أوباما غض النظر عن شبكات إرهابية إيرانية لتمرير الاتفاق النووي

أوباما غض النظر عن شبكات إرهابية إيرانية لتمرير الاتفاق النووي

تكشف مداولات مجلس النواب الأميركي عما تعتبره الأوساط الأميركية “فضيحة” ارتكبتها إدارة البيت الأبيض السابقة وتهديدا للأمن القومي للبلاد، من خلال غض طرف متعمد عن أنشطة الجماعات الإرهابية التابعة لإيران كرما لعيون المفاوضين الأميركيين الذين كانوا يسعون عبر قنوات سلطنة عمان الخلفية، أو عبر قناة المفاوضات العلنية في إطار مجموعة الخمسة زائدا واحدا الدولية من أجل إبرام اتفاق حول البرنامج النووي الشهير.

وتفرج هذه المداولات عن كمّ من المعطيات الجديدة التي تميط اللثام عن الضغوط والتدابير التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والتي عملت عن عمد على شل أي عمليات تحقيق كانت تجرى بشأن الشبكات المالية التي تدار من قبل إيران وسوريا وفنزويلا الداعمة للإرهاب.

وتكشف المداولات التي جرت داخل مجلس النواب الأميركي أن إدارة أوباما كانت تسعى لإزالة أي عقبات من شأنها التشويش على كواليس المفاوضات التي كانت جارية مع إيران لإبرام الصفقة النووية الشهيرة، حتى لو كان ذلك على حساب أمن الولايات المتحدة ولصالح إهمال تحقيقات تطال شبكات طهران الإرهابية.

ويقول ديفيد آشر، وهو الذي عمل خلال عقود على تفكيك شبكات التمويل الإرهابية وشغل منصب مستشار للجنرال جون آلان في وزارتي الدفاع والخارجية، في شهادة أدلى بها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، “أن التحقيقات كانت تشمل الشبكات الإيرانية الممولة للإرهاب المتصلة بحزب الله وبتواطؤ مع شبكات فنزويلية”، لكنه فاجأ مستمعيه بالكشف “أن الوحدات التابعة للأجهزة الأمنية الأميركية، والتي كانت عاكفة على التحقيق في هذه الملفات قد تم تفكيكها وحلها خدمة لأجندة الإدارة الأميركية بشأن إيران”.

مستوى التعاون بين حكومتي فنزويلا وسوريا وحزب الله، وفق ما اكتشفته المخابرات الأميركية كان مدهشا

ويعتبر آشر، الذي يشغل حاليا منصب عضو في مجلس إدارة مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة أبحاث أميركية، أن واشنطن كانت قلقة من أن تؤدي هذه التحقيقات إلى تقويض المفاوضات مع إيران، وهو أمر قد يمكن فهمه ضمن سياق تلك المفاوضات وظروفها، لكن الأمر أدى إلى “أن تخسر الولايات المتحدة كنزا من المعلومات وأن تفقد البلاد كفاءات عالية في قطاع الأمن والاستخبارات كانت تملك خبرات عالية في هذا المضمار تمت إحالتها إلى التقاعد”.

تمويل الإرهاب في العالم

وتكشف جلسات الاستماع أمام هذه اللجنة البرلمانية المعنية بالسياسة الخارجية، أن الولايات المتحدة تركت تحت أعين أجهزتها الأمنية شبكات تمويل الإرهاب في العالم التابعة لإيران تواصل أعمالها وتطورها دون أي اعتراض أمني أو قانوني أميركي ودولي.

ويقول آشر إن الولايات المتحدة “فقدت فرصة القضاء على شبكة حزب الله التمويلية وعلى الشبكات التابعة لإيران”، والتي تعمل على تمويل الإرهاب، وتستخدم “نظامنا المصرفي وتدير شبكات إجرامية داخل أراضينا وبالقرب من شواطئنا، وتعمل بالتعاون مع كارتلات المخدرات التي تستهدف دولتنا ومجتمعنا”.

وفيما تشي هذه المداولات بفتح ملف الاتفاق النووي ومسؤولية إدارة أوباما في التوصل إلى إبرامه، إلا أنها تسلط الضوء أيضا على الخرق الأمني الكبير والقصور الذي سببته “المصالح السياسية” في تفكيك شبكات إرهابية دولية خطيرة على أمن الولايات المتحدة كما الأمن الدولي برمته.

ويقول آشر في هذا الصدد إن بلاده قد أضاعت الجهود الكبيرة التي بذلت في هذه الملفات، وفقدت المفاتيح الأساسية لاختراق هذه الشبكات. ويعتبر آشر أن الولايات المتحدة هي اليوم “أمام تحد حول كيفية بناء قدراتنا التي تأخذ بعين الاعتبار الاتفاق النووي وتسعى في الوقت عينه إلى تفكيك التمويلات المشبوهة التي تقوم بها الشبكات الإيرانية”.

وفيما يدور جدل قديم جديد داخل أروقة واشنطن حول كيفية إيجاد توازن ما بين المصالح السياسية والمتطلبات الأمنية لحماية البلاد، يرى آشر أن بلاده قد “ضحّت، من أجل الاتفاق النووي مع إيران، بالجهود القانونية والمخابراتية التي بذلت لإماطة اللثام عن شبكات حزب الله والشبكات الإيرانية الأخرى”.

ويكشف آشر أن الشبكة الإيرانية التي كان يجري العمل على مراقبتها ورصدها كانت تشمل مجموعات وحكومات متورطة في منح تغطية دولية للسياسة الخارجية الإيرانية، بما في ذلك استخدام الأنشطة الإرهابية والتمويلات المشبوهة وتهريب المخدرات والأسلحة واقتناء ونشر الأسلحة النووية.

وأوضح آشر أن “مستوى التعاون بين حكومتي فنزويلا وسوريا وحزب الله، وفق ما اكتشفناه وما راقبناه كان مدهشا، وأن الأدلة كانت متوفرة بوضوح وبشك حسي”، وكانت كفيلة بمنحنا ترسانة قانونية للقضاء على هذه الشبكات برمتها.

وأضاف أن النتائج التي توصلت إليها “التحقيقات كانت الأكثر نجاحا لاتخاذ إجراءات فعالة ضد حزب الله بعد سنوات من غياب أي فعل ناجع″، لكن قرار حل وحدات التحقيق التابعة للأجهزة الأمنية في هذه الملفات، حسب قوله، كان قرارا حاسما أدى إلى تقويض هذه النجاحات التي كانت في بداياتها، “ربما لأن الإدارة كانت تخشى من عواقب هذه النتائج”، حسب قوله.

وتقول مصادر في الكونغرس الأميركي إن إدوارد رايس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، يخطط لاقتراح التصويت على المزيد من قوانين العقوبات التي تستهدف حزب الله الأسبوع المقبل.

وإثر الشهادة التي أدلى بها آشر أمام اللجنة التي يترأسها، اعتبر رايس أن الأمر يمثل “درسا بشأن الأثمان التي تدفع جراء البحث عن صفقة بأي ثمن”. وتقول المعلومات إن تفكيك وحدات التحقيق الأمنية بشأن أنشطة الشبكات التابعة لحزب الله، كان على ما يبدو جانبا من جوانب الاتفاق النووي وتأثيراته على سياسة واشنطن الإيرانية والتي شهدت تحولات كبرى في الآونة الأخيرة.

وأشار رايس إلى قضية الإفراج عن سبعة أميركيين من اصول إيرانية تم الإفراج عنهم من السجون الإيرانية في إطار الصفقة النووية باعتبارها جانبا آخر من هذه الصفقة، علما أن تقارير أميركية سبق أن كشفت أن مسؤولين في وزارة العدل في عهد أوباما قد وجهت اللوم إلى هؤلاء السجناء المحررين بأنهم شكلوا تحديا للأمن الوطني.

توقيف قاسم تاج الدين

وقد أثيرت أسئلة هذا الأسبوع حول عدم نشر الإدارة السابقة معلومات عما تم اكتشافه من هجمات إلكترونية إيرانية تم رصدها ضد وزارة الخارجية الأميركية قي سبتمبر 2015، والتي كشفت تفاصيلها صحيفة واشنطن بوست الأميركية الأربعاء الماضي.

وفي إطار نفس جلسات الاستماع أمام لجنة رايس في مجلس النواب، قال دايفيد البرايت، وهو مفتش أسلحة سابق في الأمم المتحدة ويعمل حاليا لصالح معهد الأمن الدولي العلمي، إن إدارة أوباما، وبسبب خشيتها من إرباك الاتفاق النووي، تدخلت لوقف التحقيقات ضد شبكات إيران الإرهابية في العالم. وأشار ديفيد آشر في السياق نفسه إلى أن توقيف وزارة العدل الأميركية مؤخرا رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، والذي يعتبر من كبار المشرفين على شبكات حزب الله التمويلية، سيكشف الكثير عن هذه الشبكات، لكنه كشف “إننا كنا نملك أكثر من ذلك ومنعنا من المضي قدما في تحقيقاتنا لأسباب سياسية”.

ويضيف أنه “كانت لدينا عمليات في الخارج تم وقفها، وكانت لدينا ميزانيات تم قطعها، وأن مسؤولي الإدارة السابقة كانوا يعتبرون أن المهم هو تمرير الصفقة، وأن مكافحة شبكات الإرهاب الإيرانية أمر أقل أهمية”. مضيفا أنه “كان بإمكاننا أن نمضي في الخيارين معا وكان علينا فعل ذلك”.

ولا شك أن هذه المداولات البرلمانية تحمل الماء إلى طاحونة إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب لجهة التشدد في مقاربة العلاقة مع إيران وقراءة الاتفاق النووي معها، كما لجهة التشدد في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، بما في ذلك المجموعات التي تسيرها طهران.

صحيفة العرب اللندنية