خبير أمني عراقي: الإرهاب صناعة إيرانية بأذرع طائفية

خبير أمني عراقي: الإرهاب صناعة إيرانية بأذرع طائفية

تحدث اللواء عبدالمحسن خليل الطائي مسؤول أمني عراقي سابق لـ”العرب”عن إشكالية الإرهاب بالعراق والعالم العربي، وذلك لأول مرة منذ احتلال العراق عام 2003، حيث يكشف دوافع هذه الظاهرة دوليا، ومدى توظيف إيران للطائفية والمذهب لتحقيق مساعيها في التوسع بالمنطقة بحروب تخوضها بالوكالة، وباتت بذلك المصدر الأول للإرهاب.

فالجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة وغيرهما، تعد من أبرز الذرائع التي استندت عليها إيران للتمدد في دول عربية، ما يؤكد أنها ساهمت في ظهورها في دول بعينها لكي تعطي شرعية لتدخلها تتمثل في الادعاء بمحاربة الإرهاب.

والمثير في هذه الجماعات المتشددة أنها تظهر في دول عربية لطهران فيها نفوذ وميليشيات ومطامع. ففي العراق صيف 2014، فوجئ العالم باحتلال داعش لمساحات واسعة في المحافظات ذات الأغلبية السنية.

ولا تكتفي إيران بدورها التخريبي القائم على الطائفية في العراق، بل تتمدد سياستها البراغامتية في سوريا ولبنان، كما لا تخفي جموحها في توظيف الطائفة الشيعية لتقسيم العالم العربي وبث الفوضى والدمار.

وداعش العراق كداعش سوريا، جاء لخدمة المشروع الإيراني، إذ بات العنوان الأبرز الذي يبرر انتشار ميليشيات إيران بسوريا وتحويل مسار الأزمة من تغيير النظام إلى إغراق البلد في فوضى الإرهاب، ما يتيح لها لعب دور المنقذ الساعي لفرض شروط الحل البديل بالأزمة السورية.

وفي اليمن، كان تنظيم القاعدة الذي أثبتت تقارير دولية عن تلقي قادته الدعم الإيراني طيلة السنوات الماضية، وداعش يرفدان ميليشيات الحوثي وصالح المتمردة، ففي المناطق التي تحررها القوات الشرعية بدعم من التحالف العربي توكل إليهما مهمة زعزعة الأمن ونشر الإرهاب.

وتوظف إيران ذراعها العسكرية حزب الله ليمارس نفوذها في لبنان ويكون ورقة ضغط سياسية يمرر إملاءاتها ويفرض فيها الوصاية الإيرانية، لكن يرفض اللبنانيون الهيمنة الإيرانية ويسعون للتحرر منها”.

ويعتقد عبدالمحسن خليل الطائي أن “الدول العربية ستبقى مسرحا للهجمات الإرهابية لسنوات مقبلة ليست بقصيرة، طالما أن هناك أطرافا دولية كبرى تساند الإرهاب إلى جانب إسرائيل وإيران”.

ويقول المسؤول الأمني العراقي السابق الذي شغل منصب مدير الشرطة العام من العام 1984 إلى العام 1991، إن “العالم العربي سيكون هو المستهدف بالهجمات الإرهابية، ولكن بآليات جديدة مغلفة بغطاء ديني ومذهبي”.

على الدول العربية أن تؤسس لإستراتيجية أمنية وسياسية وعسكرية موحدة لطي صفحات الإرهاب وكسر شوكته

الإرهاب صناعة إيرانية

يشير الخبير الأمني العراقي إلى أن “نظرية شد الأطراف في السياسة الخارجية الإسرائيلية هي أحد أعمدة الدولة العبرية، منذ زرعها في الوطن العربي”، موضحا أن “خلاصة هذه النظرية هي تحالف الصهاينة مع الدول الكبرى غير العربية على تخوم الوطن العربي وتأجيج الأقليات في الدول العربية ودعمها لشق سيادتها ومحاولة تجزئتها”.

ويضيف الطائي أن “العراق كان ولا يزال الدولة الأولى المستهدفة بهذه الهجمات، فالأطماع الإيرانية التي تغلفت هذه المرة بحماية المذهب وفرض الوصاية على أتباعه في كل مكان تؤجج وتدعم الإرهاب بالعراق”. ويكشف الطائي الذي تخرج من كلية الشرطة العراقية سنة 1959، وتدرج في مناصب العمل الشرطوي والأمني في العراق حتى تسلمه منصبه الأخير، أن “الإرهاب الذي تعاني منه الدول العربية كان مزدوجا عبر كل مرحلة من مراحله”.

ويقول “لكي نكون أكثر دقة وواقعية، فإن الإرهاب في صفحته الأولى كان مصدره إيران منذ بداية تصدير الثورة الإسلامية، وفي صفحته الثانية مختلطا، ولكن طهران بقيت المصدر الرئيس له، حيث مازالت لها اليد الطولى في جيشانه ضد الدول العربية، وهذه المرة كان مصدره العصابات الطائفية المتخفية وراء الدين الإسلامي، والدين منها براء، وصولا إلى أعلى قممه المتمثلة في ما يسمى بالدولة الإسلامية المزيفة والمزعومة”.

ويتابع “في الصفحة الأولى من تشكيل هذه الظاهرة في العراق نلاحظ مفارقة، فحينما كان ويجب أن تكون المرجعية الدينية في العراق، والعراقيون هم الأوصياء الرسميين والتاريخيين عبر كل الحقائق المعروفة، حولت إيران نفسها تحت العديد من الشعارات والأغطية المزيفة إلى حامي حمى المذهب”.

ويضيف “أوحت طهران من أبواب خفية لكل أبناء المذهب في جميع الدول العربية بأنها ومراجعها ومؤسساتها هم المسؤولون والأوصياء على المذهب وعلى أتباعه ظلما وطغيانا، ولذلك فحينما سيطر رجال الدين على السلطة في طهران، بعد أن اتخذت دول حلف شمال الأطلسي بمؤتمرها في غوادلوب، حينها، قرارا بإزاحة الشاه وتسليم السلطة إلى رجال الدين، سرعان ما بدأت أول صفحات تصدير الإرهاب الرسمي وأخطرها، تحت شعار خادع وغطاء مزيف هو تصدير الثورة”.

ويرى الطائي أنه “من تبعات التصدير الإيراني للإرهاب محاولة طهران التدخل السافر في الشؤون الداخلية لكل الدول العربية سواء القريبة من إيران أم البعيدة عنها غير أن التدخل البراغماتي المباشر كان من نصيب العراق، حيث تحمل العراق حربا ضروسا أصرت القيادة الدينية الإيرانية على الاستمرار بها على الرغم من كل قرارات الشرعية الدولية ومحاولات الوسطاء، ولم تتوقف هذه الصفحة الإرهابية المقيتة إلا حينما شهدت هزيمتها وخذلانها”.

ويشير الخبير الأمني إلى أن “من كان في مقدمة الذين تصدوا لهذه الصفحة في العراق هم أبناء المذهب الذين حاولت القيادات الدينية الزائفة في إيران أن تستميلهم وتخدعهم من دون جدوى”.

وأوضح أن “الصفحة الإرهابية الثانية كانت حصيلة عوامل عديدة يخال للمراقب في بعض الأوقات أنها متناقضة ولكنها كانت متداخلة ومدروسة، وهذه المرة أثيرت من أبناء المذهب الآخر تحت أغطية وشعارات مقاومة الاحتلال الأميركي الغربي للعراق بعد سنة 2003، ولم تنكر الولايات المتحدة وحلفاؤها دورها ونصيبها في خلق وإدامة هذا النوع من الإرهاب الذي احتضنته إيران بقوة وساندته وما زالت تسانده بكل أشكاله، خلافا لكل ما تزعمه وتدعيه وهي لا تخفي وجود عائلة بن لادن وإرهابيي القاعدة على أراضيها وتحركهم إلى كل الساحات التي يمـارسون فيها الإرهاب انطلاقا من أراضيها”.

ويتوقع المسؤول الأمني العراقي السابق بأن “العراق تنتظره تبعات وخيمة بعد طي صفحة ما يسمى داعش الإرهابي”، ويؤكد أنه “من غير الممكن التنبؤ الدقيق أمنيا وسياسيا بما ستؤول إليه نتائج تصفية القوة الظاهرة للإرهاب المتمثل بما يسمى بالدولة الإسلامية المزيفة، ولكن بعض مظاهر الصفحة المقبلة بدأت ترتسم على الأرض بقوة متمثلة في تشريع دور الميليشيات من كل الأطياف وتحولها إلى واقع رسمي ومقبول وكيان يوازي القوات المسلحة النظامية”.

ويبدي الطائي الذي يقيم في العاصمة القطرية الدوحة أسفه من أن “إدراك أغلب الدول العربية لخطورة الإرهاب وطبيعته وحقيقته جاء متأخرا، وبعد أن استفحل التطرف وتبوأ درجة خطرة وبأشكال خطرة متعددة ، مما يوضح حجم التحدي الأمني الذي تواجهه الدول العربية بسبب استفحال هذه الظاهرة وحدوث عمليات إرهابية تستهدف الأمن القومي العربي والعالمي”.

ويقول “يكفي أن أشير إلى امتزاج الإرهاب المذهبي سوية من كلا المذهبين وانسياب نتائجه على جميع الدول العربية، ولا أبالغ عندما أشير مرة أخرى إلى أن أحد أسباب استبدال الشاه في إيران برجال الدين إنما كان مخططا له لإيقاع العرب في صراع مع الدين، وتمثل وجهه الأول في العراق والثاني في إيران”.

ويرى أن “أول ما يتوجب على الدول العربية فعله بعد أن وعت مدى خطورة هذه الظاهرة هو أن تتبين حقيقتها وطبيعتها وتحدد مصادرها، وتاليا أن تساهم في جهد مشترك وموحد لرسم استراتيجية أمنية وسياسية وعسكرية موحدة لصد صفحات الإرهاب المتتالية وكسر شوكته واستئصال جذوره، والتيقن من أنها قادرة على التصدي له في المستقبل دون خسائر كبيرة كما تعاني أغلب الدول العربية الآن”.

وتنبهت الدول العربية إلى الخطر الإيراني ومحاولاتها التوغل في المنطقة العربية. وتقوم السعودية بجهود دولية للتصدي لهذا الدور التخريبي خاصة بعد نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية.

ويعول القادة العرب على إدارة ترامب في مواجهة تحد الطموح الإيراني، وبدا ذلك واضحا في التصريحات التي خرجت عقب لقاء ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي في النصف الأول من شهر مارس الماضي.

العراق كان البلد العربي الأول المستهدف من جميع مصادر الإرهاب الدولية، التي تكالبت عليه لاختراق أمنه الوطني

فمستشار ولي ولي العهد السعودي كان حاسما، حين قال إن اللقاء “أعاد الأمور لمسارها الصحيح”، وأجمع خلاله الطرفان على “خطورة التحركات التوسعية في المنطقة” لإيران التي “تحاول كسب شرعيتها في العالم الإسلامي عبر دعم المنظمات الإرهابية”.

وقبل شهر تقريبا على هذا اللقاء، اجتمع ترامب في واشنطن بالعاهل السعودي الملك عبدالله الذي كان أول من حذر من تمدد النفوذ الإيراني، وذلك في 2004 أي بعد نحو عام على غزو الولايات المتحدة للعراق، وهي الخطوة التي سمحت لاحقا لإيران بالسيطرة على بغداد.

ويتسق الموقف الأميركي مع الموقف السعودي حيث يضع مجلس الأمن القومي الجديد والرئيس الأميركي دونالد ترامب الخطر الإيراني في خانة الخطر الاستراتيجي الموازي للخطر الروسي.

التجربة العراقية

يجد عبدالمحسن خليل الطائي صعوبة في تحديد حجم الأعمال الإرهابية والإجرامية التي واجهها العراق، ولا سيما عندما كان يشغل هو فيها العديد من مواقع المسؤولية الأمنية، ولكنه يقول إن “العراق كان البلد العربي الأول المستهدف من جميع مصادر الإرهاب الإسرائيلية والإيرانية والدولية، التي تكالبت عليه في محاولة لاختراق أمنه الوطني”.

ويقسم الإرهاب الذي واجهه العراق من حيث مصادره وطبيعته إلى مرحلة ما قبل الحرب مع إيران ومرحلة هذه الحرب وما بعدها، ويؤكد أن “العراق كان سباقا، بشهادة منظمة الإنتربول، إلى التصدي لمصادر الإرهاب وكسر شوكته، واستطاع بجهود رجال الأمن والقوات المسلحة أن يطهر البلد من جذوره حتى أن المعادلة الواقعية، التي كانت تشير إلى ازدياد نسبة الجريمة أثناء الحروب، تغيرت واستطاع العراق بجهود أمنية جبارة أن يتصدى لكل صفحات الإرهاب والجريمة وأن يتعامل معها بصرامة شهد لها الجميع”.

ويدعو المخلصين من القيادات الأمنية العربية، وحتى من العراقيين المخلصين، إلى “الاستفادة من تلك التجربة التي خاضها العراق في استئصال جذور الإرهاب والتصدي له بكل قوة”.

ويرى الطائي أن “النظام السياسي لم يعد قادرا لوحده على حل المشكلات المستعصية إلى حد الآن، حيث أن الحفاظ على الوحدة الإقليمية للأراضي العراقية ما زال أمرا رئيسا ملقى على عاتق القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي”.

ويعتقد أن “القول بأن الجيش يستطيع أن يبقى خارج النزاعات المسلحة هو أمر مستبعد في الوقت الحالي على الأقل إلى غاية تصفية جذور الإرهاب ومصادره التي تتجاوز قوته طاقة الدولة”.

ويتمسك الطائي بهذه النقطة ليفسر حقيقة تحول القوات المسلحة أو الجيش إلى قوى أمن داخلي تمارس مهامها، بل وتتجاوز تلك المهام في بعض الأحيان، ويقول “لكي لا يفهم الأمر بصفة خاطئة، فإن التدريب والإعداد الخاص لقوى الأمن الداخلي يجب أن يتغيرا وأن تتبدل ملامحهما وأهدافهما وكذا الحال بالنسبة للجيش الذي بات الآن في معظم عملـه يمـارس مهام قوى الأمن الداخلي. ويضيف “الرغم من أن الحكومات الجيدة في مختلف بقاع العالم تعتمد على قواتها المسلحة من منطلق تجنب تدخل السياسة في عمل القوات المسلحة بسبب احترام دورها، ولكن المفارقة أن الصورة تنعكس في الدول التي فيها حكومات سيئة أو غير جيدة، في الأقل، على الرغم من أن منطق التعامل في هذه الأمور يفترض أن السياسات والحكم هما وظيفتان منفصلتان”.

ظاهرة العنف

ينتقل الخبير الأمني العراقي إلى تحليل ظاهرة العنف، التي تعاني منها دول عربية كثيرة، ويشير إلى أن علماء الإنثربولوجيا والاجتماع وعلماء النفس يحاولون تحليل هذه الظاهرة، التي هي من أعمال التحدي ضد افتقاد العدالة المفترضة من الدولة، والنظام الاجتماعي والأفراد.

ويبين أن “الدول ذات الرخاء أو الدول المتمدنة تشهد النسبة الأقل من عدم الانتظام الاجتماعي، مقارنة مع الدول الشمولية، ولكن هذه الفرضية ليست قاعدة، فمشجعو كرة القدم الإنكليزية يعطون إثباتا معاكسا من خلال ما يثيرونه عادة من عنف في المباريات الرياضية، ولذلك فإن مدرسة أخرى في التفكير تؤكد أن الطاعة الغريزية للقوانين قد تكون وراثية بسبب الإدارة الفعالة للقانون أو من خلال الخوف النفسي أو الإحساس بالقمع”.

وتذهب الكثير من النظريات في علم الإجرام والعقاب إلى أن الهياج الاجتماعي لا يظهر فوق السطح في يوم وليلة، بل يتم بناؤه ببطء، مما يوجب على إدارة قوى الأمن الداخلي أن تتعرف عليه مبكرا، وتعد أفكارها ومقترحاتها عنه، وهي لا تستطيع منعه ولكن المحترفين في قوى الأمن الداخلي سوف يكتشفونه ويعملون على إيقاظ الرأي العام حوله.

ويرى أنه “من المهم أن يمتلك القادة قوة أخلاقية للتأثير على المجموعات الكبيرة من الناس لكي يستطيعوا تحقيق سيادة القانون بينهم، ولضمان أن تكون الحكومات قريبة من الشعب، يجب أن تكون سياساتها الاجتماعية والاقتصادية محققة لمصالح الشعب، لأن الطائفية تنمو في مجتمع متعدد المكونات، وتلك السياسات الاجتماعية والاقتصادية هي التي تستطيع احتواء أي عنف طائفي أو غيره من صور العنف الاجتماعي متعدد المظاهر”.

ويعتقد الطائي بأن “ما يحتاج إلى تحليل واسع هو استيعاب قوى الأمن الداخلي لكل صور العنف وعدم الانصياع إلى الأفكار والانتماءات الشخصية الطائفية أو المناطقية أو العنصرية لكي لا يعم الخراب في المجتمع”، معتبرا ذلك “هو المحور الأساس الذي تبنى عليه استراتيجيات عمل قوى الأمن الداخلي”.

ويخلص المسؤول الأمني العراقي السابق عبدالمحسن خليل الطائي في ختام حوراه مع “العرب” إلى أن “القيادات السياسية يجب أن تتوافر لديها برامج سياسية معلنة وواضحة ومخلصة تتعلق بالوحدة الإقليمية المصيرية للدولة لكي تستطيع قوى الأمن الداخلي أن توحد خططها وتعمل في أطار أرضية مشتركة تجنبا للنزاع والتشرذم. والأهم هو تطهير الإدارات الحكومية المختلفة من آفة الفساد الإداري المدمرة”.

سلام الشماع

صحيفة العرب اللندنية