لماذا لا تستطيع روسيا أن تنسحب من سورية؟

لماذا لا تستطيع روسيا أن تنسحب من سورية؟

قد يكون من الصعب التمييز بين المهم وغير المهم في أي يوم مخصوص. وتعني التأملات عمل ذلك بالضبط -التفكير فيما حدث اليوم، يمكننا أن نقدر ما قد يحدث غداً.
في منتجع بلدة سوشي، على ساحل البحر الأسود، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استراتيجية خروج ممكنة من سورية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويعزز الاجتماع الذي اختتم في الرابع من هذا الشهر مدى الإلحاح الذي تحاول به روسيا تخليص نفسها من الوضع الذي أصبحت متورطة فيه. وكان أحد العناوين التي طرحت للمناقشة في اللقاء، تطبيق فكرة مناطق نزع التصعيد -أو ما تدعى المناطق الآمنة- في سورية، في جزء من اقتراح للمضي قدماً في المفاوضات لإنهاء الصراع الجاري. ومع ذلك، في مكان آخر في المنطقة، خرج الثوار السوريون من محادثات السلام في العاصمة الكازاخية، أستانا، في 3 أيار (مايو)، مقوضين الجهود المبذولة لجعل المتحاربين السوريين يناقشون حلاً ممكناً للصراع. وتلقي هذه الخطوة الضوء على الصعوبات التي تواجهها روسيا -وكم هو من غير المرجح أن ينجح الكرملين في خطته الرامية إلى تحقيق خروج سلس من سورية.
نجح تدخل روسيا في سورية، بالعمل جنباً إلى جنب مع إيران في دعم القوى السورية الموالية، بطرق عدة. فمن ناحية، أضفت مشاركة روسيا الاستقرار ساحة المعركة وساعدت على استعادة الميزة لقوات الحكومة السورية. وعلاوة على ذلك، لم يقتصر دخولها في الصراع على تأمين قواعد لها في البلد فحسب، بل وفر لها أيضاً أرضية للاختبار، والتي يمكن فيها إنضاج أفراد الجيش وعرض المعدات العسكرية الروسية. وأخيراً، أدى التدخل إلى رفع مستوى الجاذبية الجيوسياسية لموسكو، جاعلاً الكرملين لاعباً أساسيا في المنطقة.
مع ذلك، فإن روسيا، بعد أن لعبت دوراً رئيسياً في الصراع، تسعى الآن إلى إخراج نفسها من ساحة المعركة في الوقت المناسب. ومع كافة المكاسب التي تحققت من مشاركتها في الأزمة السورية، تدرك موسكو أيضا التكاليف الكبيرة أيضاً -والأهم من ذلك حقيقة أن المزايا التي تحققت حتى الآن يمكن أن تتبدد بسهولة بمرور الوقت، خاصة إذا طال أمد الحرب دون نهاية في الأفق.
كما أن علاقات موسكو مع مؤيدي المتمردين المهمين، مثل تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، اهتزت أيضاً، خاصة وأن روسيا كثفت دعمها لدمشق. وعلاوة على ذلك، يأتي هذا الدعم بثمن يُدفع بالدم والمال. وقد ارتفع معدل الاصابات العسكرية الروسية فى الأشهر الاخيرة، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى زيادة مشاركة قواتها على الأرض.
لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن موسكو تدرك جيداً حقيقة أنه كلما طال أمد وجودها في سورية، قلت قدرتها على التوصل إلى اتفاق مواتٍ يمكن أن يخدمها. وقد حاولت روسيا منذ فترة طويلة استخدام موقفها في الصراع كوسيلة لاستخلاص تنازلات أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا، وإجبارهما على القدوم إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، وكما يُظهر هجوم خان شيخون الذي شنته الطائرات السورية بالأسلحة الكيميائية، فإن الأحداث يمكن أن تعرّي سريعاً مدى وحدود نفوذ روسيا في البلاد. وفي الوقت نفسه، ما تزال القوات الروسية تجد نفسها في مواجهة قوات معارضة عازمة، وأصبحت موسكو تعاني من نفس المعضلات التي واجهتها الولايات المتحدة في العقد الماضي في العراق وأفغانستان.
في محاولة لتجنب سيناريو المستنقع، غيرت روسيا موقفها فى أواخر العام الماضي. وظهرت الأدلة على ذلك التحول الذي حدث أولاً أثناء المحادثات مع الولايات المتحدة، ومرة أخرى مع سعي موسكو للاستفادة من الانفراج مع تركيا، في الاتجاه نحو التوصل إلى حل سياسي تفاوضي تدعمه مبادرات وقف إطلاق النار. لكن تركيا كانت غير راغبة وغير قادرة على إقناع مشهد الثوار الذي يزداد تطرفاً باطراد بتقديم التنازلات التي تسعى إليها روسيا. وعلى الرغم من ذلك، أدت مشاركة روسيا المكثفة في الصراع إلى تقويض محاولات الوساطة التي تبذلها أنقرة. وبالإضافة إلى ذلك، ظلت الحكومة السورية، إلى جانب إيران، متشككة في المبادرات والدوافع الروسية، مُظهرة أنها أكثر رغبة في التوصل إلى حل عسكري لصراع يظل أكثر أهمية وحساسية بكثير لمصالح دمشق وطهران الأساسية.
الحقيقة هي أن التوصل إلى حل سياسي تفاوضي للصراع السوري أصبح غير مرجح الآن أكثر مما كان عليه عندما بدأت روسيا أولاً باتخاذ خطوات مؤقتة نحو الخروج. وقد أدى استمرار العنف في سورية إلى تقويض أي إيمان متبقٍ بفعالية العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار المعلنة -وهي فترات الهدنة التي كانت لتشكل أساساً حاسماً لمواصلة المفاوضات.
في هذه الأثناء، أصبحت فصائل المتمردين أكثر تشدداً مع مرور الوقت، مظهرة مرونة ومقاومة ملحوظتين وسط قوة النيران الهائلة من الموالين وحلفائهم. ومن الواضح بشكل متزايد أنه حتى لو تم رد الثوار على أعقابهم عسكرياً، فمن المرجح أنهم سيلجأون إلى تكتيات التمرد وحرب العصابات بدلاً من إلقاء أسلحتهم. وفي الوقت نفسه، فإن قدرة روسيا على القيام بدور الوساطة قد أُضعفت تماماً بسبب حملاتها الجوية الكثيفة ضد المدن والقرى التي يسيطر عليها الثوار -وهو ما أبرزه الثوار بوضوح وهم يخرجون من محادثات أستانا أوائل هذا الشهر.
لقد وجدت روسيا نفسها، إلى جانب إيران، عالقة في صراع دائم بدون أي طريقة لإنجاز خروج سهل. وحتى مع استمرار موسكو في التفكير في طريق هروبها، فإن أي تسوية تفاوضية يجب أن تخدم المصالح الفضلى للكرملين في نهاية المطاف، وهو هدف تثبتُ صعوبة تحقيقه باطراد. وبسبب عدم تمكن موسكو من التخلي تماماً عن دمشق وعدم رغبتها بالمقدار نفسه في التخلي عن مصالحها في سورية، فإن دور موسكو في النزاع يمكن أن يضر -بدلاً من أن يساعد- بمحاولاتها لتحسين العلاقات الحرجة مع دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وتركيا. وتماماً مثلما يمكن أن تنقلب اتجاهات الحرب في ساحة المعركة، تغيرت حظوظ روسيا في سورية، وليس نحو الأفضل. وبينما اختتم الرئيسان الروسي والتركي اجتماعهما في سوتشي في 4 أيار (مايو)، فإن ثمة سؤالاً واحداً يبقى أمام الكرملين: ما هي نهاية اللعبة القابلة للحياة؟

الغد