زيارة ترامب للسعودية رسالة دعم ضد إيران والتهديدات الإرهابية

زيارة ترامب للسعودية رسالة دعم ضد إيران والتهديدات الإرهابية


الرياض – يقدم الباحث البريطاني ديفيد ب. روبرتس توصيفا دقيقا للعلاقة الأميركية السعودية حين يقول عنها إنها هي قصيدة غنائية للمدرسة الواقعية في العلاقات الدولية وانتصار للواقعية السياسية التي تتغلب على الفوارق الكبيرة في طبيعة الدولة والمجتمع والدين والسياسة والعلاقات الدولية والنظرة المستقبلية.

وتأتي الزيارة التي يؤديها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية لتؤكد على ذلك، خصوصا وأنها تجاوزت التقاليد المعروفة عن مثل هذه الزيارات. ولم تكتف الرياض بأن تجعلها زيارة “تعارف” تنتهي بتقليد الرئيس الأميركي قلادة الملك عبدالعزيز، وهو أرفع وسام في المملكة العربية السعودية.

اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدوره أن يكسر القاعدة بأن يزور بلدا قريبا من المحيط الأميركي في أول رحلة خارجية رسمية له، وكانت الرياض أولى محطات جولته. والظرف الإقليمي والوضع الدولي اقتضيا أيضا ألاّ تكون هذه الزيارة تقليدية، بل زيارة عمل وصفقات وتفاهمات على أعلى مستوى.

وكانت وكالة أسوشيتد بيرس الأميركية للأنباء كشفت عن بعض نقاط الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأحد أمام ضيوف الرياض، والذي سيتابعه كل العالم باهتمام، مشيرة إلى أنه من بين ما سيذكره ترامب “لسنا هنا لإلقاء محاضرة لنقول للشعوب الأخرى كيف تعيش وماذا تفعل أو من أنتم، نحن هنا بدلا من ذلك لتقديم شراكة في بناء مستقبل أفضل لنا جميعا”.

وتبيّنت بعض ملامح هذه الشراكة والتفاهمات السبت مع وصول الرئيس الأميركي، مصحوبا بأبرز أعضاء فريقه ومن بينهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون والمستشار ستيفين بانون مستشار الأمن القومي الفريق هيربرت رايموند ماكماستر، بالإضافة إلى صهره وكبير المستشارين جاريد كوشنر، إلى الرياض حيث كان في استقباله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وانطلقت بعد جلسة الترحيب في قصر اليمامة في الرياض أعمال القمة السعودية الأميركية بحضور كبار مسؤولي البلدين. وتناولت القمة السعودية الأميركية استعراض العلاقات التاريخية بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والعالم والجهود المبذولة لاستقرار وأمن المنطقة.

وكان هناك حيّز من الحديث حول اليمن حيث تقود الرياض في اليمن المجاور منذ مارس 2015 تحالفا عسكريا عربيا في مواجهة الحوثيين المدعومين من طهران. وقبيل ساعات من وصول ترامب إلى الرياض، اعترضت القوات السعودية صاروخا باليستيا أطلقه الحوثيون على جنوب غرب الرياض. وقالت قيادة التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية في بيان إن الدفاع الجوي السعودي اعترض “صاروخا باليستيا أطلقته الميليشيات الحوثية فوق منطقة غير مأهولة بالسكان شمال محافظة الرين، الواقعة على بعد 180 كلم جنوب غرب الرياض.

وتعد هذه القمة واحدة من بين ثلاث قمم رئيسية تنعقد على خلفية الزيارة بمستوى تمثيل غير مسبوق. وتجمع هذه القمم ترامب مع العاهل السعودي وقادة دول الخليج العربي وزعماء دول عربية وإسلامية. ودعا الملك سلمان إلى استغلالها من أجل إرساء شراكة جديدة بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية.

ومن أبرز محطات اليوم الأول للرئيس ترامب في الرياض زيارته برفقة الملك سلمان لمعرض الفن المعاصر في الديوان الملكي. ويهدف المعرض إلى إبراز الفن المعاصر السعودي، مع التركيز على إبداعات جيل الشباب، إلى جانب عرض عددٍ من الأعمال الحرفية لمجموعة من الفنّانين السعوديين والأميركيين. كما تم توقيع صفقات بعشرات المليارات من الدولارات مع سعي الرياض لتطوير اقتصادها المعتمد على النفط. وقالت شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية إنها وقعت اتفاقات قيمتها 50 مليار دولار مع شركات أميركية. وقال وزير الطاقة خالد الفالح إن الصفقات المبرمة مع جميع الشركات تتجاوز 200 مليار دولار.

مركز رقمي لمراقبة المتشددين

يأخذ موضوع التطرف والتشدد حيزا هاما من الأحاديث واللقاءات التي تجرى على خلفية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، والذي سيتحدث بدوره اليوم في خطابه عن سبل مواجهة التطرف وضرورة تكاتف الجهود لمواجهة الإرهاب، وهو أمر تنادي به الرياض أيضا كوسيلة من بين عدة وسائل لمحاربة هذا الخطر. وقال البيت الأبيض قبل الزيارة إن ترامب يتوقع نتائج ملموسة من السعودية في محاربة التشدد الإسلامي.

وستفتتح الرياض اليوم الأحد، بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب مركزا رقميا لمراقبة أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الإسلامية المتشددة على الإنترنت.

وقال محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومقرها السعودية، إن السعودية تريد أن تتجاوز الحربُ العمل العسكري لأنه يعلم أنه لا يمكن هزيمة هذه الجماعات إلا بهزيمة فكرها. وأضاف أن تنظيم القاعدة لم يسقط بسقوط حركة طالبان لأن فكره ما زال قائما.

وأكد العيسى، وهو أيضا مدير مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع ويشغل مقعدا في هيئة كبار العلماء، أن السعودية بدأت بالفعل مبادرات لإغلاق المواقع الإلكترونية للمتشددين وتكذيبها.

ويهدف مركز الحرب الفكرية الذي بدأ عملياته الشهر الماضي إلى تصحيح ما يصفه بأنه ضلال عن الإسلام عبر قنواته على مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب. وقال العيسى إن التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية أسس أكبر مركز رقمي في العالم لمراقبة أنشطة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة على الإنترنت. وأضاف أن المركز الرقمي أغلق الآلاف من مواقع المتشددين الإلكترونية.

رغم التوتر الذي شاب في بعض الفترات العلاقات السعودية الأميركية، والذي سجل أعلى مستوياته خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلا أن مبدأ كارتر الذي يتعهد بتأمين منطقة الخليج من العدوان الخارجي، ظلّ دائما ركيزة أساسية في العلاقات، وإن تضرر في عهد أوباما الذي اختار التقارب مع إيران التي تجاهر بعدائها لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، أي أنها تخرق بشكل واضح وعلني مبدأ كارتر.

دعم عسكري

يستعيد دونالد ترامب، والذي يشبّهه كثيرون بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، هذا المبدأ ويعتبره أساس المرحلة القادمة من التعاون الأميركي السعودي خصوصا فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب والجماعات المتشددة ومختلف الأيديولوجيات المثيرة للفوضى.

لكن ترامب يؤمن أيضا، ومعه السعوديون، أن إنجاز هذا الوعد بقدرات أميركية بات أمرا مستحيلا، في ظل المتغيرات الكثيرة التي شهدتها المنطقة، وأيضا في ظل السياسة الدفاعية التي بدأت السعودية تتبعها منذ أن أعلنت عن عاصفة الحزم في اليمن في 2015، ثم تشكيل التحالف الإسلامي.

ولم يعد مفيدا السماح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة الخليج العربي، إذا لم يكن هناك منافع متبادلة وإذا بقي التهديد الذي تشكله إيران أساسا مستمرا في المنطقة. وقد برهنت السعودية في اليمن على أنها قادرة على استخدام الأسلحة التي تشتريها بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة.

وكان هذا حافزا لترامب الذي يرى أنه يجب على الحلفاء أن يدافعوا عن أنفسهم أيضا، ولا يكتفون بحماية الولايات المتحدة من جهة، كما أنه على واشنطن أن تراجع سياستها في الدفاع عن حلفائها. وتتنزل في هذا السياق الصفقات العسكرية التي تم الإعلان عنها السبت إثر لقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز ودونالد ترامب.

وأعلن مسؤول في البيت الأبيض عن عقود تسليح أميركية للمملكة العربية السعودية بقيمة 110 مليارات دولار في اليوم الأول لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض، وهدفها التصدي لتهديدات إيران ودعم جهود المملكة في مكافحة الإرهاب. وقال المسؤول إن مبيعات الأسلحة التي تشمل معدات دفاعية وخدمات عسكرية “تدعم أمن السعودية ومنطقة الخليج على مدى الطويل في مواجهة التهديدات الإيرانية”.

وتهدف المبيعات أيضا إلى “تعزيز قدرات المملكة في المساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، ما يخفف من الثقل الملقى على القوات الأميركية في تنفيذ تلك العمليات. ورأى المسؤول الأميركي أن الاتفاق على المبيعات “يظهر التزام الولايات المتحدة بشراكتها مع السعودية والشركاء الخليجيين، وإتاحة فرص إضافية للشركات الأميركية في المنطقة وخلق عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة في قطاع الصناعة الدفاعية الأميركية”.

في موازاة ذلك، شهد منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأميركي الذي أقيم في الرياض تزامنا مع زيارة ترامب التوصل إلى اتفاق “خطاب نوايا” مع شركة “لوكهيد مارتن” للاستثمار بقيمة ستة مليارات دولار في مجال تجميع 150 طائرة مروحية من طراز “بلاك هوك” في السعودية. وكانت السعودية، إحدى أكثر الدول إنفاقا على الأمن والدفاع، وأعلنت مؤخرا عن تأسيس شركة صناعات عسكرية جديدة، آملة في أن تتحوّل هذه الشركة إلى واحدة من أكبر شركات الصناعات العسكرية في العالم في غضون سنوات.

العرب اللندنية