ابن زايد وابن راشد… التناغم في إدارة الدولة الإماراتية

ابن زايد وابن راشد… التناغم في إدارة الدولة الإماراتية

 

في 15 آيار/مايو الحالي استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي أدى زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة قبل أيام من زيارة ترامب إلى السعودية للقاء عدد كبير من القادة العرب والمسلمين. وقال ترامب خلال استقباله الشيخ محمد بن زايد “شرف كبير أن يكون معنا الشيخ محمد اليوم، رجل أعرف أنه شخصية خاصة ويحظى باحترام كبير، ويحب دولته، يمكنني أن أخبركم ذلك، وأعتقد أنه يحب الولايات المتحدة، ما أعتقد أنه مهم للغاية”. وأكد ولي عهد أبوظبي أن الإمارات “حريصة دائما على تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وتعزيزها ودفعها إلى الأمام، خاصة في ظل توافق وجهات النظر بين البلدين الصديقين حول القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها أمن الخليج العربي، وأزمات الشرق الأوسط، ومواجهة الإرهاب، ومهدِّدات الأمن والاستقرار على الساحة الدولية”.

 وقد أشار المراقبون للعلاقات الأمريكية الإماراتية إلى أن الرئيس الأميركي، بلقائه مع ولي عهد أبوظبي، يعمل على امتلاك رؤية دقيقة تجاه تعاطي دول المنطقة مع مختلف الملفات حتى إذا حضر إلى قمة السعودية يكون قد تشكلت لديه صورة واضحة وأفكار تستجيب لانتظارات القادة الذين سيلتقي بهم في الرياض والذين يريدون موقفا متكاملا ضد إيران وضد داعش. ولفتوا إلى أنه وبالإضافة إلى الدور الذي يلعبه الشيخ محمد بن زايد في الإمارات، فلديه علاقات مميزة مع قيادات منطقة الخليج. وفي هذا السياق قال الكاتب ريتشارد سبنسر إن الشيخ محمد بن زايد من الشخصيات القوية والمؤثرة في المنطقة ويسعى من خلال لقائه مع ترامب لأن تبقى العلاقات الأميركية الخليجية عند أعلى المستويات.

ونظرًا لأهمية هذه الزيارة، رافق الشيخ محمد بن زايد، كل من: «مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ونائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني على بن حماد الشامسي، ورئيس جهاز الشئون التنفيذية». وفي أثناء الزيارة اجتمع الرئيس الأميركي  دونالد ترامب مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي في لقاء مغلق،  حيث  رأى  الخبراء في العلاقات الأمريكية الإماراتية أنه تمحور حول تعاون مشترك في مكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الشرق الأوسط. كما بحث الشيخ محمد خلال زيارته لواشنطن مع وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيليرسون، ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس جهود الجماعة الدولية في مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف والتنسيق القائم بين الدولتين في هذا الشأن، والتأكيد على التزام واشنطن وأبوظبي بمواجهة التدخلات الاقليمية العدوانية في شؤون دول المنطقة فضلاً عن تشجيعهما بذل المزيد من الجهود لتحقيق الاستقرار والسلام في كل من ليبيا واليمن وسوريا.

وشكلت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى واشنطن علامة فارقة في إطار علاقات خاصة تربط واشنطن بأبوظبي. لجهة أنه يسعى إلى تحقيق تعاون مشترك يجمع الولايات المتحدة وروسيا ليعملا معا لبناء منظومة قوية في الشرق الأوسط بغرض تخفيف دور إيران عبر دعم حل متوازن في سوريا يراعي مصالح دول المنطقة ويفرض على طهران أن تسحب قواتها والميليشيات الحليفة لها من سوريا وفسح المجال للسوريين ليحددوا مستقبلهم عبر الحوار.  ومن جهة أخرى وقّع الشيخ محمد بن زايد آل النهيان مع وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، اتفاقاً جديداً للتعاون الدفاعي والدفاعي الثنائي بين الولايات المتحدة والإمارات. وجاء في بيان للبنتاغون أن الاتفاق سيسهل التعاون الوثيق والقوي ضد مجموعة من التهديدات خلال الخمسة عشر عاماً القادمة. وعلق ماتيس قائلا: “إن الاتفاق يمثل فصلاً جديداً في شراكتنا ويعكس اتساع وعمق تعاوننا المستمر الذي يرتكز على الاحترام المتبادل الذي نتشاطره من أجل احترافية وفعالية قواتنا المسلحة، وإنني أتطلع إلى الاستمرار في العمل مع دولة الإمارات العربية المتحدة لدعم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وحول العالم.”

وقال كريستوفر شيرود المتحدث باسم البنتاغون إن الاتفاق الجديد مع دولة الإمارات العربية المتحدة “سيتيح للجيش الأميركي القدرة على الاستجابة بسلاسة أكبر لعدد من السيناريوهات داخل وحول الإمارات العربية المتحدة عند الضرورة”. ورأى خبراء في العلاقات الأمريكية الخليجية أن الاتفاق العسكري الذي تم توقيعه بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة يمثل تبدلا لافتا في الخرائط الدفاعية الأميركية في المنطقة ويوضح طبيعة الانتشار الأميركي الجديد فيها.

ويضيف هؤلاء الخبراء أن الاتفاق يكشف إمكانية إعادة تموضع للقوات الأميركية في المنطقة وفق رؤية جديدة تعتمدها واشنطن لطبيعة تحالفاتها في الشرق الأوسط. ورأوا أن الاتفاق بين واشنطن وأبوظبي يؤكد نهج واشنطن الجديد بالعودة إلى الشرق الأوسط وبمستويات عليا بعد أن لمحت إدارة الرئيس باراك أوباما السابقة إلى تخفيف التواجد العسكري الأميركي في المنطقة لصالح رفع مستويات الاستعداد العسكري الأميركي.ويعطي الاتفاق إشارات أولى عن خطط أميركية لإعادة تموضع كمي ونوعي في منطقة الخليج من ضمن مقاربة واشنطن لمسألتي مكافحة داعش والتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة. ووفق هؤلاء الخبراء يمنح الاتفاق الجديد الإمارات دورا واسعا في خطط الدفاع عن منطقة الخليج وفق شروط الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والتي سيؤكد قواعدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته المقبلة إلى السعودية.  إذ تمتلك الإمارات استراتيجية متميزة في مقاربة شؤون المنطقة، فهي جزء من جهود محاربة داعش وعضو فاعل في التحالف العربي في اليمن الذي يهدف إلى تحرير البلد من النفوذ الإيراني، كما أنها متحالفة مع السعودية ومصر وتمتلك علاقات متقدمة مع روسيا.

ويرون أن سماح واشنطن بتزويد الإمارات بأسلحة نوعية يعكس وعيا أميركيا للدور الذي تلعبه الإمارات في المنطقة كما يعكس تأييدا أميركيا للرؤى التي تنتهجها الإمارات في التصدي لحالات التطرف التي تبثها الجماعات الإرهابية في المنطقة،كما في التصدي لسلوكيات إيران التي تسببت من خلال شبكة نفوذها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، في أضرار جسيمة للجسم العربي وصب زيت على نار الانقسامات في بلدان المنطقة. ويؤكدون أن الإدارة الأميركية الراهنة حريصة على التشاور مع أبوظبي في كل ما من شأنه تصويب استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط.

ويُذكر أن هذا الاتفاق الدفاعي يأتي بعد أيام ستة أيام من موافقة الخارجية الأمريكية على بيع 60 صاروخا من طراز “باتريوت باك-3” و100 صاروخ من طراز “جيم- تي”، إلى الإمارات العربية المتحدة، في صفقة تقدر بحوالي 2 مليار دولار، وفقا لما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية. وأفاد البيان الذي صدر عن وكالة التعاون الدفاعي الأمني، التابعة للبنتاغون، الخميس، أن عملية البيع المقترحة، بناء على طلب من الإمارات، “سوف تساهم في السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بتعزيز أمن حليف مهم”. وأضافت وكالة التعاون الدفاعي الأمني أن الإمارات العربية المتحدة “كانت وما زالت قوة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط”، وتابعت بالقول إن هذه الصفقة تتماشى مع مبادرات الولايات المتحدة لدعم الحلفاء الرئيسيين في المنطقة بأنظمة متطورة تساعد في العمل المشترك مع القوات الأمريكية وتعزز الأمن”.

مما تقدم يمكن القول أن دولة الإمارات العربية المتحدة بما تحققه من رفاه اقتصادي وتعزيزه لمواطنيها في ظل محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي ووزير الدفاع، مدعومًا برؤية استراتيجية في الحفاظ على أمنها وإقامة علاقات دبلوماسية متقدمة مع الدول العظمى والكبرى من خلال جهود الشيخ محمد بن زايد آل نهيان  تؤسس لنموذجًا ناجحًا في إدارة الدولة، فكلاهما يسيران في خطين متوازيان متناغمان لتحقيق المصلحة العليا لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وحدة الدراسات الخليجية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية