ترامب والصين: مخاطر نشوء سباق تسلح في الشرق الأوسط

ترامب والصين: مخاطر نشوء سباق تسلح في الشرق الأوسط

ليس الرئيس الأميركي دونالد ترامب راضياً. ففي تصريحات حملته الانتخابية النارية، وصف السيد ترامب الاتفاقية النووية مع إيران بأنها “واحدة من أسوأ الصفقات التي رأيتها أبداً”، وتعهد بـ”تفكيك” الاتفاقية. وكانت الاتفاقية قد وقعت قبل عامين مع القوى الرئيسية في العالم.
حدود أمام القوة الأميركية
فيما تسبب له بالكدر، وجد السيد ترامب نفسه مجبرا على الاعتراف بأن إيران تتقيد بالصفقة النووية. وتنطلق استراتيجيته من إدراك حقيقة أن الولايات المتحدة ستصبح عاجزة إذا قام بإنهاء الاتفاقية النووية الإيرانية من جانب واحد.
من الممكن أن يعمد حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون، بالإضافة إلى روسيا والصين، إلى إدانة تمزيق الاتفاقية، ويحتفظون بما يخصهم منها، ويرفضون الالتزام بأي إجراءات عقابية قد تتبناها الولايات المتحدة. وبعبارات أخرى، سوف يؤدي إلغاء الاتفاقية إلى خفض قدرة الولايات المتحدة على التأثير في إيران إلى حد كبير.
وحتى مع ذلك، وبالتمسك برغبته في أن يظل غير قابل للتنبؤ بأفعاله، فإن السيد ترامب لم يستبعد إنهاء الاتفاقية. وفي إجابته عن سؤال مباشر من وكالة الأسوشيتدبرس حول ما إذا كان سيتمسك بالصفقة، قال السيد ترامب: “من المحتمل أن لا نفعل.”
شركاء غريبون
من المفارقة أن يكون ألد المعارضين للاتفاقية النووية مع إيران، السعودية وإسرائيل، قد حثوا إدارة السيد ترامب منذ إبرام الاتفاقية على عدم إلغاء الصفقة.
مما لا شك فيه أن هذين البلدين يظلان منتقدين للاتفاقية. ومع ذلك، فهما يعتقدان بأن الصفقة النووية قد جلبت لهما عقدا من جمهورية إسلامية مجردة من القدرة على انتاج أسلحة نووية. ومن وجهة نظرهما المفضلة، فإن صعود السيد ترامب -وسياسته الأقسى تجاه إيران- يدعمانهما في نهجيهما.
لعب بالنار
ومع ذلك، فإن ترامب الحانق لن يجلس مكتوف اليدين . وهذا يفسر السبب في أنه يبدو باحثا بنشاط عن طرق لاستفزاز إيران ودفعها إلى الانسحاب من الصفقة. وتنطوي سياسته تجاه إيران على مخاطر إشعال فتيل سباق تسلح -كنتيجة غير مقصودة لسياسته، وليس كمحصلة مخططة لها
في هذا الشأن، من الممكن أن تلعب محصلة انتخابات أيار (مايو) الحالي لصالح السيد ترامب -إذا ما استطاع مترشح متشدد، وليس الرئيس الحالي حسن روحاني، الخروج فائزاً.
دخول الصين
لكن ترامب ليس هو الطرف الوحيد المستعد لأن يلعب بالنار. هنا تدخل الصين. فقد وافق الصينيون على بناء مصنع لتصنيع الطائرات من دون طيار في السعودية. ومن شأن هذه الخطوة وحدها أن تستدعي سباق تسلح بالطائرات من دون طيار، مما يهدد بأخذ العداوات في المنطقة ككل إلى مستوى جديد كلية وأكثر خطورة.
في حين ترفض الولايات المتحدة المشاركة بتكنولوجيتها الأكثر تطورا، وافقت الصين على فتح أول مرفق للإنتاج الدفاعي خارج البلاد في المملكة العربية السعودية.
وستتولى شركة علم الطيران والتكنولوجيا الصينية المملوكة للدولة تصنيع طائرتها من دون طيار “سي. أتش. -4 كايهونغ” أو “قوس قزح”، بالإضافة إلى المعدات ذات الصلة في العربية السعودية. وتقارن طائرة “سي. أتش-4” بالطائرة الأميركية المسلحة من دون طيار “أم. كيو-9 ريبر”.
يمكن أن تشعل هذه الصفقة فتيل سباق تسلح في الشرق الأوسط مع إيران ودول أخرى تسعى إلى مواكبة القدرة المكتسبة حديثا للمملكة على توجيه الضربات انطلاقا من راحة مركز قيادة وسيطرة سعودي يدار بالحاسوب ومن دون وضع الجنود السعوديين تحت الخطر.
صين متهورة؟
كما لو أن مشروع صناعة الطائرات من دون طيار غير متفجر في ذاته بما يكفي، وقعت الصين أيضاً اتفاقية حول التعاون النووي مع السعودية خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان للصين في الشهر الماضي.
وتنص الاتفاقية على إجراء دراسة جدوى اقتصادية لإنشاء معامل طاقة نووية عالية الحرارة ومبردة بالغاز في المملكة، بالإضافة إلى التعاون في مجال الملكية الفكرية وتطوير سلسلة إمداد صناعي محلي من معامل طاقة نووية تبنى في السعودية.
الاستراتيجية السعودية
تسهم الاتفاقية في جهد السعودية لتطوير طاقة نووية وقدرة محتملة لإنتاج أسلحة نووية. وكثيراً ما أصر مسؤولون سعوديون على أن المملكة ستطور القدرات النووية لغايات سلمية، مثل الأدوية وتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر. وقالوا إن المملكة العربية السعودية ملتزمة بوضع مرافقها المستقبلية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية .
استنتج تقرير حديث صدر عن معهد العلوم والأمن الدولي الذي يتخذ من واشنطن مركزا له أن “الاتفاقية النووية مع إيران لم تعمل على إلغاء رغبة المملكة في التوافر على قدرات نووية، بل وحتى امتلاك الأسلحة النووية… ثمة القليل من الأسباب للشك في أن المملكة العربية السعودية ستسعى بمزيد من النشاط للتوافر على قدرات الأسلحة النووية، تدفعها إلى ذلك مخاوفها من احتمال إنهاء الحدود النووية الرئيسية لخطة العمل المشتركة في الاتفاقية النووية الإيرانية اعتباراً من العام العاشر من الصفقة، أو أقرب من ذلك إذا فشلت الصفقة.”
باختصار: تعكف السعودية على أن تضع في المكان قواطع البناء القانونية لقدرتها النووية الخاصة، من أجل وإذا وعندما تتحرر إيران من قييود د الاتفاقية النووية.
حتى الآن، ما يزال ذلك على بعد عقد من الزمان. ومن شأن إلغاء مبكر للاتفاقية أن يحرك تلك النقطة، وليس بالضرورة عن سابق تصميم.
الصين كموازن إقليمي؟
على العكس من الولايات المتحدة، يجب على الصين موازنة علاقاتها مع كل من السعودية وإيران التي ترتبط معها بعلاقة عسكرية أطول بكثير. ولذلك، تحركت الصين بحذر لاستعادة تعاونها النووي مع إيران في أعقاب رفع العقوبات التي كانت الأمم المتحدة قد فرضتها عليها.
وذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانيين التي تسيطر عليها الحكومة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن الصين وافقت على إعادة تصميم المفاعل النووي الإيراني “آراك” تحت إشراف الولايات المتحدة.
في ضوء ولاءات الصين المزدوجة الناشئة في المنطقة، فإن ما يفعله السيد ترامب تجاه إيران يهم كثيراً. وسيكون من شأن لعبة البوكر كبيرة المخاطر التي يمارسها على الأرجح أن تشجع السعودية في ما تعتبره العائلة المالكة السعودية معركة وجودية مع إيران.
ومن شأن ذلك، إلى جانب الطاقة النووية الصينية والصفقات العسكرية مع السعودية (وإيران) أن يخلق مزيجاً متفجراً يهدد بإطلاق سباق تسلح إقليمي تكون له تداعيات محتملة خطيرة.
مع ذلك، من الضروري الإشارة إلى أن تعاملات الصين مع إيران والسعودية في الفضاء النووي تتقيد بالخطوط الإرشادية لمعاهدة عدم الانتشار النووي. وهي في حد ذاتها ليست مصممة للتسليح. ومع ذلك، يترتب على المرء أن يضعها في سياق الطموحات والمناورات غير المعروفة للمستقبل.
الخلاصة
تسعى الصين والولايات المتحدة إلى تحقيق غايات مختلفة في الشرق الأوسط وفي النزاع السعودي-الإيراني المهيمن. وبفعلهما ذلك، تخاطر القوتان العالميتان في التسبب بالمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، بدلاً من الإسهام في إنهاء النزاعات المستمرة وفي خفض التوتر ووضع حد لإراقة الدماء واسعة النطاق.
نتيجة لذلك، وعلى الرغم من أهدافهما المختلفة، يهدد نهجا كلا القوتين بتعزيز واحدهما الآخر في وضع الشرق الأوسط تحت رحمة خطر أكبر.

جيمس أم. دورسي

صحيفة الغد