التاريخية.

تمثل عودة خيار التحرير وإقامة الدولة الواحدة إلى واجهة الأحداث والتحليلات السياسية رداً على الانتقاص الذي يحمله خيار الدولتين للحقوق الفلسطينية والعربية، كما تعيد الخيار النضالي الشامل أيضاً بما يتضمنه من الحق في الكفاح المسلح، تعبيراً عن الرفض الشعبي للاستسلام الأكيد وفقاً” للعملية التفاوضية الجارية على مدار السنوات السابقة، إلا أن السبيل الوحيد لذلك هو العمل عربياً -على مستوى الشعوب- على تحرير كافة الأراضي المحتلة وطرد جميع قوى الاحتلال وأذرعها وإقامة الدولة العلمانية التي تكفل حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن الدين والعرق، لننهي بذلك مرحلة تبني حل الدولتين والخيار الاستسلامي الذي يرغب مؤيدوه بتسميته الخيار السلمي.

حيان جابر
صحيفة العربي الجديد