السياحة والتلوث يهددان مناجم الملح العريقة في لبنان

السياحة والتلوث يهددان مناجم الملح العريقة في لبنان


أنفه (لبنان) – تكاد تفقد أحواض الملح في بلدة أنفه شمال لبنان قيمتها مع تكاثر المخاطر التي تهدد هذه الحرفة القديمة، فمساحات شاسعة من الشواطئ الصخرية حيث الأحواض المعروفة بالملاحات تحولت إلى منتجعات سياحية.

ويقول ناشطون في هيئات الحفاظ على التراث والبيئة في المنطقة إن بعض ملاحات البلدة لا تزال صامدة، إلا أنها واقعة بين مطرقة غياب السياسة الحمائية وسندان اجتياح المنتجعات السياحية لشواطئ البلدة.

وتعتبر أنفه منجم الذهب الأبيض وموطن الملاحات التقليدية التي كانت في ستينات القرن الماضي تغطي مساحة مليون متر مربع تقريبا على شاطئها، قبل أن تنحسر لتصل اليوم إلى أقل من 200 ألف متر.

ومن التحديات التي تواجهها الملاحات أيضا تلوث مياه البحر بفعل النشاط الصناعي وانكسار دائرة توارث المهنة مع انتشار التعليم بين الأجيال الجديدة.

والملاحات المقامة منذ القدم فوق الشاطئ الصخري، عبارة عن مسطحات صخرية بعمق 15 سنتيمترا، تعبأ بمياه البحر لتبخيرها بأشعة الشمس، وتتطلب كنسا وتحريكا لأسبوعين قبل قطف الملح وتعبئته بأكياس، أما الموسم فيحتكم أوان بدئه وختامه للمطر.

ويرى الناشط البيئي جورج ساسين أن أزمة الملح بدأت في عام 1992 بالتضييق الممنهج من قبل السلطات على الملاحات بذريعة أنها مقامة على الأملاك البحرية العامة وتشريع المنتجعات السياحية والمشاريع الصناعية.

وقال إن “مشاريع خزانات النفط والغاز ومعامل الإسمنت ملوثة للبيئة، مما دفع بعدد كبير من أصحاب الملاحات إلى التوقف عن العمل بسبب تلوث البحر الذي يفسد الملح المستخرج”.

ووفقا لساسين فقد أوقفت السلطات قبل عامين منح الملاحين الرخص الموسمية لاستخراج الملح، وكلفت القوى الأمنية بمنع الملاحين من إجراء الصيانة السنوية الضرورية لملاحاتهم وهي تُسيّر دورياتها على الملاحات بشكل دائم.

جورج ساسين: خزانات النفط والغاز ومعامل الإسمنت دفعت أصحاب الملاحات للتوقف عن العمل
وقبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، كانت ملاحات الشمال الممتدة من سلعاتا حتى عكار توفر كل احتياجات لبنان من الملح بإنتاج ما يزيد عن 35 ألف طن في الموسم. أما اليوم فلا يتعدى الإنتاج 3 ألف طن فقط.

وحتى دواليب الهواء التي تنتصب فوق الملاحات منذ عام 1940 لسحب مياه البحر وغدت رمزا سياحيا لبلدة أنفه، تحولت إلى فولكلور مع تناقص عدد الملاحات.

ويعد الملح المصري سببا آخر لأزمة الملح اللبناني. وقالت رشا دعبول رئيسة هيئة تراث أنفه لرويترز “الكارثة حلت عندما أباحت الحكومة في 1996 استيراد الملح المصري وأعفته من الرسوم الجمركية فبات ينافس الملح اللبناني كونه أرخص بحوالي النصف”.

وتطالب دعبول السلطات بالمحافظة على ملاحات أنفه وبحماية إنتاجها من خلال إعادة فرض الرسوم الجمركية على استيراد الملح المصري الذي تفوق كمياته الخمسين ألف طن سنويا، وإما بدعم الصناعة المحلية ودفع تعويضات للملاحيين اللبنانيين.

ويعزو الباحث في شؤون البيئة ومؤلف كتاب “ملح لبنان” حافظ جريج أسباب تآكل عدد الملاحات إلى “جشع الممولين وطمعهم”، ويتهمهم بمحاولة وضع اليد بطرق ملتوية على الملاحات “لإقامة مشاريع سياحية تدر الأرباح عليهم”.

ويقول إن كبرى المنتجعات في أنفه شُيدت فوق الملاحات الأثرية واستمدت أسماءها من الملح، ويرى أن مسيرة التهجير مستمرة تحت مسمى شركات التطوير العقاري التي ترى في الملاحات عائقا أمام افتراسها للشاطئ.

ويحذر جريج وهو صاحب ملاحة من اندلاع “ثورة الملح” في حال نجحت “عملية السطو” على الملاحات. وقال إنه “لولا الملاحات لما كانت أنفه تتصدر اليوم قائمة أنظف شاطئ على الساحل اللبناني”.

وسعت بلدية أنفه للدفاع عن الوضع القانوني للمنتجعات، وتقول كريستيان دعبول عضو المجلس البلدي إن منتجعات أنفه مرخصة ومقامة فوق أملاك خاصة ولا يوجد أي تعد على الملك العام، وبالتالي لا تأثير سلبيا لها على عمل ملاحات أنفه.

وتنفي المسؤولة أن تكون البلدية على علم بقرار السلطات بإقفال الملاحات. وتعزو سبب منع الملاحين من صيانة ملاحاتهم إلى “عدم حيازتهم تراخيص إنتاج الملح من وزارة النقل لتلك المقامة على الملك العام، أو من وزارة المال للمقامة على الملك الخاص”.

وهناك خطط لتصنيف الواجهة البحرية للبلدة منطقة سياحية. وأوضحت دعبول أنه لم يتم بعد إقرار تلك الخطط، لكن عضو المجلس البلدي تجزم أنه في حال إقرار الخطط سيتم الحفاظ على الوضع القائم للملاحات، ولن تزيلها السلطات لأي سبب من الأسباب.

ويؤكد إلياس سليمان الذي يعمل في “زراعة الملح” منذ 65 عاما أن الحرفة بدأت تتآكل. وقال إنه “كان يستخرج من ملاحته قبل 1975 أكثر من 300 طن من الملح في الموسم لكن اليوم بالكاد يستخرج 30 طنا”.

العرب اللندنية