زيارة “ترامب” للمنطقة، إعادة تفعيل استراتيجية الركائز

زيارة “ترامب” للمنطقة، إعادة تفعيل استراتيجية الركائز

د.سليم محمد الزعنون*

اختار الرئيس “ترامب” بدء جولته الأولى منذ توليه الرئاسة بزيارة السعودية في 23 آيار/ مايو الحالي كأول محطة له في جدول زيارته الدولية، لايمثل ذلك تغيراً في البعد المكاني فقط مع الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” الذي فضل زيارة مصر كمحطة أولى، بل يؤشر إلى انتهاء سياسة خارجية سابقة وتبني رؤية جديدة في السياسة الخارجية، أكثر فهماً لتعقيدات أزمات الشرق الأوسط، وتؤشر الممارسة العملية لإدارة “ترامب” إلى تبني سياسات تتباين مع سياسات الإدارة السابقة، بحيث تم استعادة العمل باستراتيجية الركائز “pillars” القائمة على تعزيز العلاقة مع الحلفاء العرب والحد من تقدم إيران في المنطقة مع تحجيم برنامجها النووي.

أثراً لذلك شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية تحسناً ملحوظاً خلال الربع الأول من العام 2017، وفي هذا السياق جاءت زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني إلى واشنطن في شهر شباط/ فبراير الماضي، وزيارة وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في شهر آذار/ مارس الماضي، وزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في شهر نيسان/ ابريل الماضي، في المقابل بدأ مجلس الأمن القومي الأمريكي بإجراء تقييم شامل للسياسة الامريكية المتبعة مع إيران، ومن خلال ذلك يعمل على تقييم عملية تعليق العقوبات عليها ضمن اطار الاتفاق النووي، وزادت الإدارة الأمريكية من حدة الانتقادات العلنية لإيران، والاشارة إلى مساهمتها في خلق حالة من عدم الاستقرار في العديد من دول الشرق الأوسط، وأن الهدف المنشود من وراء الاتفاق النووي المتمثل في ايران غير نووية لم يتحقق، وفي الممارسة العملية تواصل الإدارة الأمريكية وضع ايران تحت الضغط، حيث فرضت عقوبات على 30 رجل اعمال وشركات من الصين وكوريا الشمالية باعتبارهم خرقوا قرار المنع ونقلوا تكنولوجيا تتعلق ببرنامج الصواريخ إلى طهران، وفرضت عقوبات على شقيق قائد فيلق القدس قاسم سليماني وذلك لمسؤوليته عن الاعتداءات على السجناء وتعذيبهم في السجون الايرانية.

وتقدم استراتيجية الركائز”pillars”  تفسيراً لجولة “ترامب” الشرق أوسطية والبدء بالسعودية، فهي تأتي في إطار إعادة هيكلة الشراكة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، من منظور توافق واتساق المخاطر بين الجانبين، من حيث الخطر الإيراني، وعملية السلام، ومواجهة التطرف.

أولاً: الخطر الإيراني.

يمثل الخطر الإيراني مصلحة مشتركة للولايات المتحدة والسعودية، وتعتبر إدارة ترامب إيران داعم رئيسي للإرهاب ليس فقط بالشرق الأوسط بل في العالم، وهناك حاجة فورية لكبح زمامها، لذا ستكون إيران على سُلم أولويات نقاش يتم في اطاره مناقشة التدخل الإيراني المتزايد في سوريا، ولبنان، واليمن، وبرنامجها النووي واسلحتها التقليدية، ومناقشة آليات وأدوات المواجهة.

وفي هذا الإطار يمكن مناقشة رؤية وزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” القائمة على التعاون في بناء معماري أمني أوسع يشمل التعاون مع إسرائيل ومصر والأردن والسعودية والإمارات، يهدف إلى تعزيز شراكة الولايات المتحدة في المنطقة من أجل ردع وهزيمة التهديدات، ويقصد بالتهديدات مواجهة النووي الإيراني والإرهاب الذي تنشره.

 ثانياً: عملية السلام.

 ستتضمن الزيارة ثلاث قمم رئيسية: الأولى مع القيادة السياسية السعودية، والثاية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والثالث مع زعماء الدول العربية والإسلامية، بما يُشكل فرصة مواتية لمناقشة كيفية انهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تحت “مظلة عربية وإسلامية”، من خلال عقد مؤتمر إقليمي لإطلاق المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي هذا الإطار من الممكن أن تطرح الإدارة الأمريكية رؤية لتسوية الأزمات في المنطقة، قائمة على  تبادل أراض، وتأجير مناطق أخرى، سواء فيما يتعلق بانهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو تسوية الأزمة السعودية المصرية:

  • عملية تبادل أراضي واسعة بين إسرائيل والفلسطينيين تسبق إقامة دولة فلسطينة، بحيث تقوم مصر بتأجير الفلسطينيين، دون الانتقاص رسمياً من سيادتها، منطقة ملاصقة لغزة في رفح.
  • وتمنح السعودية لمصر موطئ قدم على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، لتضعف معارضة قرار السيسي بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

ثالثاً: محاربة التطرف.

ترى إدارة ترامب في السعودية العنوان الطبيعي لمخاطبة المسلمين في العالم، بسبب مكانتها الدينية واحتوائها على الأماكن المقدسة في الإسلام، بما يمثل معكوس تجربة “أوباما” الذي خاطب المسلمين من القاهرة واسطنبول، ويؤدي اختيار المكان إلى ترك أثر كبير على توجهات المسلمين حول العالم، وحشدهم حول توجه معتدل في مواجهة التطرف، كما أن تحديد إسرائيل كدولة ثانية والفاتيكان كدولة ثالثة في الزيارة لها دلالاتها، بحيث تمثل إسرائيل والفاتيكان والسعودية مراكز الديانات السماوية الثلاثة، ويؤشر ذلك إلى أن الولايات المتحدة عازمة على تعزيز الحوار بين الحضارات والأديان، وخلق جبهة دينية موحدة في مواجهة التطرف، نظراً لذلك ستكون مواجهة التنظيمات المتطرفة على سُلم أولويات النقاش، مع مناقشة الأسس والآليات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهتها.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية