نعم للقائمة المشتركة

نعم للقائمة المشتركة

بعد أسبوع سوف تجري الانتخابات الإسرائيلية، وسط انقسام حاد وأزمة قيادة تعانيها الأحزاب الصهيونية، التي افترسها اليمين القومي الديني، محولا حزبيها الرئيسيين: الليكود والعمل إلى بقايا أحزاب.
الجديد اللافت في هذه الانتخابات هو القائمة العربية المشتركة، حيث نجحت الأقلية الفلسطينية في الدولة العبرية في وضع خلافاتها جانبا، من أجل خوض معركة الكنيست بقائمة موحدة، وذلك للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان الصهيوني.
أهمية هذا الحدث الاستثنائي تكمن في مسألتين:
الأولى هو أنه لحظة وعي لضرورة الوحدة الداخلية في مواجهة سياسة المحو والإلغاء والتشرذم، وهي سياسة ثابتة اتبعتها الدولة الإسرائيلية منذ تأسيسها الدموي، من أجل إخضاع وترهيب وتفتيت «الأقلية» الفلسطينية التي بقيت في بلادها بعدما فقدت البلاد اسمها وهويتها. ومن أجل صدّ الهواء العنصري الأصفر الذي يضرب اسرائيل، ويسعى إلى تمرير قانون «قومية الدولة»، الذي يعلن بشكل نهائي ان على الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضهم المغتصبة الخضوع لواقع استعبادهم وتهميشهم وتهشيم حياتهم.
والثانية هي انه يأتي رداً واضحاً ومباشراً على التشرذم ومناخات الانقسام التي تضرب الساحة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وفي الشتات. كما يشكل نقيضا لمناخات التفكك في العالم العربي الذي يجتاحه الدمار والحروب الطائفية.
الشيوعيون والقوميون اليساريون والإسلاميون والمستقلون في قائمة مشتركة يخوضون معركة حماية الوجود الفلسطيني بمسؤولية عالية، وبروح نضالية، يجب أن تشكل علامة تحول في الواقع السياسي الفلسطيني، ولحظة سياسية/ ثقافية يستعيد فيها الغائبون- الحاضرون حقهم في الوجود معلنين حقيقة بلادهم التي تتعرض منذ أكثر من ستين عاما لحملة محو وحشية تستخدم كل أدوات القمع والعنصرية.
نعم للقائمة المشتركة.
من هذه النعم يجب أن يبدأ أي نقاش. نعم تعني ويجب أن تعني تصويتا فلسطينيا كثيفا، من أجل ان يرتفع الصوت الفلسطيني ويشكل سداً في وجه العنصرية الإسرائيلية.
نعم للقائمة المشتركة، ليس من أجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد فقط، بل من أجل أن تتحول تجربة الوحدة هذه من مستوى التحالف الانتخابي الظرفي، إلى مستوى بناء إطار موحد، سيكون الكنيست عتبته، لكنه يجب أن يتجاوز الانتخابات من أجل أن يكون للفلسطينيين إطار سياسي في داخل الداخل.
هناك بالطبع أسئلة كثيرة يجب الإجابة عنها قبل الوصول إلى إطار وطني ينظم التمثيل السياسي لشعب تحول بفعل التطهير العرقي إلى أقلية في وطنه.
ولكن قبل الأسئلة، فإنني على يقين من أن الشعب الفلسطيني في الداخل يعي أهمية تشكيل القائمة، ويعي أن معركته الحقيقية هي مع النظام العنصري الصهيوني، ويعرف أنه يخوض الآن المعركة في المكان الصحيح أي يتصدى للتناقض الرئيسي، ويؤجل التناقضات الثانوية.
هذا هو الدرس الذي تقدمه القائمة المشتركة، إنها عودة إلى ألف باء المواجهة، أي إخضاع التناقضات الثانوية لضرورات مواجهة التناقض الرئيسي. هذا التصور هو الذي استطاع ان يجعل فلسطين تنهض من الركام، وتستعيد اسمها وأفقها وفكرتها وقضيتها.
لا نستطيع تحميل فلسطينيي الداخل جميع أعباء الحركة الوطنية الفلسطينية، لكننا ننظر إلى تجربتهم بصفتها نموذجاً، وهذا ما يجب أن تعيه جميع القوى السياسية المشاركة في القائمة، فالفشل ممنوع، والعودة إلى التناقضات الثانوية بات اليوم خطا أحمر، والمهمة الكبرى هي في كيفية تحويل التنوع والاجتهادات المختلفة إلى تنافس إيجابي من ضمن أفق الوحدة الذي صار اليوم انجازاً.
بكلام آخر فإن القائمة المشتركة ليست سوى إطار للمشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية، أما مهمة تأسيس الأطر الوحدوية والديموقراطية للتمثيل الفلسطيني في الداخل، فإنها تقع على كاهل جميع الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
الأطر الوحدوية للفلسطينيين في الداخل مهمة صعبة ومعقدة، لكنها أولا مهمة نضالية، يجب أن تتضافر من أجل الوصول إليها جميع القوى، وهي مهمة سوف تصطدم بعنصرية السلطة الصهيونية، التي كانت سياساتها تجاه الفلسطينيين في وطنهم تتلخص في تحويل حضورهم إلى غياب، وفي محاولات تفتيتهم وإذلالهم من خلال سياسات مدروسة بدأت مع الحكم العسكري، وتتخذ اليوم أشكالا متعددة من بينها إثارة النعرات الطائفية، وتأسيس شبكات جديدة من العملاء تجد في التفتت العربي مبرراتها من محاولة تجنيد المسيحيين إلى تأسيس «القومية الآرامية» المثيرة للسخرية.
الوحدة لا تعني محو الخلافات الفكرية والأيديولوجية، بل تقدم إطارا لإعطاء هذه التوجهات المختلفة مشروعيتها من خلال وضعها داخل أفق الوحدة، وفي إطار النضال من أجل الحق في الوجود، وفي المواطنة، وفي التعبير السياسي والثقافي المستقلين عن آلة الدولة الصهيونية.
في الماضي القريب لعب الداخل دوراً كبيراً في بلورة الوعي الفلسطيني الجديد. فالمقاومة تشكلت في الثقافة أولا من خلال محورين: الأول في حيفا والناصرة وقد تجسّد من خلال أصوات إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم ورفاقهم، والثاني في بيروت وقد تمثل أساسا عبر تجربة غسان كنفاني الروائية والنضالية.
وحين نتكلم عن كنفاني وحبيبي ودرويش فإننا لا نتكلم عن الأدب فقط، بل نتكلم عن فكرة فلسطين التي من دونها لم يكن لفلسطين أن تستعيد نفسها وتنفض عنها غبار حرب النكبة، كما علمنا أدوارد سعيد.
في ذلك الزمن بدا الفرق شاسعا بين تجارب هذين المحورين، بل بدت التناقضات كبيرة، لنكتشف اليوم أن تعدد الخطاب لم يكن تناقضا بل كان تنوعا، لأن مؤسسي الخطابين لم ينسوا يوما أن التناقض الرئيسي هو مع الاحتلال ودولته.
التجربة الخصبة لذلك التعدد يجب ان تكون اليوم نموذجا يحتذى، لكن في الظروف الحالية فإن هذا يحتاج إلى مأسسة، وإلى بناء وعاء ديموقراطي، يعترف بالتعدد الفكري والسياسي، لكنه ينطلق من ضرورة العمل المشترك، ومن حق فلسطينيي الداخل في التعبير عن وجودهم وثقافتهم وحقهم في وطنهم.
لا أوهام، الكنيست الإسرائيلي سوف يبقى مجرد منبر، والقائمة المشتركة يجب أن تكون بداية مسيرة بناء إطار سياسي موحد للأقلية الفلسطينية في داخل اسرائيل، كأحد أشكال التعبير عن وجود فلسطيني واحد في كل مكان.
الآن هو وقت العمل من أجل أن تتأسس الوحدة في الشارع الانتخابي، وأن تنتصر القائمة المشتركة عبر تماسكها وقدرتها على أن تكون بداية تمثيل سياسي موحد للفلسطينيين في إسرائيل.
بعد أسبوع سيقول، الناخبات والناخبون، نعم للقائمة وللوحدة ولفلسطين.

القدس العربي