استراتيجية ترامب التبسيطية للتعامل مع الجهادية

استراتيجية ترامب التبسيطية للتعامل مع الجهادية

بعد ستة أيام من هجمات 11/9، ذهب الرئيس جورج دبليو بوش إلى المركز الإسلامي في واشنطن لتهدئة المخاوف من احتمال حدوث صدام حضارات بين العالم الإسلامي والغرب. وقال في تلك المناسبة: “إن وجه الإرهاب ليس هو الوجه الحقيقي للإسلام. إن الإسلام يعني السلام”. ثم بعد ثلاثة أيام وأمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، وصف بوش التحدي الذي يشكله تنظيم القاعدة بعبارات سياسية وليس بعبارات دينية أو ثقافية. وقال للكونغرس: “هذه معركة كل الذين يؤمنون بالتقدم والتعددية والتسامح والحرية. لن يكون هذا عصراً للإرهاب. سوف يكون هذا عصر الحرية هنا وفي كل العالم”. وكان تعزيز الديمقراطية من خلال بناء الأمة ثيمة مركزية في رئاسة بوش.
بعد ذلك، دعا خطاب الرئيس باراك أوباما الرئيسي الذي وجهه إلى العالم الإسلامي في العام 2009 إلى “بداية جديدة” بين الدول المسلمة والدول الغربية، مشيراً إلى “ما تدين به الحضارة للإسلام”. وأعلن أمام طلبة جامعة القاهرة: “إننا نعرف أيضاً أن القوة العسكرية وحدها لن تحل المشاكل”. واستشرف أيضاً حلولاً سياسية واقتصادية للتصدي للتطرف.
وقال أوباما: “يتوق كل الناس إلى تحقيق أشياء أكيدة: قدرتك على التحدث بما يجول في خاطرك؛ وأن يكون لك رأي في الكيفية التي تحكم من خلالها؛ والثقة في حكم القانون والإدارة المتساوية للعدالة؛ وحكومة شفافة لا تسرق من الشعب؛ وحريتك في أن تعيش وفق الطريقة التي تختارها”. وأشار إلى أن “هذه ليست مثلاً أميركية وحسب. إنها تتعلق بحقوق الإنسان، ولذلك سوف ندعمها في كل مكان”. كما كشف عن خطط لإنفاق مليارات الدولارات على شكل مساعدات أميركية لبناء مدارس ومستشفيات وطرق ومشاريع تجارية، ولمساعدة المشردين بسبب الصراعات في العالم الإسلامي.
لكن دونالد ترامب اتخذ موقفاً مخالفاً بطريقة مدهشة خلال حملته الرئاسية. وقال لأندرسون كوبر من شبكة “سي. أن. أن” الأميركية قبل أربعة عشر شهراً: “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”. وقال لمحطتي”أم. أس. أن. بي. سي” و”فوكس نيوز” إنه يرغب في إغلاق المساجد في الولايات المتحدة. وفي المناظرة الرئاسية في تشرين الأول (أكتوبر) في لاس فيغاس، كان منتقداً بشكل خاص للسعودية. وقال: “هؤلاء أناس يدفعون المثليين من فوق أسطح البنايات، وهم أناس يقتلون النساء ويعاملوهن بشكل مخيف. ومع ذلك تأخذون المال منهم”. وتابع هذه الثيمة في أيامه الأولى في الرئاسة، حيث أصدر أمراً تنفيذياً يحظر سفر رعايا سبعة بلدان (خفضت لاحقاً إلى ستة) ذات أغلبيات مسلمة. وقد قضت المحاكم الأميركية بأن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب غير قانوني، لكن إدارة ترامب ما تزال تستأنف الحكم الذي أصدرته المحاكم الأميركية.
في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس، حاول ترامب تعديل الموقف في السعودية، مهد الإسلام. وهناك امتدح الإسلام باعتباره “واحداً من أعظم الديانات في العالم”، ووصف زيارته بأنها بداية لـ”فصل جديد” بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. وفي قصر يعج بمظاهر الثراء، تحدث إلى عشرات من القادة الذين جمعتهم السعودية من العالم العربي والإسلامي. وفي المقابل، عاملته المملكة الغنية بالنفط والتي تواجه صعوبات سياسية وعسكرية معاملة الملوك، حيث غطت صور وجه ترامب أعمدة الإنارة في العاصمة السعودية، الرياض.
كانت رسالة ترامب الرئيسية هي أن على المسلمين فعل المزيد –الأكثر بكثير- لقتال المتشددين الذين انتشروا من شمال إفريقيا إلى جنوب آسيا منذ 11/9 . وقال: “لا تستطيع دول الشرق الأوسط انتظار القوة الأميركية لسحق عدوها نيابة عنها”. وبينما يقرأ ببطء من ملقن ألكتروني، حث ترامب، بل وحتى طالب: “اطردوهم إلى الخارج! اطردوهم خارج دور العبادة عندكم! اطردوهم من مجتمعاتكم! اطردوهم من أرضكم المقدسة! اطردوهم من هذه الأرض!”
كانت بعض لغة ترامب عن الإسلام مستقاة تماماً من كتاب بوش وأوباما الإرشادي نفسه. وقال ترامب: “ليست هذه معركة بين ديانات مختلفة أو بين طوائف مختلفة أو بين حضارات مختلفة. إنها معركة بين مجرمين بربريين يسعون إلى محو الحياة الإنسانية وبين الناس المحترمين، وكل ذلك باسم الدين”. وأعلن أنها “معركة بين الخير والشر”.
من الملاحظ أن ترامب لم يستخدم واحداً من مصطلحاته المفضلة– “الإرهاب الإسلامي المتطرف”. وقد حاول مستشاره للأمن القومي، هـ. ر. مكماستر، حمل الرئيس على عدم استخدام هذا المصطلح، بشكل علني على الأقل. وكان ترامب قد هاجم أوباما خلال الحملة الانتخابية لعدم استخدامه المصطلح -حتى أنه اعتبر “أي شخص لا يستطيع تسمية عدونا باسمه غير مناسب لأن يقود هذا البلد”. وفي الرياض، كانت كلمة ترامب الأصلية قد دعته بدلاً من ذلك إلى التحدث عن “التطرف الإسلامي.” ومع ذلك، حاد عن النص وتحدث عن “التصدي لأزمة التطرف الإسلامي والإسلامويين والإرهاب الإسلامي بكل أنواعه”. ويشعر الكثير من المسلمين بالحساسية من الإشارة إلى أن الإسلام والعنف مترادفان.
كان اختلاف استراتيجية ترامب الأكثر إدهاشاً عن كل من بوش وأوباما هو مقاربتها العسكرية إلى حد كبير للتطرف. وكان من أعلى أهداف رحلته الخارجية الأولى تأسيس تحالف من الدول العربية والمسلمة للتعامل مع التطرف ولمواجهة إيران وتعزيز السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وتمت تسمية التحالف بشكل غير رسمي “الناتو العربي”.
ويبدو أن الرئيس قد تخلى إلى حد كبير عن أفكار تعزيز الانفتاح السياسي أو معالجة المظالم الاقتصادية التي غذت الكثير من مشاعر الاستياء والسخط والتشدد، خاصة في أوساط الشباب العرب. وحتى المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط تعاني من معدل عال للبطالة في صفوف الشباب، والتي تقدر نسبتها بثلاثين في المائة. وأدت بطالة الشباب إلى تكوين آلاف الجهاديين الذين انضموا لكل من “داعش” والقاعدة على حد سواء.
قال ترامب للقادة المسلمين الذين جلسوا على أرائك جلدية تشبه العروش أسفل ثريات كريستال ضخمة: “نحن لسنا هنا لإلقاء محاضرة. نحن لسنا هنا لنقول للآخرين كيف يعيشون وماذا يعملون أو كيف يتعبدون. نحن هنا لنعرض الشراكة –المستندة إلى مصالحنا وقيمنا المشتركة- من أجل السعي إلى مستقبل أفضل لنا جميعنا”.
أطّر ترامب سياسته لمكافحة الإرهاب بمصطلحات “دعونا نبرم صفقة”: سوف تبيع واشنطن أسلحة للعرب مما سوف يخلق بالتالي وظائف في صناعة الدفاع في الولايات المتحدة. وفي كلمته، انحرف الرئيس عن الثيمة الرئيسية ليعلن أن إدارته خلقت تقريباً مليون وظيفة جديدة -مضيفاً أن تعهد المملكة باستثمار مليارات أخرى في الولايات المتحدة سوف يخلق الآفاً أخرى من الوظائف الجديدة.
عندما كان مرشحاً، اشتكى ترامب مراراً من أن الولايات المتحدة لم تحصل إلا على النزر اليسير من علاقتها مع المملكة السعودية. وكان ترامب قد غرد في العام 2014 على وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلاً: “قولوا للعربية السعودية والآخرين إننا نريد نفطاً بالمجان للسنوات العشر التالية، أو إننا لن نحمي طائراتهم الخاصة البوينغ 747. ادفعوا!”.
وفي ذلك العام غرد أيضاً: “أريد أن أعرف فقط كم ترغب السعودية والآخرون الذين نساعدهم دفعه نظير إنقاذنا لهم من الفناء. ادفعوا الآن”! وفي العام 2015، غرد أن السعودية “يجب أن تدفع كثيراً. لا ركوب بالمجان”.
مع ذلك، تبجح في الرياض بالأسعار المنخفضة التي تعرضها إدارته على السعوديين، وقال: “سوف نتأكد من مساعدة أصدقائنا السعوديين في الحصول على صفقة جيدة من شركاتنا الدفاعية الأميركية العظيمة”. ويقال أن صهره جاريد كوشنر، تدخل شخصياً مع شركة لوكهيد للتفاوض على صفقة أفضل للسعوديين.
وفي واحدة من تعليقاته الأكثر إثارة للدهشة، أعرب الرئيس عن تفاؤله حيال مستقبل الشرق الأوسط على الرغم من الحروب في ليبيا واليمن والعراق وسورية، والتي أفضت إلى مقتل مئات الآلاف من الناس، وإلى تفجر أكبر الأزمات الإنسانية وأزمات لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، وعودة الحكم الاستبدادي –وهي كوارث حطمت الآمال التي صنعها الربيع العربي.
وقال ترامب للقادة المسلمين الذين تجمعوا في الرياض: “لم تكن فرصة هذه المنطقة أكبر مما هي عليه الآن”. وربما كان الوهج الساطع الصادر عن الثريات الكريستال في الرياض هو ما أعمى بصيرته.

روبن رايت

صحيفة الغد