احتجاجات تطاوين تضع الاقتصاد التونسي في مفترق طرق

احتجاجات تطاوين تضع الاقتصاد التونسي في مفترق طرق

تطاوين (تونس) – تفاقمت أزمة الاحتجاجات في منطقة الكامور في محافظة تطاوين التونسية الحدودية مع ليبيا وأصبحت تهدد مستقبل نشاط شركات النفط الأجنبية مثل شركة أو.أم.في النمساوية، التي سحبت مؤخرا نحو 700 من عمالها من مواقع الإنتاج.

ورغم وعورة المنطقة وصعوبة الوصول إليها فقد تدفقت إليها أعداد كبيرة من المحتجين الشباب الذين نصبوا مخيّما قرب نقطة عبور شاحنات شركات الطاقة لقطع الطريق عليها، على أمل دفع الحكومة إلى تطبيق ما يسمونه بـ”مبدأ الشفافية في قطاع الطاقة”.

ويقول فاضل داخل مخيم الاعتصام “أنا عاطل عن العمل منذ تخرجي من الجامعة في عام 2011 رغم وجود العديد من الشركات الأجنبية التي تشتغل في مجال الطاقة في الصحراء. الحكومة تماطل رغم وضوح مطالبنا”.

وتعيش تطاوين، منذ مطلع أبريل الماضي على وقع الاحتجاجات المطالبة بالتوظيف.

وتجمّع المحتجون منذ أسبوعين في منطقة الكامور للاعتصام وقطع طريق الإمدادات والمؤونة ومستلزمات العمل عن شركات الطاقة.

وتنشط في الجنوب التونسي، وخاصة في تطاوين البالغ عدد سكانها قرابة 150 ألف نسمة العديد من الشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن النفط والغاز اللذين تزخر بهما المحافظة.

ويعتصم في المخيم المكون من قرابة 70 خيمة حوالي ألف شاب بصفة متواصلة.

وتتوفر في المخيم معظم مرافق العيش من أكل وشرب وخدمات صحية، حيث توجد سيارتا إسعاف وحماية مدنية وخيمة صغيرة يتوفر بها العلاج الأولي تحت إشراف الهلال الأحمر التونسي.

ولعل أبرز ما يلفت الانتباه عند دخول المخيم، عبارة باتت شهيرة بين المحتجين “الرخ لا” (لا تراجع)، التي كتبت على أغلب الدكاكين والخيام لتكون الشعار الأكثر ترديدا بين المحتجين وأهالي المنطقة.

ويقصد المحتجون بتلك العبارة عدم الرضوخ أو الاستسلام للوضع التنموي الضعيف للغاية الذي تعيشه محافظة تطاوين.

وهم يطالبون بالتوظيف والكشف عن حجم الثروات الطبيعية المستخرجة من حقول النفط والغاز المنتشرة في الصحراء التونسية.

وتسعى تونس إلى توفير مبدأ الشفافية في ملف الطاقة بعد مصادقة البرلمان مؤخرا على تعديل قانون المحروقات، الذي ينظّم عقود النفط مع الشركات البترولية، وذلك لتتلاءم مع الدستور.

يوسف الشاهد: الحكومة تسعى إلى مزيد من تكريس مبدأ الشفافية في قطاع الطاقة
وينص الدستور على أنّ الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، وأن عقود الاستثمار المتعلقة بها تُعرض على اللجنة المختصة في البرلمان، كما تُعرض الاتفاقيات التي تبرم على المجلس للموافقة.

وخلال زيارة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، إلى محافظة تطاوين قبل أكثر من أسبوعين، شدد على سعي الحكومة إلى المزيد من تكريس مبدأ الشفافية في قطاع الطاقة.

وأطلق أكثر من وزير تصريحات متفائلة بقرب التوصل إلى اتفاق مع المحتجين يقضي بفض الاعتصام وإنهاء إغلاق الطرق الصحراوية، لكن الاعتصام لا يزال مستمرا دون التوصل إلى حل.

ورغم ذلك، لا يزال ملف الطاقة في تونس يطرح العديد من التساؤلات حول قيمة الإنتاج في هذه الحقول.

وقال عبدالمطلب الودرني، الأستاذ الجامعي المختص في الطاقات المتجددة في المدرسة الوطنية للمهندسين بمحافظة قابس، إن “البعض يتحدثون عن أن تونس تسبح على بحر كامل من البترول والغاز، وهذه مغالطة فحجم إنتاج تونس لا يمكن مقارنته مع أي دولة نفطية أخرى”.

وبحسب وزير الطاقة التونسي السابق، منجي مرزوق، يتراوح إنتاج تونس من النفط بين 43 و45 ألف برميل يوميا. وهو يرى أن “الإشكال الأبرز في قطاع الطاقة يكمن في مسألة الشفافية”.

واتهم مرزوق في تصريحات لوكالة الأناضول “مراقبي مصاريف الإنتاج، الذين يعملون مع الشركة التونسية بالفساد الذي يتسبب في خسارة الدولة التونسية لعائدات كبيرة في هذا القطاع”.

وأضاف الوزير السابق “ما نلاحظه أن هناك مبالغة كبيرة في حجم المصاريف التي تقدمها الشركات الأجنبية، ويصادق عليها المراقبون التونسيون”.

منجي مرزوق: هناك مبالغة كبيرة في حجم المصاريف التي تقدمها الشركات الأجنبية
وتدخل الدولة التونسية في عملية شراكة مع شركات أجنبية للبحث أو الاستثمار في قطاع الغاز والطاقة، وترصد عملية الإنتاج من خلال مبعوثيها كمراقبين يتابعون العدادات وحجم المصاريف.

ويرى خبراء في مجال الطاقة أن استغلال حقول النفط يؤثر بشكل كبير على الوضع البيئي التونسي.

وقال الودرني إنه “بحلول سنة 2030 سيشهد مخزون النفط في كل دول العالم ومنها تونس تراجعا في مستوى الإنتاج، ومن هنا ستظهر تأثيرات سلبية في مستوى استخراج النفط على الطبقة المائية”.

وأضاف أن “عملية استخراج النفط تضر بالطبقة المائية التونسية، وقد أصبحت تونس دولة مهددة بالفقر المائي بسبب سياسات استعمال الماء الخاطئة”.

وأشار إلى وجود أرض ملائمة في الصحراء التونسية لإنشاء مشاريع في الطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية.

ووافق صندوق النقد مؤخرا على تقديم قسط بقيمة 350 مليون دولار من قرض بقيمة 2.8 مليار دولار، ويشترط الصندوق إجراء إصلاحات بينها خفض الإنفاق على الأجور.

العرب اللندنية