معركة تكريت: حرب داعش.. تقاسم الأدوار بين واشنطن وطهران

معركة تكريت: حرب داعش.. تقاسم الأدوار بين واشنطن وطهران

بدأت الحكومة العراقية مؤخراً اتخاذ بعض الخطوات الجدية والفعلية على طريق تحرير بعض أراضي العراق من قبضة تنظيم داعش، فبعد أن أحبطت القوات العراقية مدعومة بغارات للتحالف الدولي هجوماً لداعش على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار غرب العراق يوم 13 فبراير الماضي، وهي القاعدة التي تضم حوالي 300 من مشاة البحرية الأمريكية، تقف القوات العراقية على مشارف استعادة مساحات مهمة من محافظة صلاح الدين الواقعة في وسط البلاد والواصلة بين شرقه وغربه.

وتقوم القوات العراقية بتنفيذ عملية جديدة بمدينة تكريت -مركز محافظة صلاح الدين -، والتي تقع على بعد 140 كم شمال غرب بغداد، منذ مطلع شهر مارس الجاري 2015، حيث تعتبر محافظة صلاح الدين العراقية البوابة الرئيسية لتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش، خاصة بعد أن أصبحت بؤرة لتجمع عناصر التنظيم الذين فروا من ديالى والضلوعية وجرف النصر وآمرلي بعد تحريرهم، أي أن للمدينة أهمية استراتيجية وأخرى معنوية أو رمزية، نظراً لأنها مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين.

تفتح معركة تكريت المجال لتحليل وقراءة سير هذه العملية، سواء من الناحية العسكرية أو من ناحية قراءة المواقف الخارجية خاصة الأمريكية والإيرانية، وما لهذه العملية من تداعيات تتعلق بالاستعدادات المكثفة لقوات الأمن العراقية والدعم الأمريكي لتحرير الموصل أولى المدن التي استولى عليها داعش في يونيو 2014، وهل يمكن اعتبار أن ما يجري في العراق في تلك المرحلة هو بداية حقيقة لانحسار قدرات داعش في العراق كخطوة للقضاء عليه.

المشهد الميداني للعملية وأهميته الاستراتيجية

تعد محافظة صلاح الدين ذات أهمية استراتيجية لا يمكن إغفالها عند تقييم جدوى العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي على الأرض، نظراً لما تتمتع به المحافظة من موقع جغرافي متميز، حيث تعتبر حلقة وصل مع نينوى شمالاً حيث الموصل، ومع الأنبار غرباً ومحافظة كركوك شرقاً، وتتقاسم المحافظة حدوداً مع محافظات ديالى وبغداد والأنبار ونينوى وكركوك، إضافة إلى ارتباط جغرافي بإقليم كردستان عبر محافظتي السليمانية وأربيل.

من هنا فإن عملية استعادة مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش منذ الصيف الماضي، من شأنها أن تغير من موازين القوى، لأنها ستؤمن الخط الممتد من بغداد مروراً بسامراء وتكريت، وصولاً إلى مدينة بيجي التي تحوي أكبر مصفاة نفط عراقية.

وقد شكلت مدينة تكريت على مدى الأشهر الماضية تحدياً للقوات الأمنية العراقية نتيجة لتحرك تنظيم داعش منها في اتجاهات عديدة في المحافظات العراقية، مما كان يصعب عملية مواجهته أو تقييده، فانطلقت عملية تحرير المدينة من ثلاثة محاور: الأول عبر شمال سامراء بقيادة الحشد الشعبي، والثاني عبر قضاء العوجة بقيادة قوات مكافحة الإرهاب، والثالث عبر قاعدة سبايكر جنوب تكريت بقيادة قوات مشتركة من الجيش والقوات الأمنية، وذلك بمشاركة القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي.

ويمكن اعتبار نجاح الجيش العراقي في تحرير تكريت أنه يعني تطهير نحو 90% من محافظة صلاح الدين من مسلحي “داعش”، وبالتالي تعد خطوة لانحسار التنظيم في عدد محدود من المدن مثل نينوى والأنبار، مما يمكن ويساهم في إسراع الجيش العراقي من دخول الموصل، لذلك تم اعتبار عملية تحرير تكريت مقدمة لتحرير الموصل.

استطاعت القوات العراقية مدعومة بقوات الحشد الشعبي تحرير بعض المواقع في المحافظة، ومنها مدينة الدور القريبة من تكريت، وتعد استعادة بلدة الدور ذو دلالة استراتيجية واضحة، نظراً لأن تنظيم داعش يتخذ منها إحدى نقاط ارتكازه في محافظة صلاح الدين، وخط دفاع رئيسي عن المدينة، وكذلك بدأت تشير بعض التقديرات إلى اقتراب القوات العراقية من تحرير بلدة العلم التي تربط مدينة تكريت وبلدة الحويجة.

ولكن من ناحية أخرى، يمكن الإشارة إلى أن المعركة الأخيرة في تكريت قد تفتح المجال لوجود نوع من الاختلاف في إدارة الأمور العسكرية الخاصة بسير المعارك في المدينة، حيث فضل وزير الدفاع خالد العبيدي بتفقد عمليات شرق الكرمة في المدينة التابعة لمحافظة الأنبار والمحاذية لمحافظة بغداد، في الوقت الذي تركت فيه الإدارة العسكرية لمدينة تكريت إلي رئيس فيلق القدس قاسم سليماني بما يعني الرعاية الإيرانية المباشرة لمجريات الأحداث؛ وهو الأمر الذي يحمل مخاطر مستقبلية من تكرار هذا المشهد في معركة الموصل المرتقبة، ويزيد من تعقد وتشابك المشهد الأمني في العراق في تلك المرحلة وفي المراحل اللاحقة.

عملية تكريت.. الإيجابيات والسلبيات

تطرح عملية تحرير تكريت بعض الإيجابيات والسلبيات التي يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي:

1 ـ المخاوف الطائفية:

تعد عملية تحرير تكريت من أكبر العمليات العسكرية في العراق ضد تنظيم داعش، لكن رغم الإيجابيات الواضحة لهذه العملية، فهي تحمل في طياتها أيضاً العديد من المخاوف من إمكانية تحول عملية تحرير المدينة إلى عملية انتقامية من السكان السنة، كما سبق وأن حدث في محافظة ديالى، وكذلك في جرف الصخر جنوب بغداد، مع نجاح الميلشيات الشيعية المسلحة، وفي مقدمتها عصائب أهل الحق وميليشيا بدر بزعامة هادي العامري وميليشيات أخرى تابعة لإيران، من تصفية العديد من أهل السنة وتهجيرهم بشكل قسري والسيطرة على مناطقهم في وقت سابق، فهذه الميليشيات تمثل عصب المواجهات مع داعش في تكريت، ودائماً ما يرفض الجانب الإيراني حل هذه الميليشيات بشكل قاطع وصريح، خاصة إيران تستثمر في هذه الميليشيات لإحكام السيطرة على الأوضاع الميدانية في العراق، من أجل المحافظة على أجندة إيران ومصالحها في العراق، حيث باتت طهران هي من ترسم ملامح السياسات العسكرية اليوم بالعراق.

إن هذه المخاوف هي التي دفعت المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني إلى دعوة القوات الأمنية العراقية، خاصة قوات الحشد الشعبي، إلى حماية سكان هذه المناطق ذات الغالبية السنية، وهو ما أكد عليه الشيخ عبد الأمير الكربلائي، ممثل السيستاني في خطبة الجمعة 6 مارس 2015 في مدينة كربلاء، حينما أشار إلى أهمية ضبط النفس وعدم الخضوع لأي انفعالات نفسية.

وجاءت هذه الدعوات بالتحديد بعدما تردد حول أن تكون العملية العسكرية لاستعادة تكريت جاءت كعملية انتقامية لمجزرة قاعدة سبايكر العسكرية شمال المدينة، بل ودعا الكربلائي الحكومة لدعم العشائر السنية التي تقاتل التنظيم في محافظة الأنبار،وهي الدعوات التي تؤكد حرص المرجعية الشيعية في العراق على الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الوطنية العراقية وعدم الانجرار وراء الدعوات الطائفية التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاط الدولة العراقية في بؤر الحرب الطائفية.

2 ـ أدوار متداخلة.. ما بين الظاهر والمسكوت عنه

تتزايد هذه المخاوف الطائفية، مع بروز الدور الإيراني بشكل واضح في تلك العملية، سواء من خلال تقديم الاستشارات العسكرية للقيادة الأمنية العراقية أو من خلال التسليح والتدريب المباشر للمقاتلين العراقيين، وهو ما يبرر وجود “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس الذي يعد الذراع الرئيسي للتدخل الإيراني العسكري الخارجي. وعلى الرغم من أن هذا الدعم ليس جديداً على ايران في العراق، إلا أن الجديد هذه المرة أنه قوبل بنوع من الترحيب الأمريكي، وكأنه إقرار أمريكي غير مباشر بأن الوضع في العراق لن يستقيم إلا من خلال الاعتراف والقبول بالدور الإيراني الذي تعاظم منذ 2004، هذا علاوة على إدراك الجانب الأمريكي معرفة إيران الواضحة بطبيعة الجغرافيا العراقية، والدور الملحوظ لها في دعم ومساندة الميليشيات الشيعية للحفاظ على بغداد من أي تهديدات محتملة من تنظيم داعش.

إذن، تحمل معركة تكريت الأخيرة بصمة إيرانية خالصة، سواء من ناحية التخطيط والدعم العسكري والبشري للقوات المشاركة في العملية، في ظل تفضيل الولايات المتحدة النأي بنفسها عن العملية، وعدم الاشتراك في تنفيذ غارات جوية، وترك الساحة العسكرية مفتوحة أمام إيران.

ولا يعني هذا الترحيب الأمريكي وجود تنسيق فعلي بالضرورة بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب على تنظيم داعش، حيث يمكن أن يقتصر الأمر فقط على الملف العراقي، مع صعوبة أن يمتد أي توافق ضمني أو غير علني إلى المشهد السوري، نظراً للتعارض الواضح والكامل بين الطرفين فيما يتعلق بحلحلة الأزمة السورية.

ولدى تحليل وقراءة مسارات الحركة الخارجية الإيرانية في المنطقة، خاصة بعد اندلاع الثورات العربية في 2011، فإنه لا يمكن الفصل بأي شكل من الأشكال بين تحركات إيران وبين كواليس إدارة المفاوضات النووية مع الغرب، وما يمكن أن ينتج عن هذه المفاوضات من اتفاقيات ضمنية غير مباشرة تعطي حرية أكبر لإيران بممارسة دور إقليمي فاعل أكثر تأثيراً في العديد من ملفات المنطقة، وعلى رأسها الملف العراقي والسوري، والدور الإيراني في محاربة تنظيم داعش، والملف اليمني الآخذ في التصاعد منذ استيلاء جماعه الحوثيين علي العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي.

ويبقى التساؤل يدور حول الموقف الأمريكي غير الواضح من تواجد وممارسات ومستقبل الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في العراق لمواجهة داعش، إذ على الرغم من إدراك الولايات المتحدة خطورة تواجد مثل هذه الميلشيات المسلحة ذات الطابع الطائفي في المستقبل، فإنها تدرك من ناحية أخرى عدم قدرة الجيش العراقي والقوات الأمنية العراقية على تحقيق أي إنجاز ميداني ملموس بدون دعم ومساندة هذه الميليشيات بشكل رئيسي.

لكن هذا التوجه الأمريكي محفوف بالمخاطر، لما يحمله من تهديدات، سواء في تلك المرحلة مع وضوح الرؤية بأهمية واستراتيجية دور العشائر السنية في مواجهة التنظيم، خاصة في معركة الموصل المنتظرة، وهو الدور المرهون بإعادة ثقة العشائر السنية بالحكومة العراقية، وهو الأمر الذي تعرض للعديد من الهزات في المرحلة السابقة، أو سواء ما يحمله من تهديدات مستقبلية يمكن أن تؤدي إلى دخول الدولة العراقية في نفق مظلم مع تأجيج الصراعات الطائفية بمجرد القضاء على تنظيم داعش.

لذا يمكن القول إن عملية تكريت لا يتوقف نجاحها فقط عند نجاح القوات العراقية في تحرير المدينة بشكل كامل، ولكن يمتد ليشمل عودة الأهالي وسكان المدينة إلى ديارهم بشكل آمن دون أن يتعرضوا لأي أعمال طائفية من قبل الميلشيات الشيعية المسلحة؛ مما يرسخ مخاوف المكون السني، وبالتالي إذا نجحت العملية الأخيرة بتجاوز هذه المخاوف والتهديدات، فإن ذلك سيفتح المجال لأن تكون العملية لها آثار إيجابية واضحة على مجريات الأوضاع الأمنية في العراق في المرحلة اللاحقة.

من ناحية أخرى، تعكس العملية تقاسماً في الأدوار والمناطق بين الولايات المتحدة وايران في الحرب على تنظيم داعش في العراق، ففي منطقة الأنبار والمناطق القـريبة من الأكـراد تقود الولايات المتحدة الجهود والتدريبات والدعم من أجـل تطـوير خطة لاستعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم، فيما تلعب إيران دوراً في المناطق التي تعتمد فيها الحكومة العراقية على الميليشيات الشيعية بشكل كبير، خاصة في ديالى وتكريت.

ويجوز القول بكلمات أخرى إن إيران وجدت الفرصة الأكثر تناغماً مع مصالحها من أجل بسط الهيمنة والنفوذ على معظم المحافظات العراقية بما فيها المحافظات السنية، في ظل حرصها الدائم على أن يظل الطريق من إيران إلى سوريا ولبنان ممهد ومسموح به عبر البوابة العراقية، خاصة من خلال محافظتي نينوي والأنبار ذات الحدود المشتركة مع سوريا.

مروة وحيد

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة