معركة الرقة تنتظر التفاهمات الأميركية التركية:خيارات “داعش” تتضاءل

معركة الرقة تنتظر التفاهمات الأميركية التركية:خيارات “داعش” تتضاءل

تتجه الأنظار نحو مدينة الرقة، معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في سورية وعاصمة خلافته المزعومة، بعد أن باتت فرضية حصار المدينة بالكامل، قريبة من التطبيق على أرض الواقع، في حال استمرت عمليات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في غرفة عمليات “غضب الفرات”، المدعومة من قوات التحالف الدولي، بعد إعلانها رسمياً السيطرة على كامل مدينة الطبقة وسد الفرات. إلا أن عملية تحرير الرقة من “داعش” تبدو حتى الآن محكومة بالتفاهمات الدولية، خصوصاً بين الولايات المتحدة الداعمة لـ”قوات سورية الديمقراطية”، وتركيا المؤيدة لفصائل من الجيش الحر على الرغم من قرار الولايات المتحدة دعم المسلحين الأكراد لمساعدتهم على استعادة الرقة، إلا أن أنقرة رغم اعتراضها على القرار الأميركي لا تزال تسعى للدخول، أو المشاركة، في عملية تحرير الرقة من يد “داعش”، وعدم ترك المعركة لـ”قسد”، التي تعدها تركيا مصدر تهديد لأمنها القومي. بالتالي فإن استفراد تلك المليشيات بالسيطرة على الرقة يكرسها شريكاً دولياً في محاربة الإرهاب، ويعطيها المزيد من الحظوظ في تحقيق مخططها الانفصالي بإنشاء كيان مستقل على الحدود الجنوبية لتركيا.
وتبقى معركة السيطرة على الرقة محكومة بالموقف الأميركي الذي يعمل للتوازن بين مصالحه مع حليفته أنقرة ودعم “قسد”. وهو الموقف الذي من المتوقع أن يحسم خلال اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي والأميركي يومي 16 و17 من الشهر الحالي. ما يرجّح أن يتم البت في مسألة القوى المشاركة في معركة الرقة ما بعد هذا اللقاء.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أكد أنه “لا يمكن اتخاذ أي قرار دون العودة لتركيا في ما يخص الشرق الأوسط، وإلا سيكون ثمن القرار باهظاً”، مشدداً على أن “القرارات النهائية” لأنقرة ستتخذ عقب لقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في واشنطن. وأثناء عودته من الزيارة الرسمية التي قام بها إلى الكويت، قال أردوغان إنه “أمر لا يصدق أن تقوم دول حليفة لنا في حلف شمال الأطلسي بالتعاون مع قوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لـ”العمال الكردستاني”). إن هذا أمر لا يمكن قبوله، فنحن شركاؤهم في حلف الأطلسي، وليس المنظمات الإرهابية، ومن ثم يقولون لنا إننا لا نريد أن ينال تركيا ضرر من الاتحاد الديمقراطي، ولكن هذا أمر لا يتم عبر الكلام فقط. سنقوم بإثارة هذه الأمور خلال قمة الأطلسي المقبلة، وكذلك سنتحدث في هذا الأمر خلال زيارتنا للولايات المتحدة”.وشدد على أنه “لا يمكن اتخاذ أي قرار في الشرق الأوسط دون العودة لتركيا”، مضيفاً “إن قام أحدهم باتخاذ أي قرار دون العودة لنا، فإن ثمن ذلك سيكون باهظاً، سواء على المستوى الاقتصادي أم على المستوى الإنساني”. وأشار أردوغان إلى أن “القرار النهائي سيتم اتخاذه بعد اللقاء” الذي سيجريه مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال زيارته للعاصمة الأميركية واشنطن، وليس بعد اللقاءات التي تجريها لجنة تركية رفيعة المستوى تم إرسالها للتحضير للزيارة، والمكونة من رئيس الأركان، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس المخابرات، حاقان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم كالن. وتابع “سألتقي بالرفاق. إن اللقاءات التي أجروها لن تكون اللقاءات النهائية، وإنما تلك التي سأجريها أنا. هي لقاءات أولية، واللقاء الذي سأجريه مع ترامب سيحدد الأمور”.

في هذا السياق، أكد عضو المجلس العسكري في “قوات سورية الديمقراطية”، المتحدث باسم مجلس مدينة منبج وريفها، شرفان درويش، لـ”العربي الجديد”، أن “معركة السيطرة على الرقة بدأت يوم الأربعاء، بعد توقف دام 15 يوماً”، مضيفاً: “نحن الآن بصدد حصر داعش ضمن المدينة، كما أن القرار الأميركي الأخير بتقديم السلاح لنا سيسرع من دحر الإرهاب في سورية”. واتهم درويش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعرقلة تحرير الرقة، موضحاً أن “التنسيق بين قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي مستمر”. وعن مشاركة قوات من الجيش الحر المدعومة من تركيا في معركة تحرير الرقة، قال درويش: “حتى الآن لا يوجد قرار بهذا الشأن”.
وعن دور الفصائل العربية المنضوية ضمن “قسد” في عملية تحرير الرقة، بيّن أنه “بعد تحرير مساحات شاسعة من ريف الرقة انضم الآلاف من أبناء المنطقة لقواتنا، وغالبية القوات المشاركة هي من المكون العربي، ونحن من مجلس منبج العسكري أرسلنا 300 مقاتل للمشاركة بتحرير الطبقة، وإنْ احتاج الأمر سنساعد بتحرير الرقة حسب طلب قيادة غضب الفرات”.

وفي حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أشار أستاذ العلاقات الدولية، المحلل السياسي التركي سمير صالحة، إلى أنه لا يعتبر أن هدف تركيا الحالي هو الإصرار على المشاركة في تحرير الرقة، موضحاً أنه “على الرغم من اعتبار تركيا تنظيم داعش جهة إرهابية، وفتحها معارك ضده في درع الفرات، عبر تشكيل منطقة خالية من التنظيم شمالي سورية، إلّا أن هذا الأمر لا ينسحب بالضرورة على معركة الرقة”.

وشرح صالحة أن “ما يقلق تركيا هو أن يكون هناك مشروع بعد تحرير الرقة، يهدف لتغيير البنية الحالية في شمالي سورية لصالح كيان كردي”. واستبعد أن “يسفر اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي والتركي عن أي تفاهمات حول دخول تركيا في معركة الرقة ضد التنظيم”، قائلاً إن “اللقاء المرتقب سيكون صعباً للغاية، ومن غير السهل الوصول من خلاله إلى نتائج إيجابية في ما يخص مشاركة تركيا بهذه المعركة”. وأشار إلى أن “الولايات المتحدة أرسلت أخيراً أسلحة وعتاداً وجنوداً أميركيين لدعم الوحدات الكردية في معركة الرقة”، لافتاً إلى أن “الولايات المتحدة تبحث عن حصان لها في سورية، وترى في قسد الورقة الوحيدة للعبة التوازنات الدولية، ولن تتخلّى عنها على الرغم من اعتبارها منظمة إرهابية من قبل تركيا”.

وأضاف أن “ما يعقّد الأمور أكثر ويدفع لاستبعاد التفاهم التركي الأميركي، هو ما حدث في أستانة أخيراً، من اتفاق بين الدول الضامنة، ولقاء (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين و(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان والذي كانت نتائجه توجّه الكثير من الرسائل لواشنطن”. وأشار إلى أن “هذا التنسيق الاستراتيجي التركي الروسي سيغضب الأميركيين ويدفعهم إما للتصعيد أكثر، أو لمراجعة شاملة لحساباتهم في محاولةٍ لكسب تركيا، مع أنه أمر مستبعد”.

ولفت صالحة إلى أنه “على الرغم من إعلان الولايات المتحدة دعمها للتفاهم الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، إلّا أن لديها الكثير من التحفّظات عليه، تحديداً على تطبيقه في مرحلة التطبيق المتفق عليها لاحقاً”، مشيراً إلى أن “هذه النقطة تساعد على فهم الموقف الأميركي، سواء إزاء الملف السوري أو ملف العلاقات مع تركيا”.

واستبعد صالحة أن “يتم تحقيق أي تقدّم في ملف العلاقات بين أنقرة وواشنطن، أو تنسيق عسكري لمعركة الرقة”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة تغامر في دعم الأكراد وتدخل إلى سورية على الرغم من اللاعبين المحليين دون تنسيقٍ معهم، فذلك يشير إلى استبعاد اشتراك تركيا في هذه المعركة”.

واعتبر أيضاً أن “الردّ التركي سيكون باحتمالات عدة، وأسوأها أن يتوسّع الاشتباك كي لا يشمل قوات سورية الديمقراطية وحسب، بل يشمل مواجهات عسكرية أوسع، لا سيما إذا شعرت تركيا بأن الولايات المتحدة تود أن تملأ الفراغ الجغرافي في الحسكة لصالح الأكراد”.

ميدانياً، تحاصر “قسد” مدينة الرقة من الجهات الشمالية والغربية والشرقية، ومع إتمام السيطرة على مدينة الطبقة وسد الفرات، يوم أمس، أعلنت قوات قسد استئناف معركة الرقة، إذ تتوجه تلك القوات إلى ريف الرقة الجنوبي بهدف إطباق الحصار على المدينة، التي لا زالت طرق الإمداد الترابية فيها متصلة مع الأرياف الشرقية من محافظتي حمص وحماة، ومدن البوكمال ودير الزور والميادين، التي تعد آخر قلاع التنظيم في شمال سورية وشرقها.

وتعد أهم نقاط التنظيم المتبقية في ريف الرقة الجنوبي الغربي هي بلدة الهورة، على نهر الفرات، على بعد 19 كيلومتراً من مدينة الرقة على الضفة الجنوبية من النهر، وفي الجنوب الأوسط مدينة الرصافة على بعد 40 كيلومتراً، وفي الجنوب الشرقي بلدة رطلة على بعد 6 كيلومترات. وفي حال السيطرة على رطلة، تكون القوات قد حاصرت الرقة بشكل كامل ويصبح الطريق مفتوحاً نحو مدينة معدان على بعد 60 كيلومتراً، وهي آخر معقل للتنظيم في محافظة الرقة.

وفي حال تمكنت “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة بقوات التحالف، من التقدم في ريف الرقة الجنوبي المتاخم لحمص وحماة أيضاً، فإنها سوف تتمكن من قطع طريق إمداد الرقة ـ سلمية، ومن فصل الرقة عن مناطق التنظيم في حمص وحماة، حيث أهم مراكز التنظيم في مناطق السخنة وعقيربات وجب الجراح والبادية السورية.

وتبعد مدينة معدان عن مدينة دير الزور حوالي 60 كيلومتراً، وتقع على شبكة الطرق الواصلة بين ريف الرقة الجنوبي وريف دير الزور، وصولاً إلى البوكمال والميادين، ومنها إلى الحدود السورية العراقية. ويعتمد التنظيم حالياً على الطرق الفرعية والترابية في نقل مقاتليه والإمدادات العسكرية، وذلك بعد تدمير التحالف معظم الجسور المنشأة في الطرق الرئيسية على الأودية ونهر الفرات في دير الزور والرقة.

وكانت “قسد” قد تمكنت من قطع طريق الرقة ـ دير الزور في الضفة الشمالية لنهر الفرات، بعد سيطرتها على ناحية الكرامة في السادس من مارس/ آذار الماضي، إلا أن التنظيم يشن هجمات معاكسة في المنطقة بين الحين والآخر بهدف استعادة السيطرة على الطريق.

ودائماً ما يعاني المدنيون في مناطق سيطرة “داعش” من مضايقات وانتهاكات بحقهم من قبل التنظيم، فضلاً عن غارات التحالف الدولي التي أودت بحياة عشرات المدنيين منهم. وأكثر من 100 ألف مدني محاصر في مدينة الرقة، بينهم عائلات عراقية ونازحون من مناطق سورية، وتعاني المدينة من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي ونقص في المياه الصالحة للشرب.

وذكرت مصادر من المدينة أن تنظيم “داعش” دمر معظم خزانات المياه بعد تفخيخها فضلاً عن حفر الخنادق والأنفاق في محيط المدينة، ما يشير إلى نية التنظيم القتال في المدينة أطول وقت ممكن، فيما وصل ثمن ربطة الخبز في المدينة إلى 300 ليرة سورية. كما تشهد المدينة ارتفاعاً كبيراً في أسعار الخضروات واللحوم، في حين يسيطر التنظيم على كافة أفران المدينة والمراكز الطبية التي تعرضت لغارات من التحالف الدولي أكثر من مرة.

ويغلق التنظيم محال وصالات الإنترنت في المدينة، فيما تنذر المعارك المتوقعة في ريف الرقة الجنوبي بحدوث حركة نزوح جديدة في تلك المناطق من قبل آلاف المدنيين باتجاه مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” ومناطق أخرى يسيطر عليها “داعش” على غرار ما حدث في ريف الطبقة وريف الرقة الشمالي.

عيسى سميسم

صحيفة العربي الجديد