إنقاذ الوطن العربى 2018

إنقاذ الوطن العربى 2018

تباينت ردود الفعل تجاه الاضطرابات التى يمر بها الوطن العربى ما بين التسليم بها، والتأكيد على أن القيادات العربية ليست فقط على دراية بماهيتها، ولكنها جزء فاعل منها على عكس التعاليم الدينية التى تقضى بعدم التحالف مع الأعداء. وانطلاقًا من ذلك يتساءل هؤلاء عما إذا لو اختفى الوطن العربى من الخريطة العالمية هل سيشعر أحد بغيابه؟ من ثم؛ فإن الحروب القادمة فيه بقصد إعادة ترتيب الأوضاع الچيوستراتيچية والسكانية يحظى برضاء القوى الإقليمية والدولية المتنافسة. واتجاه آخر يتساءل عن دور مصر كدولة إقليمية مركزية فى إنقاذ ما بقى من الوطن العربى؛ فمصر ــ رغم الصعاب التى تمر بها والتحديات التى تواجهها ــ تظل المركز الچيوستراتيچى القادر على تفعيل عوامل التكامل والحد من عوامل التنافر، والتاريخ يؤكد ذلك؛ ففى عام 1962 عبأت مصر جامعة الدول العربية ضد محاولة العراق احتلال الكويت، ودعت مصر إلى القمة العربية الأولى فى القاهرة فى يناير 1964 لمواجهة مخططات إسرائيل لتحويل مجرى مياه نهر الأردن، والقمة الثانية بالإسكندرية فى سبتمبر من نفس العام بغرض تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، وهى القمة التى أنشأت القيادة العسكرية العربية المشتركة ومقرها الأردن، وفور احتلال العراق للكويت عام 1991، بادرت مصر باستصدار قرار من القمة العربية الاستثنائية فى القاهرة فى يناير 1991 بإرسال قوات عربية لتحرير الكويت.
ولكى يتم وضع الأمور فى نصابها الحقيقى والعملى والقومى، علينا أن نؤكد أن العرب حاربوا مع مصر وسوريا فى أكتوبر 1973 بصورة غير مباشرة ومباشرة أيضًا؛ فقد تم حظر تصدير النفط إلى الدول المساندة لإسرائيل، ألم يقل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ــ رحمه الله ــ أن البترول العربى ليس أغلى من الدم العربى؟، وسار على نهجه أبناؤه حتى اليوم، ألم يهدد الملك فيصل ــ رحمه الله ــ العالم بوقف إمدادات النفط كاملا وأنه على استعداد للعودة إلى الصحراء والاكتفاء بالبلح، وهناك تأكيد على المساهمات المالية العربية لإعادة بناء وتسليح القوات المسلحة العربية؛ فقد كانت هناك كتيبة كويتية إلى جوارنا فى فايد، وقوات عربية أخرى فى مناطق عديدة. فى نفس الوقت؛ فإن تضحيات الشعبين المصرى والسورى هى السبب الحقيقى وراء ارتفاع أسعار النفط، ولا شك أن دماء الشعبين هى سر ثراء الدول المنتجة للنفط، وهكذا، تكاملت الإرادة العربية المشتركة لصيانة الوطن العربى.
***
وعليه فبدلا من إنشاء قوات الشرق الأوسط فيما يعرف بالناتو العربى أو قوات التحالف السنى؛ فإنه ينبغى العودة إلى قواعد العمل العربى المشترك، وبدلا من التحالف مع ترامب والإغداق عليه والجميع يعلم عمق التحالف الاستراتيچى الإسرائيلى الأمريكى كما يوقن الجميع كذلك بالتحالف الضمنى الإسرائيلى التركى الإيرانى بمباركة أمريكية، أليس من الأجدى إحياء معاهدة الدفاع العربى المشترك، وتحمل العرب مسئولية الدفاع عن مصالحهم. لقد تقدم الرئيس السيسى عام 2014 بمبادرة إنشاء القوات العربية المشتركة، والتى استجابت لها الدول العربية، ثم تم تجميدها فى أدراج الجامعة العربية، مما دفع الولايات المتحدة إلى التقدم بمبادرة الناتو العربى بمشاركة فنية إسرائيلية، ولا شك أن تشكيل قوات عربية مشتركة من جيوش مصر والسعودية والإمارات والجزائر والمغرب والسودان وغيرها يعيد إلى العرب التحالف الاستراتيچى القومى الذى يحمى بقاء وكيان الوطن العربى، ونقطة البدء أن تبادر مصر بدعوة عقد اجتماع طارئ للقمة العربية ــ بعد التنسيق بين وزراء الخارجية العرب ــ تتم فيه مناقشة الوضع الراهن للأمة العربية والمخاطر المستقبلية والانهيار الكبير عام 2018 بما فى ذلك تحديد موقف جاد وواضح من دولة قطر وتطبيق الحجر السياسى عليها، والذى بدأ بالفعل فى الأسبوع الماضى.
***
إن نقطة الانطلاق فى إنقاذ ما تبقى من الوطن العربى، قبل زواله وإحلاله بنظام شرق أوسطى تسيطر عليه تركيا وإيران وإسرائيل، ويخبو فيه تمامًا دور دول الخليج وتصارع فيه مصر كل تلك القوى من أجل الحفاظ على اسمه ورسمه وتأجيل عمليات دفنه، الإقلاع عن دعم المنظمات الإرهابية فى سوريا واليمن وليبيا وعلى رأسها الإخوان وفلول القاعدة وإرهابى داعش، والذين يعملون كموظفين بالأجر لدى الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وإسرائيل لإجهاد وإعياء الدول العربية؛ فليس من المقبول أن تنقذ مصر الأمة العربية من القوى الإخوانية الثيولوچية السلطوية، ثم تتحالف دول عربية مع تلك المنظمات الإرهابية بحجة حربها ضد القوى الشيعية المؤيدة لإيران. يذكرنا هذا الموقف بذات ما فعلته دول الخليج حينما قامت بزرع أطراف صناعية للرئيس المخلوع على عبدالله صالح وأعادوه لليمن ليقيم تحالفًا مع إيران والحيثيين ضد السعودية ودول الخليج، قرارات استراتيچية غير محسوبة وغير مدروسة وتعبر عن عدم إدراك واقعى لما تؤول إليه الأمور، والواقع أن الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران يوظفون كل تلك القوى ليل نهار لهدم الوطن العربى كنظام إقليمى فى نظام دولى مازالت تلعب فيه الأقاليم الفرعية ودولها المركزية أدوارًا لا غنى عنها فى تحقيق الاستقرار الدولى.
***
لن نتحدث اليوم عن الدور المصرى فى الدفع بعناصر التكامل الاقتصادى والانتقال الإنسانى الحر بين الدول العربية، ولن نتحدث عن حرية التجارة، وهذه كلها شروط حتمية للإنقاذ، وهى معلومة بالضرورة للجميع، ولكننا نركز على التنسيق الاستراتيچى والعسكرى والأمنى، هل تذكرون التخطيط الاستراتيچى بين الرئيسين الأسد والسادات لحرب 1973؛ حيث تم الاتفاق على ميعاد الحرب وسير المعركة بصورة لم تحدث من قبل، والتزم الرئيسان التزامًا قوميًا حرك العالم والشرق الأوسط كله وجمع حوله العرب فقيرهم وغنيهم، ليس أمامنا اليوم إلا بديلين؛ الأول ــ التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل لاستكمال الانهيار التام للوطن العربى، أو الثانى ــ التنسيق الاستراتيچى والالتزام القومى بإنقاذ الوطن العربى والأمة العربية، والفرصة لا تزال سانحة لتحقيق البديل الثانى لدرء البديل الأول ونزع فتيل الانفجار القادم حرصًا على الأجيال القادمة.

عبدالمنعم المشاط

صحيفة الشروق