ليبيا أصبحت ساحة تصدر الإرهاب لأوروبا ودول الجوار وغياب الحل السياسي يفاقم المشكلة… وقرار إدارة ترامب تجنب الساحة الليبية خطأ… البلد مهم للمصالح الأمريكية والحرب على الإرهاب إبراهيم درويش

ليبيا أصبحت ساحة تصدر الإرهاب لأوروبا ودول الجوار وغياب الحل السياسي يفاقم المشكلة… وقرار إدارة ترامب تجنب الساحة الليبية خطأ… البلد مهم للمصالح الأمريكية والحرب على الإرهاب إبراهيم درويش


أعاد الهجوم الإرهابي الذي نفذه سلمان العبيدي، 22 عاماً، يوم 22 أيار/مايو في «مانشستر أرينا» وقتل فيه 22 شخصاً وجرح أكثر من 60 آخرين الإنتباه لليبيا التي لا تزال بعد ستة أعوام من الإطاحة بنظام القذافي ساحة للفوضى وعدم الاستقرار، أمن المواطنين فيها يتعرض للخطر وينظر جيرانها بخوف للتوجهات المتشددة التي استفادت من غياب السلطة وتنظر أوروبا بخوف لقوارب المهاجرين الذين استفادوا من الوضع ويحاولون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.
وأكثر من هذا فقد أعاد الهجوم للبريطانيين ذكريات هجمات مماثلة في 7/7/2005 التي أعلن تنظيم «القاعدة» مسؤوليته عنها وقتل فيها 59 شخصاً. ويظل العبيدي الذي عاد من ليبيا قبل أيام من تنفيذه الهجوم شكلاً جديداً من الإرهابيين ـ مواطن بريطاني على علاقة مع شبكة إرهابيين في ليبيا.
إلا أن العملية لا تختلف عن مجمل العمليات الإرهابية التي تعرضت لها أوروبا منذ عام 2012، حيث حمل المهاجمون حقائب وكان من الصعب اكتشافهم مبكراً نظراً لعدم وجود أرصدة أمنية في الساحات الجهادية السورية والليبية.
وتعلق عالية براهيمي، المؤسسة المشاركة لـ «ليغاتويس غلوبال» والباحثة السابقة في أوكسفورد ومدرسة لندن للاقتصاد في مقال نشرته صحيفة «الغارديان» أن السلطات الأمنية كانت في الماضي تراقب جماعات إرهابية معروفة وذات هياكل معينة أو أفراداً ظلوا بعيداً عن رادار الرقابة ولم تتوفر لديهم الوسائل لتنفيذ هجوم إرهابي.
ومن هنا يمكن أن يربط هجوم مانشستر بالتحديات الدائمة التي تعيشها ليبيا. فقد استفادت الجماعات الجهادية ذات الأطياف المتعددة من فشل الحكومة وسوء الإدارة بمرحلة ما بعد القذافي. بالإضافة لعدم اهتمام الغرب بليبيا بعد الإطاحة بالنظام عام 2011.
ومن هنا فضعف السلطة المركزية الموزعة على ثلاث حكومات أدى لانهيار النظام والقانون وإلى فراغ أمني وفساد وركود اقتصادي وتعزيز قوة الميليشيات بما فيها الجماعات الجهادية.
ويعتقد أن 32 مسلحاً قاموا بفرض حصار على منشأة الغاز الجزائرية «أميناس» عام 2013 وقتلوا 40 شخصاً اجتازوا الحدود الليبية مع الجزائر. وفي السياق نفسه فالمسلح الذي قتل 38 سائحاً في منتجع سوسة في تونس تدرب في صبراتة الليبية القريـبة من الحـدود مع تونـس.
وجاء منفذا الهجوم على متحف باردو بالعاصمة التونسية، عام 2015 من المعسكر نفسه. وتقول براهيمي إن تنظيم «الدولة» قام ببناء معقل قوته في وسط ليبيا وحول مسقط رأس القذافي، سرت التي تخلت عنها الحكومة الانتقالية وتم دمج الميليشيات داخل المدينة مع تنظيم «الدولة».
وتعامل هذا مع «ولاية سرت» كخيار لجوء حالة سقطت معاقله في الرقة والموصل بالإضافة لكونها «معيناً من المصادر التي لا يمكن ان تنضب» من ناحية الثروة النفطية التي تحتويها البلاد. وعندما قام بهجوم انتحاري على مصراتة قامت ميليشيا المدينة القوية بالمشاركة على سرت وأسهمت في طرد مقاتلي التنظيم منها نهاية العام الماضي.

فشل التجربة الجهادية

وأسهم في فشل تجربة الجهاديين في المدينة الموقف العام الذي مقت ما رآه «الحكم الأجنبي» ولم ينجح ببناء قاعدة دعم اجتماعي له. وترى الكاتبة أن خروج المقاتلين من سرت لا يعني نهاية التهديد الجهادي هناك. فقد قام عدد من القادة والمقاتلين الذين فروا من المدينة بإعادة تجميع أنفسهم في جنوبها.
وشنت المقاتلات الأمريكية غارات عليهم بداية كانون الثاني/يناير حيث قتل عدد من القادة والمقاتلين الذين كانوا يخططون لهجمات في أوروبا.
وكشـفت وثيـقة أستخباراتية إيطـالية عن محـاولة التـنظيم الوصـول إلى أوروبا من خـلال اسـتغلال خطط معالجة الجنود الجرحى من القوات الحكومية في الخارج.
وفي حالة ثبت أن الهجوم على مدينة مانشستر جرى التخطيط له في ليبيا فسيؤكد أن تنظيم «الدولة» هناك لا يزال حياً وقادراً على المواصلة بعد الخروج من سرت وإن بشكل جديد.
ولا تزال هناك مساحة لكي يبقى حاضراً على الساحة خاصة أن البلاد تعاني من أزمات سياسية ودعوات لتقسيم البلاد وسط تصعيد عسكري بين الأطراف، ففي الأسبوع الماضي قتل في مدينة سبها، جنوب البلاد 141 شخصاً. فيما تحدثت تقارير عن عمليات إعدام وقطع رؤوس. وعليه فتوسع مساحة المعركة قد يدخل البلاد في دوامة حرب أهلية حقيقية.
وترى براهيمي أن تطورات كهذه تفيد متطرفي تنظيم «الدولة»، فجماعات كهذه لا تزدهر في أوضاع كهذه فقط بل وتقوي العوامل التي تغذي الميول نحو التشدد. ففي ظل انتشار البطالة التي تصل إلى 40% فلن يجد الشباب إلا الجماعات المسلحة خياراً للعيش.
وليس غريباً تحول ما بين 250.000 ـ 350.000 مسلح نحو التشدد. وحتى ولو لم يكن منشأ هجوم مانشستر في ليبيا إلا أن تجاهل الدول الغربية للخطر الجهادي هناك وغياب الحل السياسي يعجل بنقل المشكلة في ليبيا إلى الغرب نفسه.

لم ينته

وترى مجلة «إيكونومست» الرأي نفس وهو أن هزيمة تنظيم «الدولة» لا تعني نهايته بشكل كامل. وفي عددها الأخير قالت إن تنظيم «الدولة» أصبح له بعد دولي. فبقاياه التي نجت من معركة سرت تجمعت في وديان صخرية، شرقي العاصمة طرابلس.
مضيفة أن عدد هؤلاء لا يتجاوز الـ 500 مقاتل وليس الآلاف الذين كانوا قبل نكسته الأخيرة. ولهذا السبب اضطر التنظيم للتعاون مع المقاتلين الموالين للقاعدة، بشكل يعطي صورة هلامية عن الوضع في ليبيا، وإن أخذنا بعين الإعتبار حالة العداء والتناحر القائمة بين التنظيمين بسبب قرار أبو بكر البغدادي الإنفصال عن التنظيم الأم وإنشاء «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وتقول «إيكونومست» إن المقاتلين من التنظيمين يتحركون في المناطق نفسها. ويعلق المحلق العسكري النمساوي السابق في ليبيا ولفانغ بوستزاي قائلاً: «اتخيل أنهم ينسقون لوجيستياً ويتشاركون في المعلومات».
وتشتكي حكومة الوفاق الوطني من عدم قدرتها على تنظيم هجمة برية بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة في الجنوب. كما أن هناك مشاكل في استهدافهم من الجو خاصة أن مقاتلي تنظيم «الدولة» توقفوا عن التنقل بأعداد كبيرة بعدما قتلت المقاتلات الأمريكية 80 عنصراً من عناصرهم في غارة شنتها بداية كانون الثـاني/ينـاير.
وهم ويتحركون الآن بأعداد صغيرة في طرق جانبـية. وتقول حكومة الوفاق الوطني إنها تراقبهم في واحدة من قواعدهم وهي بني وليد، فيما تقوم أمريكا بمراقبتهم من الجو. ومنذ الصيف الماضي أرسلت الولايات المتحدة طائرات تجسس من قواعدها في تونس وتقوم الآن ببناء قاعدة للدرون في النيجر.
وتعلق المجلة أن الدول المجاورة تخشى من تحول ليبيا إلى قاعدة تدريب للمتشددين حيث يعودون بعد التدريب لمواصلة نشاطاتهم ضدها. ولهذا قررت تشاد إغلاق الحدود بينها وبين ليبيا خشية من تدفق الجهاديين إلى أراضيها.
وافتتحت الجزائر قاعدة عسكرية قرب الحدود الليبية لحماية حدودها. أما تونس والتي عانت من هجمات عدة فقد أقامت جداراً على طول حدودها مع ليبيا. ومع ذلك يحتفظ تنظيم «الدولة» بخلايا في صبراتة، في الغرب من أجل مساعدة المقاتلين للدخول والخروج.
أما أوروبا التي تبعد 400 كيلومتر عن الساحل الليبي فتراقب الوضع الليبي الذي أصبح وبسبب الفوضى المعبر الرئيسي للمهاجرين الأفارقة.
ورغم المراقبة البحرية للشواطئ فقد استطاع 50.000 مهاجر الوصول إلى إيطاليا قادمين من ليبيا هذا العام. وهناك مخاوف من اختلاط عناصر تنظيم «الدولة» بالمهاجرين. وترى المجلة أن التنظيم يراقب الوضع ويتحرك بهدوء حيث يحاول مع حلفائه بناء قوته وبصبر.
أما عن تسوية الوضع في البلاد فلا تزال بعيدة المنال. ويعني استمرار الفوضى مساحة جديدة للجهاديين كي يعيدوا ترتيب صفوفهم من جديد. وبالتالي استمرار المخاوف والعمليات في اتجاه أوروبا.

ردع

وكدليل على غياب سلطة الحكومة فإن من قام باعتقال رمضان العبيدي والد المنفذ وهشام العبيدي شقيقه هي قوات الردع الخاصة التي تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إنها أصبحت جزءاً من الحرب على تنظيم «الدولة» بعد القلق العام من ممارسات مقاتليه.
رغم أن ظهورها الأول ارتبط بمداهمات تجار المخدرات والخمور. وكانت تقارير قد قالت إن شقيق المنفذ هشام اعترف بعلاقته بتنظيم «الدولة» وأنه كان على علم بخطط شقيقه سلمان، وهي مزاعم ولم يتم التأكد من صحة المعلومات حولها.
ونقلت الصحيفة عن صديق قديم لعائلة رمضان العبيدي قوله إن الميليشيات اعتقلت رمضان عندما كان يحضر لمؤتمر صحافي يتحدث فيه للصحافيين في طرابلس. ولا يعرف عن التحقيق لكنه شكك بصحة المعلومات المتوفرة عن اعتراف الشقيق في ضوء ما يثار حول سمعة «الردع».
ولم يتم التأكد من الطريقة التي تم فيها انتزاع المعلومات من الشقيق. وقال الصديق «أفضل لو اختطفني البريطانيون أو الأمريكيون على اعتقال هؤلاء لي». ورغم خضوع قوات الردع الإسمي لوزارة الداخلية إلا أنها تمارس نشاطاتها بشكل مستقل وتسيطر أمنياً على نصف العاصمة تقريباً.
وشاركت منذ إنشائها قبل نصف عقد تقريباً في عدد من المداهمات ضد تجار المخدرات والخمور والتي عادة ما تقود إلى سجن أو إعدام التجار حسب شريط فيديو على صفحة «فيسبوك» الجماعة.

رابطة

وفي تقرير لبورزو دراغاهي في موقع «باز فيد» قال فيه إن ثناء والد الانتحاري على الجماعات المتشددة بما فيها تنظيم «القاعدة» يقترح وجود رابطة بين الجيل القديم من الجهاديين والحاليين في أوروبا.
وبنى الكاتب استنتاجه على ما وضعه رمضان على حسابه الخاص فيسبوك «تهانينا لجبهة النصرة» و»نصركم الله على الكفار». وكان رمضان قد فر من ملاحقة نظام القذافي له بعدما كان عضواً في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في التسعينات من القرن الماضي إلى بريطانيا. وقاتل أفراد الجماعة في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي ومن ثم عاد بعضهم لمواجهة نظام القذافي.
وأكد قبل رمضان قبل اعتقاله أنه لم يعد عضوًا في الجماعة التي أجرت نفسها مراجعات داخلية. وتعود الموضوعات التي وضعها على صفحته إلى أربعة اعوام سابقة وصور بالإضافة لعمله في دائرة الأمن المركزي التابعة لميليشيا تعمل في طرابلس.
ويرى الكاتب أن دعم رمضان لعمليات غرفة عمليات ثوار ليبيا يشير لرابطة بين جيل الجهاديين الذين قاتلوا في أفغانستان والأنظمة العربية الشمولية والجيل الجهادي الذي يقوم بعمليات وتفجيرات في أوروبا. ويعتقد الكاتب أن العملية في مانشستر قد تدعم مواقف الرجال الأقوياء في مصر وليبيا وأنـه لا فـرق بـين جماعـات الإسـلام السـياسي.

دور أمريكي

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة للدور الأمريكي في ليبيا، ففي نيسان/إبريل قال الرئيس دونالد ترامب إن بلاده لن تلعب دوراً ناشطاً في ليبيا مثل باراك أوباما. وقال «لا أرى دوراً الآن في ليبيا واعتقد أن الولايات المتحدة لديها في الوقت الحالي الكثير من الأدوار».
ويعلق بن فيشمان في ورقة بحثية صدرت عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قائلاً: «مع أن ليبيا لم تكن على رأس اهتمامات السياسة الأمريكية إلا أن البلد يظل مهماً للمصالح الأمريكية في البحر المتوسط والشرق الأوسط بشكل عام». ولهذا فانسحاب الولايات المتحدة من الجهود لتأمين ليبيا وتحقيق الاستقرار بها سيكون خطأ».
ويرى أن الدور الأمريكي من خلال الغارات الجوية ساعد على احتواء العنف عن معدلاته العالية في الفترة ما بين 2014 ـ 2015 وأدى لزيادة انتاج وتصدير النفط وهزيمة تنظيم «الدولة».
ويشير للأدوار التي باتت الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا تلعبها في الشأن الليبي ودعم الجنرال خليفة حفتر وجيشه الوطني. ويقول لو تراجعت الولايات المتحدة عن دورها فسيملأ حفتر والقوى الداعمة له الفراغ. وبالتالي اندلاع حرب أهلية جديدة وعودة تنظيم «الدولة».ويعتقد الكاتب أن ليبيا مستقرة مهمة لحدود أوروبا الجنوبية وتمنع بالضرورة اختراق الجماعات الإرهابية والمجرمين المهاجرين الباحثين عن طريق إليها. كما أن ليبيا مستقرة يسهم في استئناف تصدير النفط والغاز لأوروبا. وفي غياب سياسة مكافحة إرهاب متماسكة ودعم عملية السلام والحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة يعني تلاشي كل هذه المنافع.
وبدون دعم أمريكي فستظل أوروبا ضعيفة كي تؤثر على الحل الليبي خاصة أن دولها منشغلة بمصير الإتحاد الاوروربي والتهديد الروسي على حلف الناتو. وتقوم ورقة الباحث على تجربته في مجلس الأمن القومي الأمريكي في الفترة ما بين 2011 ـ 2013 ومتابعته لموضوع ليبيا أثناء فترة أوباما والدروس المستخلصة من الدور الأمريكي في هذه الفترة.

خمس حكومات

ويرى الباحث أن الخلافات السياسية في ليبيا ظهرت بعد 6 أشهر من الإطاحة بنظام القذافي حيث شهدت منذ تلك الفترة خمس حكومات انتقالية مع وجود قوتين عسكريتين تقتسمان البلاد، حفتر وجيشه الوطني وقوات مصراتة «البنيان المرصوص» وميليشيات أخرى حيث واجهت عملية الكرامة قوات فجر ليبيا.
ويشير هنا لدور الأمم المتحدة في محاولة بناء إجماع بين الأطراف المتصارعة. وفضلت هذه التحرك للإمام بحكومة وإن لم تلق دعم الجميع بدلاً من الانتظار حتى تتفق كل الأطراف على حكومة واحدة. ورغم الإعتراف بحكومة الوفاق الوطني إلا أن دور الجنرال حفتر والمصادقة على الحكومة لا يزالان من أكثر الموضوعات إثارة للإنقسام. لهذا السبب قضى مارتن كوبلر، المبعوث الأممي عام 2016 كله وهو يحاول جمع الأطراف على اتفاق.
ولكن حكومة مجلس النواب في طبرق وحفتر كانا العقبة التي وقفت أمام عمل فعال لحكومة فائز السراج الذي انتقل من تونس إلى طرابلس في نيسان/إبريل 2016. ولم تنجح الجهود الإقليمية بردم الخلافات بين المتنافسين. ففي بداية الشهر الحالي نظمت الإمارات اجتماعاً بين السراج وحفتر لم تنتج عنه سوى تصريحات متناقضة، بالإضافة لجهود تونسية وجـزائرية ومصـرية.
ودخلت روسيا في الفترة الأخيرة إلى الساحة الليبية حيث شاهدت تراجعاً في الدور الأمريكي. لكن روسيا تظل عراباً غير مقبول للسلام بسبب علاقاتها التاريخية مع القذافي ودعماً لحفتر وقربها من مصر التي تقوم بحملة ضد الإسلاميين. ويرى الكاتب أن القوى الخارجية عقدت من الأمور. فمنذ 2011 تلعب الإمارات ومصر دوراً بدعم النخبة العسكرية السابقة في عهد القذافي ضد الميليشيات الإسلامية.
ودعمت مصر والإمارات حفتر وشنتا غارات ضد جماعة فجر ليبيا. ويبدو أنهما تؤمنان بحل الرجل القوي لليبيا وكوسيلة لحماية الحدود المصرية. وانجذبت الحكومتان لخطاب حفتر المعادي للإخوان المسلمين في وقت تجنب فيه مواجهة تنظيم «الدولة» في سرت. ومع أن تركيا وقطر لعبتا دوراً في دعم فجر ليبيا إلا أن الأتراك انشغلوا بمشاكلهم الداخلية أما القطريون فقد خففوا من الدعم بسبب الحل الدبلوماسي.
ومن بين الدول الأوروبية الناشطة في الملف الليبي (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) لعبت إيطاليا دوراً مهماً حيث أقامت مستشفى ميدانياً في مصراتة أثناء عملية سرت وأعربت عن استعداد للمساهمة عسكرياً حالة طلب حكومة الوفاق الوطني منها.
وقدمت بريطانيا وفرنسا دعماً أمنياً ويلعب سفيراها في تونس دوراً في المحادثات بزيارات منتظمة لطرابلس. وبالنسبة للدور الروسي فقد زار حفتر موسكو أكثر من مرة وكذا السراج ووفد من مصراتة. وأشارت بعض التقارير لوجود متعهدين روس يدعمون حفتر. وفي شهادة أمام الكونغرس قال الجنرال توماس وولدهاوسر، قائد القيادة المركزية في أفريقيا إنه قلق من الدور الروسي في ليبيا. وقارن الدور الروسي هنا بالتدخل في سوريا. ومثل المصريين والإماراتيين يشعر الروس أن حفتر قادر على تأمين البلاد وبالتالي عودة العلاقات كـما كانـت في عـهد القـذافي.
وفي ضوء الإنسداد السياسي الذي تعيشه ليبيا وتعدد اللاعبين فمن المفيد أن تظهر إدارة ترامب اهتماماً بالعملية السياسية الليبية. وكلما ظلت أمريكا غير ناشطة في ليبيا فتحت الباب أمام غيرها من اللاعبين لتطبيق اجنداتهم.
والخطوة الأولى هي دعم العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة والتأكد من عدم سيطرة أي لاعب على البلاد سواء كان هذا حفتر أم «البنيان المرصوص» في مصراتة. ويجب الحفاظ على العقوبات وحظر تصدير الأسلحة كما هي. وفرض عقوبات جديدة على من يحاول عرقلة العملية السلمية. ومن هنا يجب على إدارة ترامب الطلب من الدول العربية الداعمة لأطراف في ليبيا القيام بدور بناء.
ويمكن أن يكون مدخل الإدارة لليبيا هو مكافحة الإرهاب. وهي بحاجة لتوسيع عمليات جمع المعلومات والعمل مع الحلفاء الاوروبيين. وسيعتمد نجاح العملية في ليبيا على الدور الذي سيمنح للقيادة المركزية في أفريقيا القيام بعمليات مكافحة الإرهاب.

المصدر : لندن ـ «القدس العربي»