هل تعيش “الدولة الإسلامية” إذا مات البغدادي؟

هل تعيش “الدولة الإسلامية” إذا مات البغدادي؟

تدور الاشاعات عن احتمال أن يكون الروس قد تمكنوا من قتل زعيم “داعش”. لكن قطع الرأس لن يميت الأفعى.
إذا وعندما يكون الخليفة المعلن ذاتياً لما تدعى “الدولة الإسلامية”، أبو بكر البغدادي، قد قتل في نهاية المطاف، فسوف يكون لذلك القليل من التأثير على التهديد الذي يشكله التنظيم على الأمن العالمي.
وكانت تقارير قد ظهرت في منتصف شهر حزيران (يونيو) الماضي، والتي تحدثت عن أن الروس ربما يكونون قد قتلوا البغدادي في غارة جوية شنت يوم 28 أيار (مايو) بالقرب من مدينة الرقة السورية. وبينما تحفظ المتشككون على هذه الأخبار، مشيرين إلى الطبيعة المشكوك فيها للمصدر، أكد الروس إدعاءهم بعد أسبوع لاحقاً، معلنين أن “من المرجح بنسبة عالية” أن يكون البغدادي قد قتل.
وحتى لو تبين أن هذا الكلام صحيح، فإنه سيكون قد أسدى خدمة انتصار تكتيكي ورمزي قصير الأمد فقط في القتال ضد “داعش”. فالتنظيم الإرهابي ليس مبنياً ليدور حول رجل واحد، وإنما هو صمم لأن يكون تنظيماً عالمياً تتبعه ولايات رسمية. ومن شأن ذلك أن يجعل المجموعة أكثر شبكية وبيروقراطية في آن واحد مقارنة بتنظيم تنظيم القاعدة، ويوفر لها مستوى من المرونة الذاتية الفريدة بالنسبة للاعبين العنيفين من غير الدول. وبينما كان صعود البغدادي ليصبح خليفة مهماً في عملية تجنيد المقاتلين الأجانب وبناء مظهر من الشرعية حول مشروعه لبناء الدولة، فإن الهدف الأكثر أهمية بكثير هو الاستمرار في تفكيك التنظيم ككل، بما في ذلك المنظمات التابعة في ليبيا ومصر ونيجيريا وأفغانستان.
التنظيم تراجع، وإنما لم يتوقف
على مدى العام ونصف العام الماضيين، خسرت “داعش” مساحات شاسعة من الأراضي وتم إضعاف تمويلاته بحدة وتعثرت جهود التجنيد لديه. ومع ذلك، استمر التنظيم في إظهار مدى وصوله العالمي المميت من خلال الهجمات الأخيرة في لندن وطهران ومانيلا وأماكن أخرى. وحتى مع أنه لم تكن له يد مباشرة في كل هذه الهجمات، فإن قدرته على إلهام المتشددين ودفعهم إلى العمل باسمه تدلل على مدى وصوله العالمي.
مع كسب العمليات ضد “داعش” في مدينتي الموصل والرقة زخماً، شرعت المجموعة الإرهابية في نقل الرجال والعتاد إلى معقلها في محافظة دير الزور السورية الشرقية، وبشكل خاص إلى إلى مدينة الميادين، فيما ينطوي على احتمال نشوب صراع ربما يكون أكثر دموية أقرب إلى الحدود العراقية والأردنية.
بغض النظر عن المكان الذي سوف يشهد المعركة الفاصلة ضد “داعش”، سوف تتحتاج الولايات المتحدة إلى وضع استراتيجية متعددة الشعب، والتي تتعامل مع التهديد الذي تشكله المجموعة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
ببساطة، لن يكون مقتل أبو بكر البغدادي كافياً –وسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية رئيسية تستخدم كل السبل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تحت تصرفها.
ما تزال العوامل الرئيسية التي أفضت إلى نشوء وارتقاء “الدولة الإسلامية”، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية والطائفية المميتة في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قائمة بقوة. وما تزال المنطقة مصدراً للطاقة العنيفة، حيث تتسرب التداعيات إلى الخارج لتشكل تهديداً يصل إلى أمكنة أبعد كثيراً من حدودها. وقد رفعت الأيديولوجية المتطرفة التي روجها “داعش” منسوب خطر التطرف في الوطن، والهجمات التي تشنها الذئاب المنفرد في جميع أنحاء العالم. وبشكل أكثر تحديداً، يجب أن يكون التهديد الذي تشكله عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب مصدر قلق رئيسياً للغرب.
بينما يمنى “داعش” بمزيد من الخسائر في الموصل والرقة، قد يسعى مقاتلوه للهرب إلى الخارج وتعزيز المنظمات التابعة القائمة أو التوسع في مناطق مثل جنوب شرق آسيا، حيث شن أفراد المجموعة هجمات مؤخراً في الفلبين. وتقدم الدول الفاشلة والمناطق غير المحكومة ملاذاً وأرضاً خصبة لتنظيم “داعش” وفروعه ولمجموعات متشددة أخرى.
حتى اليوم، لم تكشف إدارة ترامب بعد عن أي تفصيلات تتعلق باستراتيجيتها الجديدة التي وعدت بها لمحاربة “داعش”، على الرغم من ظهور شائعات تفيد بأن مستشار الأمن القومي الأميركي، أتش. آر، ماكماستر وآخرين في مطبخ السياسة الخارجية للإدارة عاكفون الآن على صياغة استراتيجية. وتوصف هذه الاستراتيجية بأنها تشبه إلى حد كبير استراتيجية الرئيس أوباما للتصدي لتنظيم “داعش”، مع التركيز على حرمان الجهاديين من الملاذات الآمنة والدعم، وقطع وصول المجموعة إلى التمويل، ونزع الثقة في الأيديولوجية التي عولت عليها لاستدراج المجندين الجدد.
محاربة “داعش”
ما الذي يمكن فعله أيضاً في القتال المتواصل ضد “داعش” في الشرق الأوسط؟ على المستوى السياسي، تكمن أفضل الطرق فعالية لخفض الدعم المقدم للإرهاب في معالجة الأسباب الجذرية، وهو ما قد يمكن تحقيقه فقط عن طريق تأسيس حكم مشروع وقادر في المناطق التي تشعر فيها المجموعات السنية بأنها مهمشة.
وفق كل الاحتمالات، سوف تحتاج هذه المناطق إلى إعادة تعريفها بشكل أفضل وأكثر تحديداً من “مناطق الاستقرار” التي يشير إليها المسؤولون الأميركيون في بعض الأحيان. وتحتاج المناطق العراقية، مثل محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، ويجب أن تمنح حكماً سياسياً ذاتياً أصيلاً. وسوف يكون تأسيس منطقة سنية في سورية أكثر صعوبة، لكن تفكيك مركزية السلطة السياسية في ذلك البلد يبدو الطريقة الواقعية الوحيدة للتوصل إلى تسوية متفاوض عليها في المستقبل القريب. ويستطيع التحالف المعادي لـ”داعش” استعادة المزيد من الأراضي من التنظيم عبر الاستمرار في التركيز على الدعم الاستشاري للقوات المحلية. ولكن، ما لم يكن هناك تشديد على التوصل إلى المصالحة والشمولية السياسية في هذه المناطق، فإن أي مكاسب في الأراضي يرجح أن تكون سريعة الزوال.
يجب على التحالف التركيز على الاستخدام المستمر للقوة الجوية الأميركية، وعلى قوات العمليات الخاصة الأميركية، بالإضافة إلى التعويل على الشركاء المحليين القادرين لتحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”. ومع ذلك، من المهم أن تقيم الولايات المتحدة عن قرب استراتيجتها الراهنة لتقدير ما تنطوي عليه من طموحات إقليمية وسياسية مستقبلية للأكراد الساعين إلى التمتع بقدر أكبر من الحكم الذاتي، أو حتى لاستقلال. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت مؤخراً أنها تعتزم “استعادة” أسلحة كانت قد زودت وحدات حماية الشعب الكردية بها في شمالي سورية بعد هزيمة “داعش”، على الرغم من أن هذه السياسة ستكون صعبة المنال في الممارسة.
في الأثناء، يبدو أن إدارة ترامب تقترب من اتخاذ قرار صعب حول ما إذا كانت ستقوم بتهدئة المخاوف التركية من الأكراد، أو أن تستمر في دعم ما ترى الولايات المتحدة أنها أكثر القوة الأكثر فعالية في الميدان.
تتضمن السياسات السليمة بشكل ثابت مقايضات وتداعيات مستقبلية غير معروفة. لكن استخداماً حكيماً للقوة العسكرية، مدعوماً باستراتيجية سياسية تهدف إلى حرمان الإرهابيين والمتمردين من الشرعية، يجب أن تحد من قدرة “داعش” على تنفيذ هجمات مع الحصانة على مقياس عالمي، بينما تتم تقوية أنظمة في الشرق الأوسط، والتي لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
“داعش” بعد البغدادي
إذا مات البغدادي، ربما يتحرك “داعش” سريعاً لتعيين بديل له، ومن المؤكد تقريباً أنها تتوافر على عملية موجودة لاختيار الزعيم التالي، على الأرجح من خلال مجلس الشورى، أو أهل الحل والعقد. ومع ذلك، فإن المجموعة سوف تتوخى الحذر في السماح للزعيم المعين الجديد باستخدام لقب خليفة، لأنه يبقى منصباً شرفياً مقصوراً فقط على أولئك الذين يمكن تعقب نسبهم إلى النبي محمد، كما يفترض أن يكون حال البغدادي.
ولكن، على الرغم من ذلك، كان دور البغدادي الأكثر أهمية دائماً هو الدور الرمزي، وليس العسكري. واعتباره أكثر تمثيل مرئي لمشروع بناء الدولة لدى “داعش”، كانت عبادة شخصيته تنطوي على معنى كبير في الفترة من العام 2014 إلى العام 2016، عندما كان تدفق المقاتلين الأجانب على العراق وسورية في أوجه.
سوف لن يفضي القضاء على الخليفة المعلن ذاتياً إلى خفض حجم التهديد الذي يشكله تنظيم “داعش” تماماً، نظراً لأن أيديولوجية الجهادية السلفية والبقايا المنشقة عنها سوف تظل قوية. وسيكون الأهم من ذلك هو الاستمرار في استعادة الأراضي من “داعش”، مما سيساعد في تضاؤل القبول الشعبي لماركته، بينما يتم القضاء على ملاذاته الآمنة في العراق وسورية وليبيا وغيرها. ولا تتوقعوا أن تغير وفاة رجل واحد مصير منطقة بأكملها. وعلى الرغم من أنه مني بخسائر جسيمة في قياداته من الصف الأول، فإن “داعش” ما يزال قادراً على التفاخر بمقعد بدلاء عامر.

كولين بي.كلارك

صحيفة الغد