الميليشيات الشيعية في العراق: رأس حربة الحكومة

الميليشيات الشيعية في العراق: رأس حربة الحكومة

1402957850_0286.768x466

على الطريق بين سامراء وتكريت، ولعدة أشهر بقيت ميليشيات “الحشد الشعبي” تتأمل البوابة الجنوبية لمدخل مدينة تكريت من دون أن تتجرأ على عبورها، هذه البوابة التي تمثل بداية حدود أراضي تنظيم داعش، ويوم الاثنين 2 مارس وعند الفجر، غادر الآلاف من المقاتلين قرية العوينات، آخر منطقة نفوذ للحكومة العراقية والتي تبعد 150 كيلومترًا شمال بغداد، ليدخلوا مدينة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، التي سيطر عليها مقاتلو تنظيم داعش منذ 11 يونيو 2014. وقد أعطى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إشارة انطلاق هذه العملية الكبرى، بدعم من الطيران والمدفعية العراقية.

وإلى جانب قوات النخبة والجيش النظامي والشرطة، هناك 30.000 جندي في تكريت هم من ميليشيات “الحشد الشعبي”، وتشمل هذه القوة العسكرية ما مجموعه 60.000 إلى 90.000 رجل، وفقًا للخبراء. وبعد هزيمة قوات الأمن في الموصل في شهر يونيو، توحدت الميليشيات الشيعية تحت تسمية ميليشيات “الحشد الشعبي” لإنقاذ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وذلك بوقف تقدم تنظيم داعش في اتجاه بغداد. وقد انضم إليهم الآلاف من المتطوعين الشيعة الذين احتشدوا لنداء رجل الدين الشيعي، آية الله علي السيستاني.

وقال معين الكاظمي، القائد العسكري لألوية بدر: “تم شن الحرب من قبل الشبان الذين تركوا وظائفهم وعائلاتهم للدفاع عن العراق مقابل 500 دولار [446 يورو] شهريًا. وهم يدركون أنهم سيموتون، وأنهم يواجهون عدوًا صعب المراس، ولكن الانتصارات السابقة على تنظيم داعش تشجعهم”، وقد تعلم العديد من هؤلاء المتطوعين حديثًا التعامل مع السلاح، في حين تلقى البعض الآخر بضعة أسابيع فقط من التدريب. ويرى كريم النوري، القائد العسكري لبدر والمتحدث باسم ميليشيات “الحشد الشعبي”  أن “التدريب ليس هو الأهم. الشيء المهم هو الإيمان والدين”.

ومن الملاحظ عند نقاط التفتيش والمناطق المحررة، وجود أعلام الإمام الحسين، مع وجود صور لعلي السيستاني وللخميني وللمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكل هذا يدل بوضوح على الفكر الذي يقود هذه الميليشيات حتى يدفع هؤلاء المتطوعون الشباب ثمنًا باهظًا نتيجة الهجمات الانتحارية التي يقودها تنظيم داعش، ويعترف أبو سجاد، قائد فوج في بلدة العوينات: “لقد ضحينا بالكثير من الشهداء”.

العداء للولايات المتحدة

ويمكن إرجاع الانتصارات التي حققتها الميليشيات الشيعية في ضواحي بغداد ومحافظات بابل وديالى وصلاح الدين بشكل كبير إلى عامل الخبرة الذي تكون نتيجة الحرب ضد نظام صدام حسين ثم ضد الاحتلال الأمريكي. وقد أنشئت هذه الميليشيات بدعم من إيران، حيث تم نفي العديد من قادتهم إلى إيران قبل عام 2003، وهم اليوم موالون تمامًا لطهران.

كما حضر الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وفي كثير من الأحيان، ساحة المعركة، على غرار يوم الاثنين حيث كان حاضرًا في تكريت، ليقود الهجوم على تنظيم داعش. وقال متطوع عراقي في هذه الميليشيات: “إيران تجلب لنا الدعم البشري، والأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية. ومن دون إيران سنكون في ورطة”. ويؤكد المسؤولون العسكريون أن المساعدات الإيرانية تصلهم عبر الحكومة العراقية وليس مباشرة.

هذا التحالف مع إيران يضع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في وضع محرج. فمنذ بداية حربه على تنظيم داعش في العراق، لم يدعم التحالف الدولي الميليشيات الشيعية إلا في هجومها على قرية أمرلي (شمال شرق العراق) وجرف الصخر (جنوب غرب بغداد)، في حين تغيب التحالف الدولي في معركة تكريت، والتي بدأت للتو.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “لم تطلب منا الحكومة العراقية التدخل”. وإذا كانت بعض الميليشيات تقلل من هذا الدعم الجوي الغربي، إلا أن البعض الآخر، المنحاز للدبلوماسية الإيرانية، عبّر عن عدائه الصريح، إلى درجة أن إبراهيم جعفر، المتحدث باسم كتائب حزب الله، قال: “إن قوات التحالف تساعد تنظيم داعش بالذخيرة والأسلحة التي تقدمها بالمروحيات، ونحن سنطلق النار على كل مروحية تقدم المساعدة، وعدونا الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية”.

ويظهر المتطوعون تفاؤلهم في معركة تكريت؛ حيث قال علي الزبيدي، المتحدث الرسمي باسم ميليشيات “الحشد الشعبي”:  “ستستغرق هذه المعركة منا أسبوعًا، ويوم الاثنين، لم تكن هناك العديد من الاشتباكات، فقد فر العديد من مقاتلي تنظيم داعش”. وقد فشلت قوات الحكومة مرارًا وتكرارًا في استرجاع هذه الأراضي التي تعتبر معقل السنة الموالين لتنظيم داعش.

واسترجاع مدينة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، فيه طعم الانتقام؛ حيث أطلق على هذه العملية العسكرية اسم “عملية سبايكر”، وهي تهدف للانتقام من مذبحة 1.700 من المجندين، ومعظمهم من الشيعة، والذين أعدمهم تنظيم داعش في هذه القاعدة العسكرية شمال المدينة. ويشتبه في عدة قبائل سنية في تورطهم في عمليات القتل، مثل البو عجيل، والبو ناصر -وهي قبيلة صدام حسين- وآل البدري والتي ينتمي إليها أبو بكر البغدادي، “خليفة” تنظيم داعش. والخوف من أن الناس الذين لا يزالون تحت سيطرة الجهاديين أن يصبحوا ضحية الأعمال الانتقامية، على الرغم من تصريح رئيس الوزراء العبادي الذي قال: “إن الأولوية التي نوليها للجيش والقوات من شأنها أن تساعد في الحفاظ على سلامة المواطنين”.

وقد فتحت الحكومة تحقيقين حول عمليات إعدام في المناطق المحررة من قبل قوات الأمن وميليشيات “الحشد الشعبي” في محافظتي ديالى والأنبار. وأثبتت هيومن رايتس ووتش سوء المعاملة والترحيل القسري وعمليات السرقة التي قامت بها الميليشيات والقوات الحكومية. وقد دعّم السياسي الشيعي مقتدى الصدر هذه الاتهامات من خلال إعلانه عن تجميد أنشطة ميليشياته، بما فيهم كتائب السلام. ودافع كريم النوري، من كتائب بدر قائلًا: “إن من يرتكب هذه الأفعال هم أقلية كردة فعل على قتل أفراد أسرهم. وتهدف هذه الشائعات إلى تدمير سمعة التعبئة الطوعية”. ولكن هل يكفي توزيع ميثاق حسن السلوك الذي قام به آية الله السيستاني على المتطوعين؟

تعدد الانتهاكات

يعتبر دعم السكان السنة لاستعادة المناطق التي هي تحت سيطرة تنظيم داعش أمرًا ضروريًا. فقد اقترح يوم السبت هادي العامري، النائب والقيادي في كتائب بدر، إمكانية إصدار عفو عن الذين يتركون تكريت. وقد ضاعف تنظيم داعش من وحشيته وأعدم يوم الاثنين أربعة أعضاء من خلية الصحوة -ميليشيا سنية-. وتسبب تعدد الانتهاكات في تآكل الروح الثورية التي كان يتمتع بها هذا التنظيم، ولكن يظل أهل السنة يشككون في نوايا الحكومة، التي همشتهم منذ عام 2003.

وهكذا، فإن تواجد الميليشيات الشيعية ضمن قوات الأمن يعتبر تحديًا لرئيس الوزراء العراقي الملزم بمكافحة الطائفية. فخطوط الولاءات بين الميليشيات وقوات الأمن، التي تتألف في 80٪ منها من الشيعة،  تتميز بعدم الوضوح وبالازدواجية في بعض الأحيان، حيث يرأس وزارة الداخلية أحد أعضاء كتائب بدر.

ويتساءل هشام داود، عالم الأنثروبولوجيا في المركز الفرنسي للبحوث العلمية والمتخصص في العراق: “ساعدت الميليشيات الشيعية رئيس الوزراء العبادي والحكومة المركزية في الخروج من أزمتها في مواجهة تنظيم داعش، لكن هذه الميليشيات ستمثل غدًا أكبر مشكلة في العراق، والخطر هو أن يصبح العراق مثل لبنان. فهل ستتمكن الدولة من السيطرة على هذه الميليشيات بعد الحرب؟”. في الوقت الراهن، من غير المتوقع أن يتوقف متطوعو ميليشيات “الحشد الشعبي” عند هذا الحد؛ “فحرب صلاح الدين هي نقطة البداية نحو تحرير الموصل”، بحسب معين الكاظمي، المتحدث باسم ميليشيات “الحشد الشعبي”.

لوموند الفرنسية – التقرير