جنوب سوريا: جبهة جديدة لإسرائيل؟

جنوب سوريا: جبهة جديدة لإسرائيل؟

في أوائل شباط/ فبراير، قام تحالف يضم إيران والنظام السوري و «حزب الله» بشن هجوم عسكري كبير على جماعات الثوار في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود مع إسرائيل والأردن. وتحمل هذه الحملة في طياتها عواقب استراتيجية محتملة بالنسبة إلى إسرائيل والساحة السورية على حد سواء، وتدعو إلى تيقظ أمريكي ودولي.

الحرب في الجنوب

لقد تم حشد حوالي 4000 إلى 5000 مقاتل للهجوم الذي ركز على محافظتي درعا على الحدود مع الأردن، والقنيطرة على الحدود مع هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل. ومن بين المقاتلين وحدات من الجيش السوري؛ وقوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا حكومية؛ وحوالي 2000 مقاتل من «حزب الله»، أي جزء كبير من قوات الحزب في سوريا؛ وعلى نحو خاص تشارك في القتال عناصر من الجيش الإيراني من بينهم مستشارين وضباط بارزين. وفي هذا السياق، نشر موقع على الانترنت مقرّب من النظام السوري صورة للجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» ، وهو يزور المنطقة، مما يشير إلى أهميتها بالنسبة إلى إيران.

وبشكل عام، حققت القوات المهاجمة نجاحاً متواضعاً حتى الآن. فبعد سيطرتها على عدة بلدات وقرى وهيمنتها على قمم تلال في شمال غرب درعا، التي تبعد حوالي عشرين كيلومتراً عن الحدود الإسرائيلية، واجهت هذه القوات معارضة قوية من الثوار وظروفاً مناخية سيئة. لكنها تستمر في التقدم جنوباً وغرباً بمساعدة الضربات الجوية السورية.

أما بالنسبة إلى سياق هذه الحملة، فقد شهد جنوب سوريا اشتباكات مستمرة منذ بدء الحرب في عام 2011. وعلى عكس ما يجري في أجزاء أخرى من البلاد، تمكنت جماعات الثوار المحلية – الإسلامية منها وغير الإسلامية – من العمل معاً لإبعاد الجيش السوري. وقد اضطر جيش الأسد، المتهالك والمشتت على عدة جبهات، إلى التراجع تدريجياً. ففي أعقاب سلسلة من الهجمات في أواخر عام 2014، فرض هذا التحالف من الثوار سيطرته على أجزاء واسعة من محافظتي درعا والقنيطرة، من بينها مدينة القنيطرة ومعبر القنيطرة على الحدود مع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. وحتى مع انهيار الوضع الذي كان قائماً سابقاً بإدارة الأمم المتحدة، بقيت الحدود مع إسرائيل هادئة نسبياً. فعلى الرغم  من أن «جبهة النصرة» – الذراع السوري لتنظيم «القاعدة» – فرضت وجوداً ملحوظاً لها في جميع أنحاء مدينة درعا وجنوب هضبة الجولان، إلا أنها ركزت على محاربة قوات النظام ونأت بنفسها عن مواجهة إسرائيل.

ليس هناك شك في أن الحرب في سوريا تقدم حوافز بارزة للهجوم الأخير. فنجاحات الثوار في جنوب سوريا تهدد دمشق – مدينة درعا تقع على بعد أقل من مائة كيلومتر من جنوب العاصمة – كما وتهدد الطرق الاستراتيجية التي تربط بيروت بدمشق ودمشق بدرعا. ويهدف دحر مكاسب المتمردين إلى ردع التدخل الأردني في الحرب وإلى منع تدفق الأسلحة والمقاتلين المناهضين للنظام من الأراضي الأردنية، وإلى إضعاف استشراء قوات الثوار في الجنوب، والمساعدة على منع تدفق الجهاديين من سوريا إلى لبنان، وتخفيف الضغط على دمشق.

ومع ذلك، يجب النظر إلى هذا الهجوم على أنه ليس مجرد معركة أخرى في حرب النظام السوري ضد المعارضة التي طال أمدها. فهو يمثل قراراً استراتيجياً من قبل “محور المقاومة” بقيادة إيران لإيجاد موطئ قدم له في منطقة حيوية في جنوب سوريا، قريبة من إسرائيل والأردن.

إعادة صياغة التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل

أُطلق على الهجوم اسم “عملية شهداء القنيطرة”، في إشارة إلى الضربة التي نُسبت إلى إسرائيل في 18 كانون الثاني/يناير والتي أدت إلى مقتل جنرال إيراني وستة من عناصر «حزب الله» بينما كانوا في زيارة إلى ساحة المعركة في مرتفعات الجولان السورية. وقد رد «حزب الله» بعد أيام بإطلاقه صواريخ مضادة للدبابات عابرة للحدود أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين، مما يشير إلى أن إيران و «حزب الله» يوليان أهمية كبيرة لتغيير معادلة الردع مع إسرائيل.

من الواضح أنه ليس لدى «حزب الله» مصلحة في التصعيد مع إسرائيل على نطاق واسع إذ إن جراح حرب لبنان في عام 2006 لم تلتئم بعد، ولأن الحزب منهمك في الحرب في سوريا (وحتى في العراق) التي يشارك فيها الآلاف من مقاتليه. كما ويركز «حزب الله» على تعزيز مكانته في لبنان، في وجه التحدي الذي تطرحه الجماعات الجهادية السنية. وتجدر الإشارة إلى أن شعبية «حزب الله» تراجعت بشكل كبير في لبنان بسبب قتاله إلى جانب نظام بشار الأسد، وقد أدرك أن إشعال حرب أخرى مع إسرائيل من شأنه أن يعيث فساداً في لبنان ويقوّض شرعيته في البلاد.

ومع ذلك، شعر «حزب الله» منذ فترة طويلة بأن إسرائيل تستفيد من تدخله العسكري في سوريا لكي تؤثر على ميزان الردع المتبادل. وفي هذا الإطار، فإن سلسلة من الغارات الجوية في سوريا التي نُسبت إلى إسرائيل، واستهدفت مخابئ وقوافل أسلحة استراتيجية موجهة لـ «حزب الله»، حدثت في وقت لا يمكن للحزب أن يتحمل فيه قيام عملية انتقام تصعيدية. ففي الآونة الأخيرة، اتهمت قيادتا سوريا و «حزب الله» إسرائيل بتنفيذ مؤامرة لإقامة “منطقة أمنية” في جنوب سوريا بالتعاون مع جماعات الثوار، بما فيها الجهاديين، الأمر الذي سيسمح لها بإحداث فجوة بين الجبهتين السورية واللبنانية وبالتالي تطويق «حزب الله» في لبنان.

وابتداءً من منتصف 2013، بدأ «حزب الله» بالرد على ما اعتبر غارات اسرائيلية باستعماله الصواريخ وقذائف الهاون فضلاً عن زرعه قنابل على جوانب الطرق من الجانب السوري من الجولان، أو في منطقة مزارع شبعا الواقعة بين سوريا ولبنان وإسرائيل، والتي يمكن أن تندرج في إطار الأراضي المتنازع عليها. وقد شن الحزب مثل هذه الهجمات في البداية من خلال أتباع له ومن دون تحمل المسؤولية، ليقوم بعد ذلك بالتصعيد والعمل بشكل مباشر.

وبشكل عام، فإن فتح جبهة نشطة مع إسرائيل في جنوب سوريا يتيح لـ «حزب الله» ورعاته خيارات هامة في مواجهة إسرائيل، بينما يوفر أيضاً فرصاً أفضل لاحتواء أي تصعيد داخل لبنان. وبالتالي، فإن سوريا، التي استخدمت «حزب الله» على مدى سنوات لمواجهة إسرائيل، تُستخدم الآن من قبل الحزب للغرض نفسه.

وفقاً للاستخبارات الإسرائيلية، كانا إيران و«حزب الله» يسعيان منذ أشهر إلى إنشاء بنية تحتية عملياتية بالقرب من الحدود بين إسرائيل وسوريا، وذلك من أجل استخدامها ضد إسرائيل في أوقات التوتر والحرب. وتشمل هذه الخطط تجنيد نشطاء في القرى المحلية، ونشر الصواريخ والعبوات الناسفة، ووضع خطط لشن هجمات عملياتية. ويبدو أن هذه الأنشطة كانت جزءاً من مهمة القافلة التي تم ضربها في 18 كانون الثاني/ يناير. وفي الوقت الحالي، أصبح كل من إيران و«حزب الله»، يسير في طريقه نحو اكتساب موطئ قدم دائم ومجاور للحدود الإسرائيلية. وفي أعقاب تبادل إطلاق الصواريخ الذي جرى في كانون الثاني/يناير، أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله: “لم نعُد نقبل الفصل بين جبهات القتال”، كما تفاخرت وسائل الإعلام اللبنانية الموالية للحزب بقيام جبهة واحدة مع إسرائيل تمتد من النقطة الحدودية رأس الناقورة – روش هنيكرا – على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى الجولان.

إن فتح جبهة نشطة في جنوب سوريا يخدم كل من إيران و «حزب الله» من خلال عدة طرق إضافية. فعلى هذه الجبهة الجديدة، بإمكان «حزب الله» – بالإضافة إلى محاربته الجهاديين السنة جنباً إلى جنب مع إيران – إعادة شحن “بطاريات” شرعيته التي فرغت في لبنان والعالم العربي، واستعادة عباءة المقاومة ضد إسرائيل. ويمكن لهذه الجبهة أن تساعد أيضاً على جذب الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى هذا المحور، من ضمنها حركة «حماس»، الواقعة تحت الضغط والإكراه والحريصة على ردم الهوة مع طهران. كما يمكن أن تساعد على تحقيق طموحات إيران الاستراتيجية في تطويق إسرائيل على مختلف الجبهات في الوقت الذي تتفاوض فيه على الصفقة النووية.

أجراس الإنذار في إسرائيل

تنظر إسرائيل بحذر إلى هذه التطورات الجديدة في جنوب سوريا وإلى الأهداف الاستراتيجية التي تقف وراءها. فمنذ البداية تجنبت إسرائيل بعناية الانجرار إلى الحرب في سوريا ولم تتدخل إلا في حالات التهديد المباشر لأمنها. وبينما تحولت الحرب في الغالب إلى صراع بين النظام السوري ومؤيديه من جهة والجهاديين من جهة أخرى، رأى الإسرائيليون أنه من الأفضل ترك المعسكرَين – وكلاهما معادياً جداً لإسرائيل – يقاتلان بعضهما البعض.

ولكن في حال تفاقم التعدي على حدودها الشمالية، فمن غير المرجح أن تجلس إسرائيل مكتوفة اليدين. وفي حين تشعر إسرائيل بالقلق إزاء تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») والتهديد الذي يطرحه الجهاديون، إلا أن المحور الذي تقوده إيران يشكل التهديد الأكثر إلحاحاً وأهمية بالنسبة إلى أمن إسرائيل. ففي النهاية، تتزعم هذا المحور قوة إقليمية كبرى ذات طموحات نووية وتنشر أقوى طرف فاعل من غير الدول – أي «حزب الله» – على الحدود الشمالية لإسرائيل، والذي يملك أكثر من مائة ألف صاروخ في لبنان. وبالتالي، فإن فتح جبهة جديدة في هضبة الجولان، وهي حدود سادها الهدوء على مدى أربعين عاماً، يشكل تحدياً خطيراً لإسرائيل وما تبقى من الوضع الراهن في المنطقة، لاسيما مع احتمال وقوع مواجهة عسكرية كبرى. وعلى أي حال، إن إسرائيل قلقة من أن يؤدي تركيز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران ومحاربة تنظيم «داعش»، المعروف أيضاً باسم «الدولة الإسلامية»، إلى السماح لطهران باتباع سياسات من شأنها أن تزعزع الاستقرار في المنطقة. ويبدو أن هذا هو السيناريو المتبع حتى الآن.

المحصلة

بينما تزيد إيران وأتباعها من وجودهم على طول الحدود الإسرائيلية مع سوريا، تتزايد أيضاً احتمالات سوء التقدير والتصعيد. لذا، حان الوقت أن ينتبه كل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى العواقب الخطرة التي قد تترتب عن هذا التطور. وهذه المخاطر واضحة لإسرائيل والأردن، وبالنسبة إلى النتائج [المترتبة عن الحرب الدائرة] في سوريا. لذا، على الولايات المتحدة أن توفّق بين هذه المخاطر وبين ميلها إلى استيعاب المصالح الإيرانية في سوريا. إن أخذ نظرة أوسع على الوضع في سوريا يتطلب وضع استراتيجية استباقية لوقف المحور الذي تقوده إيران وردعه قبل الاقتراب من الحدود الإسرائيلية والأردنية.

 مايكل هيرتسوغ

معهد واشنطن