حرائق طهران رسالة وتحذير

حرائق طهران رسالة وتحذير

اللهم لا شماتة. طبّاخ السم يذوقه، ومن يُخفي العقارب في عُبّه لا بد أن تلدغه واحدة منها ذات يوم.

قبل أسبوع تقريبا تباهى المرشد الأعلى علي خامنئي بأن إيران “جزيرة آمنة وسط منطقة لا تعرف الأمان”. وتساءل، خلال استقباله لحشد من مختلف الشرائح الاجتماعية، “أنظروا إلى دول المنطقة، هل هناك مكان آمن؟”.

ثم، وبسرعة فائقة، ردّ عليه إرهابيون قتلة يزعم تنظيم داعش أنه الذي أرسلهم، فأقدموا على اقتحام الجزيرة الآمنة، وأذاقوها بعض ما كانت عصابات حرسها الثوري ومخابراتها وميليشياتها العراقية واللبنانية واليمنية والبحرينية والسورية تذيقه للملايين من الآمنين في دول المنطقة من نار ودخان، منذ سنين.

ولعل أخطر ما في تفجيرات طهران الأخيرة أن الإرهابيين لم يختاروا لعمليتهم سوقا شعبيا في طهران، أو حسينية في قم، أو مدرسة في شيراز، بل تجرّأوا وغامروا واقتحموا أقدس شيء وأعز شيء وأغلى شيء على قلب الوليّ الفقيه، بقصد الإهانة والتحدي والعناد.

أذاعت وكالة تسنيم أن مسلحين “أطلقوا الرصاص في مرقد الخميني جنوبي طهران، ما أدّى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح”. وأفاد التلفزيون الإيراني أن “أحد المسلحين المهاجمين أقدم على تفجير حزام ناسف كان يرتديه، في حين قُتل مهاجم آخر”. وقال إن “القوات الحكومية ألقت القبض أيضا على امرأة كانت بين المهاجمين الذين استهدفوا قبر الإمام”.

لقد برهن الإرهابيون (الدواعش) الذين اقتحموا ضريح الإمام الخميني ومجلس الشورى على حقيقة غائبة عن فطنة الولي الفقيه، ولكنها ظاهرة لعيان الدنيا الواسعة كلها، ولا تحتاج إلى دليل.

فمثلما تستطيع أموال النظام الحاكم في طهران وتجارتُه بالدين والطائفة أن تشتري من المرتزقة والقتلة ما تشاء ومتى تشاء، وتجندهم لحرق المنازل والمساجد وتدمير العمارات والمدارس والجسور وقتل الأبرياء بالمفخخات والأحزمة الناسفة في شوارع المدن العراقية واللبنانية والسورية واليمنية والبحرينية، فإن هذا كله ممكن وسهل جدا على الجبهة المقابلة، دون ريب.

بمعنى آخر إن محترفي الاغتيال والتفخيخ والاغتيال موجودون وجاهزون للبيع أو الإيجار لمن شاء ومتى شاء.

وفي فبراير من العام الماضي أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي، وفق ما نقلته أسبوعية خط حزب الله الصادرة عن مكتب المرشد الأعلى، “لولا قتال الحرس الثوري (في سوريا) لتَعيَّن علينا خوضُ الحرب في كرمانشاه وهمدان والمحافظات الأخرى”.

وفي الفترة ذاتها أوضح نفس الفكرة العقيد أحمد غلامبور، أحد أبرز قادة الحرس الثوري، سابقا، والأستاذ في جامعة عسكرية بطهران، حاليا، في مقابلة مع وكالة فارس نيوز، فقال “إن الحرب مع العراق لم تكن حربا (إيرانية-عراقية)، كما يظن البعض، بل كانت، حسب توجهات الإمام الخميني، تهدف إلى تحقيق أهداف أبعد من الحدود العراقية”.

وأكد أن “الثورة الإسلامية الإيرانية لا تعرف حدودا معينة”. ثم قال إن جميع المحللين العسكريين يرون أن “أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم” وبناء على ذلك، وبفضل الاستراتيجيات التي وضعها المرشد فإننا نقلنا معركتنا مع العدو إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان”.

وقال “إن الأمان الذي ينعم به الشعبُ الإيراني هو بفضل خدماتنا بطرد العدوّ خارج حدودنا، والحرب معه خارج أراضينا”.

إذن، فحين يكون إشعال الحروب في سوريا ولبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان عملا “وطنيا” و”قوميا” و”دينيا” و”طائفيا” شريفا ومقدسا في شرعة النظام الإيراني فقد يكون اقتحام محرماته ومقدساته، كقبر الإمام الخميني ومبنى البرلمان (الشورى)، وحتى معسكراته ومقار حرسه الثوري في إيران الآمنة، عملا، أيضا، “وطنيا” و”قوميا” و”دينيا” و”طائفيا” شريفا ومقدسا، ودفاعا مشروعا عن النفس.

ولو لم يزعم داعش الذي حرص منذ بداية وجوده وإلى اليوم على أن يستثني إيران من دمويته وهمجيته، بأن “مجاهديه” هم الذين قاموا بالعملية في طهران لظن العالم بأن “فاعليها” بعضُ من أحرق الإيرانيون منازلهم ونهبوا أموالهم واغتصبوا أخواتهم وأمهاتهم وبناتهم وأهانوا مقدساتهم وهجَّروا الملايين من أهلهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ليُذيقوهم سوء العذاب بما كانوا يظلمون.

ولو كذَّبنا اتهام النظام الإيراني برعاية داعش، والإبقاء عليه وتسهيل أعماله، من أجل الاستفادة من فجوره وشروره، فتبرئتُه من تهمة ممارسة الإرهاب، بنفسه، في بلاد الله الواسعة، أمرٌ لا يستقيم مع العدل ولا مع العقل ولا الحقيقة.

فممارسة العنف كأداة سياسية إرهاب. وتمويله إرهاب. وتصدير الفكر الظلامي الطائفي والعنصري الذي يؤجج الأحقاد بين الطوائف والشعوب إرهاب.

والقتل على الهوية إرهاب. وتهريب السلاح والمال إلى جماعات متخلّفة متمردة في دول آمنة إرهاب أيضا. واحتلال جزر الغير إرهاب. وتحريك الطوابير الخامسة في الدول الأخرى إرهاب.

وتقول أنباء الإذاعات والتلفزيونات اليوم إن النظام الإيراني اتخذ إجراءات أمنية مشددة جدا، ونشر المفارز والسرايا في مداخل مباني الحكومة وفي الأماكن العامة تحسبا لجرائم تفجير جديدة يقوم بها إرهابيون من الداخل أو وافدون من الخارج.

ونسأل المرشد الأعلى الذي تباهى بقلة أمن دول الجوار: أليست عدالة من الله أن يعيد البعض من بضاعتكم إليكم؟ فالعين بالعين والسن بالسن والمفخخة بالمخففة والبادي أظلم. فهل من يَعتبر؟

إبراهيم الزبيدي

صحيفة العرب اللندنية