القاهرة تسعى لاحتواء الأزمة المتصاعدة مع الخرطوم

القاهرة تسعى لاحتواء الأزمة المتصاعدة مع الخرطوم


القاهرة – نفى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء اتهامات الخرطوم لبلاده بدعم متمردين في إقليم دارفور غربي السودان.

وقال السيسي في مؤتمر صحافي مع المستشار النمساوي كريستيان كيرن بقصر الاتحادية في القاهرة الأربعاء “نحن لا نقوم بمثل هذه الإجراءات الخسيسة.. وسياسة مصر ثابتة ولا تتغير ولن تتغير.. وهي عدم التدخل في شؤون الآخرين”، مشددا على أن بلاده “لا تتآمر على أحد”.

وجاءت تصريحات السيسي بعد يوم من اتهام الرئيس السوداني عمر البشير في خطاب له أمام قيادة الجيش بالخرطوم، مباشرة مصر بالوقوف خلف الأحداث الأخيرة في دارفور.

وشهد شمال إقليم دارفور وشرقه الأسبوع الماضي جولة جديدة من الاشتباكات بين حركة تحرير السودان جناح مني اركو مناوي والقوات الحكومية.

وقال البشير إن المدرعات والعربات التي تم ضبطها لدى العناصر المتمردة مصدرها مصر، وكان متحدث باسم القوات السودانية المسلحة أكد أن تلك العناصر دخلت من ليبيا وجنوب السودان.

وهذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها البشير اتهامات للقاهرة بالوقوف خلف دعم المتمردين، وسبق وأن أطلق الأسبوع الماضي تصريحا مثيرا للجدل حين قال في حوار لإحدى وسائل الإعلام القطرية “مازلت صابرا على القيادة المصرية”.

ويسجل متابعون تصاعد موجة الخلافات بين مصر والسودان في الأشهر القليلة الماضية بشأن النزاع الحدودي الشهير حول مثلث حلايب وشلاتين، واتهام الخرطوم لأجهزة الأمن المصرية بدعم قوى المعارضة السودانية، ومد حكومة جنوب السودان بأسلحة متنوعة وفرض قيود تجارية وشروط خاصة بتأشيرات السفر إلى مصر.

وكانت هناك مساع للتهدئة تجلت في نتائج أعمال اللجنة المصرية السودانية المشتركة التي عقدت في الخرطوم الشهر الماضي، ولكنها فشلت على ما يبدو في احتواء الأزمة المتصاعدة بين البلدين.

هاني رسلان: هناك توجه سياسي سوداني يسعى لإحداث قطيعة مع القاهرة
وقال هاني رسلان الباحث المصري المتخصص في الشأن السوداني إن الاتهامات الموجهة إلى مصر جاءت من رأس السلطة السودانية وهو ما يدعو إلى القلق، لذلك يبدو الرد السريع من جانب الرئيس السيسي ووزارة الخارجية حاسما لأمور كثيرة.

ورأى رسلان في تصريحات لـ “العرب” أن غالبية الاتهامات السودانية مرسلة، لأن الأسلحة (المصرية) التي قيل إنه تم ضبطها في دارفور موجودة لدى دول عديدة، كما أن أحد الوزراء السابقين في الحكومة السودانية تحدث عن أن الأسلحة تدخل إلى الإقليم عبر الحدود المشتركة مع كل من جنوب السودان وليبيا.

وكان أمين حسن عمر، مفوض الرئيس السوداني للاتصال والتفاوض مع الحركات المسلحة، قال في تصريحات له أخيرا إن الهجوم الذي شنته حركات المعارضة المسلحة في إقليم دارفور يهدف إلى تعطيل رفع العقوبات الأميركية على السودان، وخلق إحداثيات جديدة.

ومعروف أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اتخذت قرارا بتخفيف العقوبات المفروضة على السودان منذ حوالي 22 عاما في يناير تمهيدا لرفعها كليا في يونيو المقبل، في حال استجاب الطرف السوداني لجملة من الشروط تتركز على الإصلاحات الداخلية.

واستبعد عمر أن تكون القاهرة خلف الهجوم، وقال “من المعلوم أن مصر تدعم ليبيا عسكريا وجنوب السودان كذلك، وإذا سئلت واتهمت بدعمها للمعارضة المسلحة تُجيب بأنها دعمت فعليا ليبيا والجنوب بالسلاح، لكن إذا تسرب السلاح إلى جهة أخرى فهي غير مسؤولة عن ذلك، وهذه المبررات من حيث الشكل لا غبار عليها”.

وأكد رسلان أن الاتهامات تمثل تصعيدا جديدا من جانب السودان، ضمن حملة منظمة تسير بخطوات متتالية وتعبر عن توجه سياسي يسعى لإحداث قطيعة مع القاهرة، مقابل التحالف مع إثيوبيا وقطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتنطوي على محاولة لتصوير مصر على أنها عدو حقيقي للسودان.

وأوضح أن الحملة ترمي أيضا إلى إحداث نوع من التعبئة الداخلية لإبعاد المعارضة عن أزمات حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ومحاولة جمع شمل الشعب السوداني ضد “عدو خارجي”.

وعلمت “العرب” من مصادر دبلوماسية أن لدى القاهرة خيارات كثيرة للرد على السودان، لكن لا تريد استخدامها في الوقت الراهن، لأنها تعول على الطرق الدبلوماسية، ولا تريد الانجرار وراء معارك تشغلها عن همومها الداخلية وتحدياتها الخارجية، وأنها تعطي أولوية لملف مكافحة الإرهاب بكل روافده.

وألمحت المصادر إلى أن القاهرة لديها غصة سياسية من الخرطوم التي لم تتوقف عن استقبال قيادات إخوانية على أراضيها وتوفر لهم ملاذات آمنة.

وحذرت المصادر من أن عدم توقف الاتهامات السودانية قد يضطر القاهرة إلى تغيير نهجها، واستخدام طرق دبلوماسية وأخرى خشنة لردع الحكومة السودانية، ملمحة إلى أن الأجواء الدولية يمكن أن تسير في غير صالح السودان.

العرب اللندنية