دير الزور ملاذ داعش كما كانت إدلب ملاذا للنصرة

دير الزور ملاذ داعش كما كانت إدلب ملاذا للنصرة

تحرز قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تقدما في الجهتين الشرقية والغربية لمدينة الرقة، الأمر الذي قد يضطر التنظيم إلى الانسحاب من الجهة الجنوبية غير المحاصرة.

ولا يستبعد مراقبون حصول سيناريو مشابه لمحافظة إدلب، حيث أن هناك توجها لحصر تنظيم داعش في رقعة جغرافية واحدة هي محافظة دير الزور المحاذية للحدود العراقية والتي يسيطر التنظيم على معظمها.

وتحولت محافظة إدلب خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الصراع في سوريا إلى معقل رئيسي لجبهة فتح الشام (تنظيم النصرة قبل إعلانها فك الارتباط التنظيمي مع القاعدة) المدعومة قطريا وتركيا، رغم وجود فصائل أخرى مؤثرة في هذه المحافظة على غرار حركة أحرار الشام.

وهناك اليوم تساؤلات تطرح حول مصير إدلب، وعما إذا كانت ستتعرض لحملة عسكرية كبرى من النظام السوري، أم أن تركيا ستتكفل بتحجيم جبهة فتح الشام تدريجيا، خاصة مع ورود معطيات أنها بصدد تشكيل جيش كبير في المحافظة يجمع العديد من الفصائل، لإنهاء احتكار الجبهة، تمهيدا لضربها.

وترتبط تركيا باتفاقيات مع الجانب الروسي من ضمنها ضرورة وقف دعم جبهة فتح الشام وإنهاء وجودها باعتبارها تنظيما إرهابيا، في مقابل تحقيق تعاون مثمر بين الجانبين ما يسمح لأنقرة بالمناورة مع الولايات المتحدة التي تدعم الوحدات الكردية العدو الأبرز لتركيا على الساحة السورية.

ويرى محللون أن اختيار محافظة دير الزور بالذات لتكون الجهة التي يلجأ إليها داعش بعد استنفاد فرص بقائه في الرقة على ضوء الحملة الكبرى التي تشنها قوات سوريا الديمقراطية ليس اعتباطيا.

ويهدف الدفع بالتنظيم صوب دير الزور إلى ضرب عصفورين بحجرة واحدة، وهو تسهيل عملية القضاء عليه في سوريا خاصة وأن المحافظة تعد الثانية من حيث حضور التنظيم بعد الرقة، كما أنه سيكون بالإمكان محاصرته من جميع الجهات: شمال شرق سوريا، والوسط، والجنوب الشرقي، والغرب (من الجهة العراقية).

والنقطة المهمة أيضا في الحسابات الأميركية أن الدفع بالتنظيم صوب دير الزور سيساهم في خلط حسابات نظام الرئيس بشار الأسد وداعميه الإيرانيين، وعرقلة مفاعيل تقدمهم صوب الحدود العراقية السورية.

وأعلنت إيران مؤخرا أنها نجحت في اختراق الخطوط الحمراء الأميركية بفتح ميليشياتها معبرا على الحدود العراقية السورية.

وعرضت وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني صورا لقائد فيلق القدس قاسم سليماني وهو يصلي على الحدود بين البلدين رفقة عناصر قالت إنهم من لواء “فاطميون” الأفغاني.

وفي تصريح له الثلاثاء اعتبر مستشار المرشد الأعلى لإيران علي أكبر ولايتي أن “التواصل الذي حصل أخيرا بين قوات الحشد الشعبي والقوات العراقية من جهة، والجيش السوري وحلفائه من جهة أخرى في الحدود العراقية السورية يعتبر نصرا استراتيجيا لحلفاء إيران ومحور المقاومة الذي يبدأ من طهران وينتهي في لبنان، مرورا بالعراق وسوريا لمواجهة الكيان الصهيوني وحُماته”.

ويرى معارضون سوريون أن هذا التقدم لو تحقق فعليا فإن مصداقية الإدارة الأميركية ستصبح على المحك خاصة وأنه لا يمكن الاعتداد بالضربات الخجولة التي شنتها طائرات التحالف على الميليشيات الإيرانية في هذا الجانب، والتي اعتبرها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الثلاثاء أنها لا تتعدى حدود “الدفاع عن النفس”.

في مقابل ذلك يرى خبراء عسكريون أن السماح لإيران بفتح ثغرة على حدود سوريا والعراق إنجاز ظرفي يمكن نسفه في أي لحظة في ظل الغلبة الجوية لواشنطن، وأن الأمر يبقى رهين التوافقات الأميركية الروسية.

ويشير هؤلاء إلى أن الولايات المتحدة الآن تضع في قمة أولوياتها إخلاء الرقة من أي وجود لداعش، والذي قد يتحقق بسرعة غير متوقعة، مع تداول معطيات عن أن المئات من عناصر التنظيم بدأوا بالانسحاب صوب محافظة دير الزور على وقع اشتداد المعارك بالقرب من المدينة القديمة في الرقة.

وقالت المتحدثة باسم حملة “غضب الفرات” لاستعادة الرقة جيهان الشيخ أحمد، الثلاثاء، “تدور اشتباكات عنيفة مع داعش الذي يلجأ بشكل كبير إلى الألغام والقناصة ويرسل بين الحين والآخر السيارات المفخخة”.

ومنذ دخولها إلى المدينة في السادس من الشهر الحالي، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة بشكل كامل على حي المشلب في الجهة الشرقية وحي الرومانية في الجهة الغربية.

وتسعى هذه القوات لبسط سيطرتها الكاملة أيضا على حي الصناعة (شرق) المحاذي للمدينة القديمة حيث يتحصن تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كبير.

وتشكل السيطرة على حي الصناعة بداية المعركة الحقيقية في الرقة، إذ أن قوات سوريا الديمقراطية ستدخل منه إلى وسط المدينة انطلاقا من المدينة القديمة.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان “سيشهد وسط المدينة معركة الرقة الرئيسية”، مشيرا إلى الأنفاق الكثيرة التي حفرها الجهاديون في هذا الجزء من المدينة حيث يتحصن عدد كبير منهم.

وتؤكد مصادر من داخل الرقة أن التنظيم يحاول جاهدا عرقلة تقدم قوات سوريا الدمقراطية ولكن دفاعاته آخذة في الانهيار ولن تكون له من فرصة سوى الفرار صوب دير الزور أو ريف حلب، الأمر الذي يسعى الجيش السوري والميليشيات الداعمة للحيلولة دونه.

وقالت وحدة الإعلام الحربي التابعة لميليشيا حزب الله اللبنانية، الثلاثاء، إن حليفها الجيش السوري حقق تقدما مفاجئا ضد داعش في المنطقة الواقعة غربي الرقة.

وتمثل المنطقة بين أثريا والطبقة إلى الغرب من الرقة، أهمية كبرى للنظام نظرا لإمكانية استخدام داعش لها لمهاجمة بلدات وخطوط إمداده. وأوضح الإعلام الحربي لحزب الله أن الجيش توغل جنوبا حتى طريق أثريا-الطبقة السريع على بعد حوالي 32 كيلومترا من مواقعه جنوبي مسكنة.

ولطالما استخدم التنظيم الطريق لمهاجمة مواقع على طول خط إمداد الحكومة الرئيسي إلى حلب قرب أثريا ومن شأن السيطرة عليه أن تساعد الجيش في التقدم إلى الصحراء.

وأكد المرصد تقدم الجيش لافتا إلى أن ذلك سيخفف على الأخير الضغط على طريق أثريا-خناصر وهو جزء من خط إمداد الحكومة إلى حلب.

صحيفة العرب اللندنية