تركيا وأوروبا: وفاء لعضوية مستحيلة

تركيا وأوروبا: وفاء لعضوية مستحيلة

في 2013 وعشية تظاهرات «جيزي بارك»، وبَّخ الاتحاد الأوروبي أنقرة على الإجراءات العقابية ضد المعارضة، ناهيك عن القلق الأوروبي إزاء الحجم الكبير للتقاليد والتراث المحافظ الذي يتمسك به أردوغان، وتجلى ذلك في القفز والالتفاف على القيم العلمانية، وأسلمة المجتمع.

كما دخل المناخ مرحلة الشحن بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في ظل تصاعد الانتقادات الأوروبية والغربية بشكل عام للاستفتاء وتأكيد أنه شهد اختلالات جوهرية، وكانت لجنة المراقبين عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا قد ذكرت في تقرير أولي لها حول الاستفتاء، أن «التصويت تم في ظروف غير عادلة». ومن جهتها اتهمت مفوضية الاتحاد الأوروبي الحكومة التركية بتزوير مليونين ونصف مليون من الأصوات ورفعت الصوت عالياً ضد أي محاولة لتنفيذ التعهد الأردوغاني بتطبيق عقوبة الإعدام في حال نجاحه باعتباره أكثر من خط أحمر سيقود إلى إقفال الباب نهائياً على مشروع الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي.

وثمة قلق أوروبي من تأثير التعديلات الدستورية على الديموقراطية التركية، ناهيك عن مطالب قوى سياسية في أوروبا بإعادة رسم العلاقات السياسية والشعبية بين تركيا والاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء، والتي تمثل من وجهة نظر أوروبية رخصة لإعادة تنظيم الدولة التركية وهدم القيم التي بُنيت عليها. الفتور الأوروبي إزاء نتيجة الاستفتاء دفع وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، عمر تشيليك، إلى تهديد الاتحاد في 23 نيسان (أبريل) 2017 بتخلي بلاده عن التزاماتها في بجر إيجه بموجب اتفاقية اللاجئين وإعادة قبول المهاجرين الموقعة مع الاتحاد في 18 آذار (مارس) 2016، ما لم يلتزم الاتحاد برفع تأشيرة الدخول «شنغن» عن المواطنين الأتراك.

يذكر أن الاتفاقية تضمنت منح تركيا معونات لمساعداتها في استيعاب اللاجئين، تصل تدريجاً إلى 6 بلايين يورو إضافة إلى إلغاء تأشيرة دخول المواطنين الأتراك بعد استيفاء 73 شرطاً، من بينها تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي يعتبر الاتحاد الأوروبي أن السلطات التركية تستخدمها للضغط على المعارضين، بينما تراها أنقرة ضمانة لأمنها القومي. وفي ما بدا تعبيراً عن القلق الأوروبي عشية الاستفتاء، خصوصاً بعد اتهام أردوغان أوروبا بـ «الفاشية» و «النازية» وأنها نادٍ مسيحي يتآمر على تركيا المسلمة، فضلاً عن دعوته إلى إعادة عقوبة الإعدام وتمديد حالة الطوارئ مجدداً، والمعمول بها منذ 21 تموز (يوليو) الماضي، اعتبرت المستشارية الألمانية أن «نتيجة الاستفتاء المتقاربة تظهر عمق الانقسام في المجتمع التركي، وتجعل من الاستفتاء وإن نجح قانونياً منجزاً لا يخدم الديموقراطية».

ومن جهتها اتخذت فرنسا موقفا مفاده أنه «يتوقف الأمر على الأتراك وحدهم لاتخاذ قرار في شأن كيفية تنظيم مؤسساتهم السياسية، لكن النتائج تظهر عمق الانقسام»، بينما رأت النمسا استحالة استئناف الاتحاد الأوروبي مفاوضات العضوية مع تركيا، ودعت على لسان وزير خارجيتها بدل العضوية إلى «اتفاق شراكة». في المقابل، دعا بعض النواب المحافظين في البرلمان الألماني في نيسان الماضي إلى إنهاء محادثات العضوية مع تركيا، بل اعتبروا أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات بعد الاستفتاء التركي سيضر بأوروبا.

ووجدت هذه الدعوات التي تطالب أوروبا بإنهاء مفاوضات عضوية أنقرة إذا تبنت التعديلات الدستورية التي أقرت في الاستفتاء صداها عشية توقيف الشرطة التركية في 26 نيسان الماضي أكثر من ألف شخص اعتبرتهم «أئمة سريين» يعملون لمصلحة الداعية غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب.

وإذا كانت فرص عضوية تركيا باتت مستبعدة بعد الجدل بشأن الاستفتاء وقرار مجلس أوروبا بوضع أنقرة تحت المراقبة، فإن فرص القطيعة ليست واردة، سيما أن الشركاء الأوروبيين لم يتخذوا بعد أي إجراءات اقتصادية فعلية، ولا قطعوا حتى اللحظة الجسور مع أنقرة على رغم سخونة المشهد، وتهديد تركيا بنسف اتفاق اللاجئين الموقع في آذار 2016.

وفي المقابل ثمة نبرة تصالحية تركية تجاه أوروبا بعد تمرير الاستفتاء، وكان بارزاً، هنا، تأكيد مسؤولين أتراك أن علاقة بلادهم مع الاتحاد الأوروبي الذي تتوجه إليه نصف صادرات تركيا تقريباً، ستكون في مجالات المصالح المشتركة، وأن بعض «الضوضاء» الدائرة بين أنقرة والعائلة الأوروبية سيتلاشى. كما أكد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، في 20 نيسان الماضي، «أن تركيا لا تزال ملتزمة بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي».

في هذا السياق تبدو عضوية تركيا، التي تحمل مشاعر وفاء للعائلة الأوروبية، مستحيلة، سيما وأن سلوك أردوغان السياسي فتح الباب واسعاً لتساؤل رئيس هو: ماذا تبقى من تجربة الإسلام السياسي الذي زاوَج بين الديموقراطية والإسلام، وظل نموذجاً أكثر انفتاحاً على الآخر.

كما تبقى المعضلة الثقافية والحضارية حجر عثرة أمام عضوية تركيا، التي لا تنتمي إلى الحضارة المسيحية، وكان بارزاً، هنا، دعوة بينيديكت السادس عشر بابا الفاتيكان السابق في 2004، وقت أن كان كاردينالاً، للنص على الجذور المسيحية لأوروبا في الدستور الأوروبي.

كرم سعيد

صحيفة الحياة اللندنية