تساؤلات حول الهوية العربية أو ما تبقى منها

تساؤلات حول الهوية العربية أو ما تبقى منها

يتساءل الكاتب الألماني ستيفان بوخن في مقال صدر له مؤخراً يحمل عنوان: «ما الذي تبقى من العرب؟»: «هل ستستمر الهوية العربية بالحياة؟ وهل تستمر الثقافة العربية؟ إنه السؤال الذي يطرح نفسه اليوم. فبالنظر لدوامة الانهيار الاجتماعية- السياسية اليوم، فإن الهوية العربية تقف أمام مفترق الطرق».

وهو سؤال يمتلك لا ريب شرعيته بالنظر إلى النهاية الكارثية التي انتهى إليها الربيع العربي، ومعه أحلام ملايين من العرب. يتحدث الكاتب الألماني عن دور الإمبريالية الأميركية، ودول مثل إيران وإسرائيل في الوقوف أمام المشروع العربي، ويتحدث أيضاً عن الحركات الإسلاموية كرد فعل على هذا التدخل، وعن فشل النخب العربية وعن أن الدول العربية ومشاريعها المختلفة لن تنقذ الثقافة العربية إلخ… لكن ربما يكمن خطأه الأساس في انطلاقه من هوية عربية جوهرانية ومطلقة، وهو يغفل في ذلك أن تلك الهوية العربية التي ينعيها، لم تكن أكثر من هوية سياسية، فرضت على شعوب المنطقة من فوق، وتعفرت عند أول امتحان بالتراب.

فهي هوية نجحت في أمر واحد: أن تنهزم كلما وعدتنا بالانتصار، وها هي الآن تسعى إلى تفكيك حتى ذلك الوهم السياسي الذي حكم العرب ودغدغ مشاعرهم واستوطن أحلام يقظتهم ومنامهم لعقود. وإذا تأملنا تلك الهوية السياسية، التي لم نخترها، فنحن في العالم العربي، كما كتب عبدالله العروي يوماً، «نكتشف الدولة قبل أن نكتشف الحرية»، سنجد أنها تقوم على فكر الوحدة. لقد ارتبطت أحلام الشارع برجل وحيد، وغالباً بحزب واحد، فاختفى الرأي المختلف، وتقهقرت حاسة النقد، وتحولت الهوية إلى سجن كبير، أو إلى منفى للروح والجسد. ونزعت تلك الهوية إلى إنكار حقوق الآخرين من أكراد وأمازيغ، بل إلى إنكار حقوق كل من يفكر في شكل مختلف، ويطالب بوطن تحكمه الحرية لا الهوية.

أما في البلدان الدينية، فاتخذت تلك الهوية طابعاً دينياً، وتحولت إلى سيف مسلط على الرقاب، فلم يكن الخروج عليها يمتلك رمزية سياسية فقط، بل دينية أيضاً. وهكذا كلما تغول النظام السياسي في قمع معارضيه باسم الهوية العربية، ازداد انزلاق هذه الهوية إلى المستنقع الغيبي.

يخطئ الكاتب الألماني في رأيي أيضاً حين يربط في سؤال واحد بين الهوية العربية والثقافة العربية، بل إذا تأملنا تاريخ العرب المعاصر، سنكتشف أن الثقافة العربية وقفت ضد الهوية العربية، وأنها من فتح لنا أعيننا على وهم هذه الهوية، ونزعاتها الإقصائية، كما تفتح أعيننا اليوم على خطر المشاريع الدينية. ولقد انتبه أنصار الهوية إلى الدور النقدي لتلك الثقافة، وسعوا لإخراس روحها النقدية، أو تمييع دورها أو تبخيسه، أو تحويلها إلى مشاريع وجوائز ومناصب وبرامج تلفزيونية، تؤبّد الجهل والانبطاح أكثر مما ترسخ قيم النقد والمعرفة.

انطلق الكاتب الألماني في مقاله من رواية «مجانين بوكا» للروائي العراقي شاكر نوري، وهو لا ريب موفق في اختياره، فسجن بوكا يلخص تاريخ العرب المعاصر والنهاية الدرامية لنظام لطالما أوهمنا بـ «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»!

رشيد بو طيب

صحيفة الحياة اللندنية