المحاصصة الحزبية تشل مفوضية الانتخابات العراقية

المحاصصة الحزبية تشل مفوضية الانتخابات العراقية


بغداد – بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إعلان تشكيلها تراوح لجنة خبراء اختيار أعضاء مفوضية الانتخابات الجديدة في العراق مكانها ولم تتمكن من إنجاز أيّ من مهامها بسبب الخلافات الحادة بين الأطراف السياسية في العراق.

ووفقا للدستور العراقي فإن لمفوضية الانتخابات، التي تعمل بإشراف البرلمان، “المسؤولية الحصرية في تنظيم وتنفيذ والإشراف على كافة أنواع الانتخابات والاستفتاءات”.

وللمفوضية مجلس هو بمثابة الجهة التشريعية فيها، وهو “المسؤول عن إقرار السياسة العامة للعملية الانتخابية وإدارتها”، لذلك تحرص الأطراف السياسية على وجود ممثلين لها فيه يتوزعون وفق نظام المحاصصة المذهبية والقومية.

وتنتهي ولاية مجلس المفوضين الحالي في سبتمبر المقبل، ما يعني أن الانتخابات العامة المقررة في أبريل 2018 ستدار من قبل المجلس الجديد، لكن موعدها يبدو مهددا بسبب انعدام أيّ أفق للتفاهم بين الأحزاب العراقية على التشكيلة الجديدة في المفوضية.

وكان البرلمان العراقي شكل في يناير الماضي لجنة تضم 28 من أعضائه برئاسة آرام الشيخ علي، وهو نائب رئيس مجلس النواب، لاختيار أعضاء مفوضية الانتخابات الجديدة.

لكن الشيخ علي استقال من رئاسة هذه اللجنة، وهو نائب كردي عن حركة “التغيير”، بعد ترؤسه أول اجتماعاتها، بسبب ما وصف بالضغوط الكبيرة التي تعرض لها من قبل أحزاب متنفذة لفرض مرشحين محددين.

ويشترط قانون مفوضية الانتخابات على أعضاء مجلس المفوضين “المواطنة والأهلية والشهادة الجامعية إضافة إلى الخبرة الانتخابية والتخصص والنزاهة والاستقلالية”، فضلا عن ضمان تمثيل النساء. لكن جميع الأحزاب تدفع بأعضاء فيها إلى مجلس المفوضين ما يتعارض وشرط الاستقلالية. وتقول مصادر مطلعة على كواليس لقاءات لجنة الخبراء إن أعضاءها هم من أجبروا آرام الشيخ علي على الاستقالة بعدما وضع مجموعة قيود تمنع وصول الحزبيين إلى عضوية مجلس المفوضين.

وتضيف المصادر أن صراعا حادا بين ممثلي الأحزاب الشيعية والكردية في لجنة الخبراء يدور بشأن عدد الأعضاء الشيعة والأكراد في مجلس المفوضين المكون من تسعة أعضاء، فيما يصر ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على الاحتفاظ بموقع رئيس الإدارة الانتخابية الذي يشغله ممثل الائتلاف في المفوضية الحالية مقداد الشريفي.

الصدر يخشى أن يستخدم خصمه اللدود المالكي نفوذه الكبير في المفوضية لتحقيق انتصار غير مستحق في أيّ عملية انتخابية تجرى تحت إشراف مجلس المفوضين الحالي
وتمثل الإدارة الانتخابية الجهاز الإداري والتنفيذي في المفوضية، ومن بين مسؤولياتها “إعداد الخطط والإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية وتقديم ذلك للمجلس للمصادقة عليها”. ويسيطر ائتلاف المالكي على هذا الموقع منذ انتخابات العام 2010.

وتشير المصادر إلى أن الخلافات الحادة في لجنة الخبراء تبدد فرص إمكانية التوصل إلى اتفاق قريب بشأن مجلس المفوضين الجديد، ما يفتح الباب على احتمال تأجيل انتخابات أبريل 2018.

واعتادت الكتل السياسية العراقية على خوض مفاوضات مارثونية لاقتسام الحصص عند تشكيل الحكومات وتوزيع المواقع الكبيرة في الدولة. وامتدت مفاوضات تشكيل مفوضية الانتخابات الحالية لما يزيد على العام.

واندلعت احتجاجات شعبية واسعة قادها أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الشتاء الماضي، ضد مفوضية الانتخابات المتهمة بالتبعية للحكومة والأحزاب السياسية. وطالب المحتجون بتشكيل مفوضية جديدة.

ونجح النواب الصدريون في البرلمان العراقي، الشهر الماضي، في إحراز الأغلبية في التصويت بعدم القناعة على ردود مجلس المفوضين خلال استجواب نيابي، ما يعني إمكانية إقالته، برغم قرب انتهاء ولايته.

وتدخل رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري لدى الصدر شخصيا، الأسبوع الماضي، لإقناعه بالطلب من نواب كتلته التخلي عن محاولة إقالة مجلس المفوضين بعد التعهد بعدم ترشح أيّ من أعضائه لعضوية المجلس الجديد.

ويخشى الصدر أن يستخدم خصمه اللدود المالكي نفوذه الكبير في المفوضية لتحقيق انتصار غير مستحق في أيّ عملية انتخابية تجرى تحت إشراف مجلس المفوضين الحالي.

بينما يرفض أتباع المالكي أيّ تغييرات تكرّس صعود الصدر الذي حوّله فشل خصومه في إدارة شؤون الدولة إلى رقم صعب في المعادلة السياسية بالعراق.

ويعتبر هذا الصراع مظهرا للأمراض الكثيرة للعملية السياسية في العراق ولتشوّهات “الديمقراطية” الشكلية الخاضعة لمقتضيات المحاصصة الطائفية والمتحكّم بها من قبل أصحاب النفوذ السياسي والديني والمالي.

ولا تنفصل معركة مفوّضية الانتخابات عن معركة سياسية أعمّ على صلة بترتيب الأوضاع في مرحلة ما بعد داعش في العراق أطرافها الأساسيون كبار رموز الأحزاب الشيعية الحاكمة في البلاد الذين يريدون أن يحصّنوا مكاسبهم السابقة وأن يضمنوا لهم مواقع في تلك المرحلة، خصوصا وأن فترة احتلال تنظيم داعش للمناطق العراقية وما شهده البلد خلال تلك الفترة من احتجاجات اجتماعية لم تخل من إدخال تغييرات على موازين القوى السياسية في البلاد من ضمنها على سبيل المثال بروز رجل الدين مقتدى الصدر كمناهض للفساد وكداعية للإصلاح، جنبا إلى جنب مع زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم الذي يعرض نفسه كرجل للوفاق وحامل للواء مشروع للمصالحة عابر للطوائف والأعراق، إضافة إلى عدد من قادة الميليشيات المشكلة للحشد الشعبي الذين استفادوا من دور الميليشيات في مواجهة تنظيم داعش.

العرب اللندنية