الأطفال المقاتلون.. المستقبل سيكشف الكارثة

الأطفال المقاتلون.. المستقبل سيكشف الكارثة

ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير لها صدر مطلع شهر مايو الحالي أن جماعة أنصارالله الحوثية قامت بتجنيد أكثر من 1600 طفل يمني.

وأرفقت اليونيسف التقرير بشهادات لأطفال في عمر الزهور وجدوا أنفسهم يحملون سلاحا أكبر وأحيانا أثقل منهم ويشاركون قسّرا في حرب لا يفقهون ألاعيبها وهم ومستقبلهم الخاسر الأكبر فيها.

ويتحدث أحدث طفل تم تجنيده بمرارة عن تجربته فيقول “تم تدريبنا على استخدام السلاح وألقوا بنا في جبهات القتال. مات الكثير من أصدقائي.. أتمنى أن أتعلم وأن يتم إيقاف الحرب”.

وفي تقرير منفصل رصدت اليونيسف وضعية الأطفال الذين يتم تجنيدهم في صفوف بوكو حرام، حيث يوري بوكار، الذي اختطف من قبل الجماعة عندما كان في الـ13 من عمره “كنت خائفا جدا من أن يتم قتلي. أردت فقط البقاء على قيد الحياة. كل الأطفال كانوا مرعوبين والأصغر سنا يبكون في الليل، وعندما كنت أسمعهم كنت أبكي أيضا”.

واشتد عود بوكار في صفوف بوكو حرام لكنه وجد الفرصة ليهرب عندما كان يقود مقاتلين مسلحين في إحدى المعارك. وبينما كان المسلحون يشاركون في المعركة هرب على دراجة بخارية.

1600 طفل يجندهم الحوثيون للمشاركة في الحرب في اليمن

ما حدث مع هذا الطفل اليمني ورفاقه ومع بوكار النيجيري يحدث في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وأينما توجد صراعات وجماعات متمردة وأخرى متشددة وعقائد شعارها الغاية تبرّر الوسيلة، لذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا تتوانى بعض الجماعات عن تسخير الأطفال لخدمة استراتيجيتها.

ورغم أنها ظاهرة قديمة إلا أنه لم يتم تسليط الضوء على تجنيد الأطفال خصوصا في صفوف التنظيمات المتشددة، إلا بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية والفيديوهات التي ينشرها على موقعه والتي يعد أشهرها فيدو الطفل الذي يذبح ضابطا سوريا.

وتحظر القوانين الدولية تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في أعمال قتالية، وطبقا للمعاهدات يتم تعريفه بوصفه (التجنيد) جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية، ويعتبر سن الثامنة عشرة الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة إلى التجنيد واستخدام الأطفال في الأعمال الحربية.

كيف يتم التجنيد

أكثر السيناريوهات شيوعا عند تجنيد الإرهابيين للأطفال لم يتم باستخدام أساليب الإكراه والترهيب وإنما باستدراجهم إلى الحلقات الدعوية والمساجد لإعطاء البيعة للخليفة وليتم تسجيلهم كجنود في جيش الخلافة، ثم يوزعون على معسكرات مخصصة لتدريب الصغار على الأعمال القتالية وتلقينهم أصول الشريعة وأسس العقيدة ومناهج أيديولوجية التنظيم.

وأظهرت الكثير من التسجيلات المصوّرة عن يوميات تدريب الأطفال أنهم يصطفون في تشكيلات مرتدين ثيابا موحدة؛ إما سوداء وإما بنية مموّهة مع عمامة كغطاء للرأس ثم ينصتون لتعليمات وأوامر أحد قادة التنظيم.

وفي مشاهد أخرى يركلهم مدربهم بقسوة بقدمه كجزء من عملية التأهيل القتالي وذلك لتعويدهم على الاشتباكات العنيفة، وفي أخرى يتلقون دروسا في العقيدة عن معنى “لا إله إلا الله” وحفظ آيات قتال الكفار في القرآن والسنة.

وتظهر مشاهد أخرى أطفالا ينشدون الأناشيد الجهادية الحماسية وأخرى وهم يطلقون النار باستخدام البنادق والمسدسات.

وتوظف التنظيمات أسلوب المكافأة في تعليم الصغار عبر منح البعض منهم حظوة خاصة ومكانة مميّزة بين أقرانهم بحملهم السلاح وارتدائهم الزي العسكري.

ويحرص قادة التنظيم على اصطحاب الأطفال خلال مهام تنفيذ عمليات الإعدام بالذبح وقطع الرؤوس والرجم، ومنحهم مخصصات مالية جيّدة عندما كان داعش في أوج قوته أثناء سيطرته على آبار النفط، ما أغرى الكثير من الأطفال في تلك المناطق بالمسارعة للانضمام إلى معسكرات التنظيم دون قهر أو إجبار، وانتشر ما سمّي ببريد الدعوة الذي يتقدم الأشبال من خلاله بطلبات الانتساب لحين البت فيها بالموافقة أو الرفض خلال ثلاثة أيام.

“أشبال الخلافة” معضلة مرحلة ما بعد داعش

تشويه الأرواح والعقول

غرس تنظيم الدولة الإسلامية في أدمغة الصغار ممّن أطلق عليهم “أشبال الخلافة” منذ سن الخامسة والسادسة فكرة القائد العالم الذي سيفتح بهم أقطار الأرض وهو أبوبكر البغدادي الذي سينقذ شعوب الدنيا من براثن الكفر والضلال، لذا يفسر البعض من الخبراء اندماج الأطفال داخل تلك التنظيمات بحالة الوهم التي سيطرت عليهم والتي تجعلهم متيقّنين من أنهم الجيل الذي سيحرر الأقصى بفلسطين وسيفتح روما وينشر الإسلام في أوروبا ويضم بلاد العالم كولايات لدولة الخلافة.

ولتأسيس وتنشئة هؤلاء الأطفال ليصلوا إلى هذا المستوى المعروض في الفيديوهات خصص داعش ثلاثة أنواع من المدارس، وهي الدينية التي يتلقون فيها مبادئ الفكر الجهادي وأصوله ومناهج دولة الخلافة وتاريخها وبطولات قادتها وفيها يتغذى الطفل على عقائد كراهية غير المسلمين وغير المنتمين للتنظيم، والثانية قتالية تتضمن مرحلة المعسكرات للتدريب على فنون القتال، والثالثة نفسية لخلق عضو داعشي لا يعرف الخوف والرأفة وقادر على الإقدام دون تردد على ذبح ضحاياه وجز رؤوسهم.

ويربط البعض من الخبراء بين هذا النهج في تجنيد داعش للأطفال ومناهج غالبية تنظيمات الإسلام السياسي، فجميعها تعمد إلى اقتلاع الشاب من إطار تنشئته الاجتماعية ودفعه للانقطاع عن أقاربه وثقافته ليقترب من مجموعة “الأتقياء” كما يسمّون أنفسهم، ويتم بعد ذلك تعويض السلطة الأبوية بسلطة الجماعة مع تلقينه سلسلة من التصرفات والمحرمات الدينية، ويحرص قادة التنظيم على فصل الطفل والشاب عن عائلته وأصدقائه بل ويتم تحريضه على مواجهتهم لتسقط هيبة الأبوين ومكانتهما بنعتهما بالكفر.

وذهب البعض من الخبراء إلى أن تنظيم داعش نقل خبرة تجنيد الأطفال من التاريخ القديم، حيث تم تجنيد الصبية في الحروب الدينية خاصة في عهد المماليك والعثمانيين، والبعض رأى أن هذا الأمر شائع بين التنظيمات الأيديولوجية عموما، وأقامت الأحزاب الفاشية والنازية معسكرات لتجنيد الأطفال وتأميمهم بالكامل لصالح أيديولوجية وأهداف الحزب.

ولم تكن إيران بعيدة عن هذا المنهج، ودفعت بالآلاف من الأطفال في أتون حروبها، كما أن هناك مئات الآلاف من الأطفال حول العالم يتم توظيفهم في النزاعات المسلحة خاصة بأفريقيا وآسيا وغالبيتهم من المختطفين تم ضمهم بالإكراه، وهناك من تم إغراؤهم بالمال وبرواتب توجه إلى ذويهم.

الإخوان المسلمون يستغلون نظام الكشافة لتجنيد الآلاف من الصبية الذين شكلوا لاحقا النظام الخاص للجماعة

واستغل تنظيم داعش في سوريا والعراق يُتْم آلاف الأطفال وفقدانهم لعوائلهم والظروف القاسية التي يعيشونها في ظل الصراعات والحرب والتهجير فاختطفهم وفرض عليهم عزلة شعورية عن الواقع كتعويض عن الحرمان والفقر، ليس فقط بعوائد مادية بل بنقلهم شعوريا إلى حالة يتصورون خلالها أنهم بصدد السيطرة على العالم بأسره كحكام وسادة الكون، ما منحهم انتماء بديلا وأكسبهم شعورا متعاظما بالاستعلاء.

وتستفيد تنظيمات مثل داعش من تجنيد الأطفال كعنصر أقل كلفة وأكثر طوعا في الوقت الذي زادت فيه الانشقاقات، وتم توظيفهم في مهام شتى بداية من الحراسة والطهي ونقل الذخائر والأسلحة والجنود المصابين، مرورا بالتلصّص وجمع المعلومات وانتهاء بمباشرة القتال وتصديرهم بالجبهات الأمامية كدروع بشرية واستخدامهم كانتحاريين أو زارعي متفجرات.

وأشارت بعض الإحصائيات إلى أن أكثر من 40 بالمئة من التفجيرات والعمليات الانتحارية التي نفذها التنظيم استخدم فيها الأطفال.

وتم استغلال الآلاف من الأطفال داخل المناطق التي خضعت لسيطرة داعش في العراق وسوريا على مدى سنوات لاستخدامهم في أعماله الإرهابية خاصة الأطفال الإيزيديين وأتباع الديانات والطوائف الأخرى.

وأشارت التقارير العالمية إلى أن عدد الانتحاريين من الأطفال وصغار السن التابعين لداعش زاد ثلاث مرات بين عامي 2016 و2017 بالمقارنة مع الأعوام التي شهدت نشأة التنظيم وانطلاقه.

الإخوان وتجنيد الأطفال

أوضح طارق أبوالسعد، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أن جميع فصائل الإسلام السياسي جنّدت الأطفال تحت مسميات مختلفة لخدمة أهداف التنظيم. ولفت إلى أن جماعة الإخوان بمصر استغلت نظام الكشافة، وهو تنظيم شبه عسكري، لتجنيد الآلاف من الصبية الذين شكلوا لاحقا النظام الخاص للإخوان، إذ أن غالبية قادة هذا النظام كانوا أعضاء فاعلين في الكشافة.

إلقاء الأطفال في جبهات القتال قنبلة متفجرة شظاياها تمتد لأجيال

 وأكد في تصريح لـ”العرب” أن داعش سعى إلى تشكيل جيل يحمل أفكار التنظيم ليخلق حالة مجتمعية ممتدة وراسخة تابعة له ومخلصة لأهدافه، مشيرا إلى سهولة استغلال الأطفال والسيطرة عليهم من خلال تنوع الوسائل بين الإقناع والإغراءات المادية في بداية انتشار التنظيم ثم القهر والإجبار والتنكيل بالعائلات في حال الهرب في مرحلة دخول التنظيم أخيرا في أزمة الانشقاقات والحرب الشاملة.

ومع تقدم الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، من المنتظر أن تستلم المجتمعات العربية عددا هاما من أبنائها الذين تم تهريبهم مع عائلاتهم أو الذين ولدوا في “دولة الخلافة”. ولن يُحرز تقدم في الحرب على الإرهاب والتطرف دون النظر في حلول لهذا الجيل واحتوائه وتفريغ شحنات التطرف التي غرست فيه منذ نعومة أظفاره.

ويتعيّن على المجتمعات العربية أن تلتفت إلى ضرورة معالجة الصبية والشباب العائدين أو الهاربين من مستنقعات التنظيمات التكفيرية المسلحة من خلال دورات فكرية وتربوية تغذيهم بمبادئ الهوية والمواطنة في مواجهة محاولات التنظيم إنتاج بديل “هويّاتي” للشاب المنفصل عن أهله ومجتمعه، فيُجرد من اسمه وتعطى له هوية أخرى فلا يعود “فلانا ابن فلان من دولة كذا”، بل هو أبوحفص أو أبوالقعقاع القادم من أعماق التاريخ برسالة خلاص تطهيرية مستعليا على الآخرين.

وأشارت هبة العيسوي خبيرة الطب النفسي إلى أن معالجة الصدمة المستمرة لدى عضو داعش في حال عودته ودخوله مرحلة مراجعة أفكاره تتطلب العيش في محيط اجتماعي غير عنيف لمحو الأفكار التي أدخلت إلى دماغه، مشدّدة على ضرورة خضوعه لإعادة تأهيل نفسي.

وأكدت لـ”العرب” أن الأطفال الذين تم تجنيدهم، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، تعرضوا داخل المعسكرات إلى الاعتداءات الجنسية والمساومة والتمثيل بعائلاتهم، فضلا عن مشاهد الذبح والقتل مرورا بتجارب قاسية تستدعي برنامجا علاجيا نفسيا مكثّفا إلى جانب المعالجة الفكرية.

وكما تم التأكيد عليه في تقرير الأمم المتحدة عن أثر النزاع المسلح على الأطفال (دراسة ماشيل، 1996)، فإن الأطفال المرتبطون بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة يتعرضون لعنف هائل ويضطرون غالبا لمشاهدة وارتكاب أعمال العنف ويتعرضون للإيذاء أو الاستغلال أو الإصابة أو حتى القتل. ويحرمهم هذا الوضع من حقوقهم، وتصاحبه غالبا عواقب جسدية ونفسية قاسية.

هشام النجار

صحيفة العرب اللندنية