ماذا وراء تهديدات موسكو الأخيرة في سوريا

ماذا وراء تهديدات موسكو الأخيرة في سوريا

في 19 حزيران/ يونيو، استنكر وزير الدفاع الروسي بشدّة إسقاط الولايات المتحدة لطائرة سورية من طراز “سو- 22” ووصف الأمر “بالعمل العدواني” الذي “ينتهك القانون الدولي”. وقطعت موسكو قناة تفادي وقوع نزاع عسكري (تفادي التضارب) مع الولايات المتحدة وهدّدت باستهداف الطائرات التابعة للولايات المتحدة وحلفائها في غرب الفرات، ولكن سرعان ما أفاد البنتاغون أن قناة تفادي التضارب لا تزال قائمة. وفي غضون ذلك، كثرت في الصحافة الروسية التقارير حول “اعتداء” الولايات المتحدة ودعمها “للإرهابيين”. ووصف أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروسي الأعمال الأمريكية في سوريا بأنها استفزاز موجّه ضد روسيا.

ووفقاً للبنتاغون، أسقطت الولايات المتحدة في 18 حزيران/ يونيو طائرة سورية من طراز “سو- 22” دفاعاً عن النفس بعدما تجاهلت هذه الأخيرة مراراً وتكراراً التحذيرات وألقت عدداً من القنابل على «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة في قرية جعيدين جنوب غرب الرقة. وتُعتبر «قوات سوريا الديمقراطية» شريك الولايات المتحدة الرئيسي والأكثر فعالية في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.

ويقيناً، يُعتبر إسقاط الطائرة السورية ذو أهمية كبرى، حيث أشار إلى تصعيد العمليات في سوريا الذي كان يتزايد منذ أسابيع. وكانت آخر مرة اسقطت فيها طائرة أمريكية طائرة تابعة لدولة أخرى في قتال جو- جو خلال حملة كوسوفو قبل ثمانية عشر عاماً.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن ذلك ليس جديداً. لقد قطعت موسكو خط تفادي التضارب في نيسان/إبريل في أعقاب الضربات الأمريكية بالقذائف الانسيابية على القاعدة الجوية السورية رداً على أحد أسوأ الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا منذ سنوات، الذي حمل “كافة السمات المميزة” لنظام الأسد. ولكن على الرغم من تهديد الكرملين، سرعان ما أُعيد فتح الخط رسمياً. ولا يريد بوتين مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة في الأجواء السورية. ومن أسباب ذلك معرفته بأنها معركة سيخسرها.

وقد يبدو من المستغرب أن بوتين يدين «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية – الجناح المسلّح لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» وفصيل سوري لـ «حزب العمال الكردستاني» التركي. فهناك علاقات وطيدة تجمع بين موسكو والأكراد. فقد تم إنشاء «حزب العمال الكردستاني» من قبل أحد وكلاء الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. وفي آذار/مارس أفاد متحدث باسم «وحدات حماية الشعب» أن الجماعة عقدت اتفاقاً لبناء قاعدة روسية في عفرين.

ولكن لطالما شكّل الأكراد وسيلة لتحقيق غاية بالنسبة لموسكو. ومع تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية»، يريد بوتين أن يضمن عدم ملء الولايات المتحدة وحلفائها للفراغ الناشئ. ومن وجهة نظر موسكو، تُظهر الإجراءات الأمريكية الأخيرة، بدءاً من الضربات الجوية في 7 نيسان/أبريل وإلى تسليح الأكراد، أن واشنطن تعود إلى الشرق الأوسط وتبعد موسكو إلى الخارج. ويرغب بوتين في التحكم بالقضية السورية، ويبدو أن التهديد هو خياره الأفضل.

وليس من المستغرب إذاً تزايد العدائية تجاه الأكراد في الصحافة الروسية. وكما كتب أحد المؤلفين في صحيفة Nezavisimaya Gazeta  الروسية في 20 حزيران/يونيو، “من خلال دعم «قوات سوريا الديمقراطية» والأكراد، لا يعزّز الأمريكيون النزعات الانفصالية في البلاد فحسب، بل يريدون أيضاً منع وصول نظام الأسد إلى حقول النفط المتواجدة في منطقة القتال وفي الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»”.

وأفاد خبير روسي آخر في 18 حزيران/ يونيو قائلاً “إذا حاول الأمريكيون في وقت سابق التستّر على نواياهم العدوانية تجاه سوريا تحت ستار مكافحة الإرهاب، فقد بدأوا الآن بالتصرّف علناً. الأمريكيون هم في الواقع من يبدأون العدوان على سوريا ولكن باستخدام الأيادي الكردية”.

ومن جانبهم، وضع الأكراد بيضهم في السلّتين الروسية والأمريكية، ولكنهم استثمروا أكثر في هذه الأخيرة. وبالفعل، لطالما فضّل الأكراد العمل مع الولايات المتحدة، ولكن الدبلوماسية الأمريكية السيئة هي التي أبعدتهم عنها. وحيث يتتبع الأكراد كيف تضاعف إدارة ترامب التزامها تجاه «قوات سوريا الديمقراطية»، فقد اختاروا الولايات المتحدة بدلاً من روسيا نوعاً ما وهذا الأمر يغضب بوتين. وقد يكون هناك تفسير آخر لسلوك موسكو وهو أن سيطرة قوة كردية على مدينة الرقة العربية بمساعدة الولايات المتحدة ستزيد من صعوبة إيفاء الأسد بتعهده باستعادة كل شبر من سوريا.

ويقيناً، أن تهديدات موسكو للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا قد أسفرت بالفعل عن نتائج. فقد علّقت أستراليا مهماتها القتالية الجوية فوق سوريا. وهذه الخطوات تثبت لبوتين أن التهويل يأتي بثماره. وفي حال أبقت موسكو على تهديدها باستهداف طائرات الولايات المتحدة أو حلفائها يتعيّن على الولايات المتحدة الردّ عليها. ويمكن أن تعيد واشنطن التأكيد على أن الاستهداف أو ما يسمّى بالإضاءة بواسطة رادار تحديد الأهداف هو عمل عدائي يتيح للولايات المتحدة وقوات التحالف التي تحارب معها اتّخاذ الإجراءات دفاعاً عن النفس. إن بوتين ليس جباراً. فهو يستغلّ الضعفاء ويمكن ردعه إذا عرف أنه سيخسر المعركة. ولن يؤدّي التراجع سوى إلى زيادة عدوانيته.

 آنا بورشفسكايا

معهد واشنطن