عن النتائج المخيبة لشهادة الثالث المتوسط بالعراق

عن النتائج المخيبة لشهادة الثالث المتوسط بالعراق

المجتمعات الناجحة والمزدهرة هي من أكثر المجتمعات قوةً وهيمنةً في هذا العالم، وحتى يكون المجتمع قوياً ومتطوراً لا بدّ له من أن يقوم على عدّة مقوّمات أبرزها العلم، فبدون العلم لما قامت المجتمعات البشرية وتطوّرت وازدهرت ووصلت إلى ما هي عليه في وقتنا الحالي، وقد حث ديننا الحنيف دائماً على العلم وتعليم الآخرين، وكان أول ما أمر به الله جلّ وعلا رسوله الكريم هو العلم في قوله: “إقرأ”، فالقراءة مقصدها هنا التعلم وبالأخص تعلم الدين الإسلامي، فلا يمكن لأي مسلم أن يعبد الله عزوجل دون أن يكون على علم بأحكام الدين الإسلامي، وقد فضل الله سبحانه وتعالى المسلم المتعلم على غير المتعلم في قوله الكريم: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون”.

قوّة المجتمع تكمن في أفراده المتعلمين الواعين، والقوة تزيد كلّما قلت نسبة الجهل، فالمجتمع المتعلّم يمتلك وعياً وثقافةً تمكّنه من حلّ جميع مشكلاته مهما كانت صعبةً، والتعليم ضروريٌ لكلّ من الفتى والفتاة في الحياة اليوميّة، فهو يساعدهم على رعاية الأبناء في كافّة مراحلهم العمريّة بشكلٍ إيجابيٍ وينعكس على حياتهم وأهلهم ومجتمعهم في المستقبل بشكلٍ فاعلٍ، كما أنّ التعليم يؤمّن للمتعلّم عملاً شريفاً يعود عليه بالمال الذي يستطيع من خلاله تلبيه حاجاته الضروريّة بعيداً عن العوز والتقليل من كرامته. الشخص المتعلّم يتمكّن من غرس أفكارٍ وقيم ومبادئ نبيلةٍ في نفوس أصدقائه وعائلته ومجتمعه، ممّا يزيد من وعيهم وإدراكهم للمهام المنوطة بهم، كما تزيد قدرتهم على اتخاذ القرارت الصائبة بكثير من أمور الحياة؛ لأنه سيصبح عندهم نظرةً واسعةً للحياة والمستقبل، ومهارات الشخص المتعلّم هي أفضل اسثتمار لأسرته ولمجتمعه الذي يلقى كل الاحترام والتقدير منهم.

يعمل التعليم على محو نسبة الأمية في المجتمع أو تقليلها، ويعطي الإنسان المعلومات في شتى المجالات ويوسّع مدى الفكر لديه ويعطيه قدرة على الابتكار، والاختراع، والتخيّل، والإبداع في كثيرٍ من الأمور، ممّا يزيد من ثقته بنفسه ويحميه من الخوف والمواجهة فالعلم سلاح وقوّة. يآخي التعليم بين أفراد المجتمع الواحد، ويلغي الاختلافات الدينية والعرقية الموجودة بين أفراد المجتمع؛ فالعلم وحده هو من يجمع الأفراد من الديانات المختلفة على نفس مقاعد الدراسة ليتلقون نفس الدروس العلمية، وهو ذاته الذي يجمع بين الأبيض والأسود على نفس المقعد، وبهذا فإنّ العلم والتعليم يقوّي العلاقات الاجتماعيّة بين الأفراد المختلفين ويرقى بحضارتهم، ويجعلهم قادرين على مواجهة كلّ التحديات، على عكس التفرقة التي تخلخل نظام المجتمع وتزعزع قواه.

لكن في العراق يجمع التلاميذ والطلبة والمسؤولون التربويون في العراق على الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع التعليمي في البلاد لا سيما انعدام الأمن والخدمات وتفشي الفساد وتجذير العقل الطائفي في عراق ما بعد عام 2003م ، انعكس سلبا على سير الدروس والامتحانات والنتائج، وما نتائج شهادة الثالث المتوسط”الدور الأول” في العراق التي أعلن قبل عدة أيام، إلا دليل ساطع إذ بلغت نسبة النجاح 27.35% بينما بلغت نسبة النجاح لنفس المرحلة الدراسية العام الماضي47.16%. فنسبة النجاح الطبيعية يجب ألا تقل عن 50% لكن ما حدث عكس ذلك تمامًا،مما يعني أن هناك تراجعًا حادًا في نتائج هذه الشهادة التي تعد مقدمة حقيقية لشهادة الثانوية العامة في العراق.

والملاحظ في نتائج شهادة الثالث المتوسط لهذا العام بـأن نسبة النجاح تراجعت في جميع المحافظات باسثناء الرصافة الثانية في محافظة بغداد التي وصلت بها نسبة النجاح لهذا العام 38.86%بينما بلغت العام الماضي نسبة 35.57%،ومحافظة دهوك التي بلغت نسبة النجاح فيها لهذا العام 23.74%، بينما في العام الماضي بلغت 20.98%،  ومحافظة أربيل التي بلغت نسبة النجاح في هذا العام 29.71، بينما في العام الماضي بلغت 29.11%. والجدول التالي يُبين  تراجع نسب النجاح في المحافظات في هذا العام عن العام الماضي كمثال على ذلك:

المحافظة النسبة المئوية للنجاح في هذا عام نسبة المئوية للنجاح للعام الماضي
واسط 53.68 56.91
البصرة 36.74 47.30
الكرخ الأولى”بغداد” 38.28 48.82
صلاح الدين 24.40 27.74
كركوك 24.21 47.33

 

ومما لاشك فيه أن الأوضاع السياسية كالانقسام السياسي في الجماعة السياسية العراقية والاقتصادية كتفشي ظاهرة الفساد والاجتماعية كبروز الطائفية والأمنية تفشي ظاهرة المليشيات المسلحة والعسكرية كبروز ظاهرة داعش  كل ذلك انعكس بشكل سلبي ومخيف على واقع النظام التعليمي والتربوي في عراق اليوم، بعد أن كان العراق في ثمانينيات القرن الماضي وفق تقارير اليونسكو يمتلك أفضل نظام تعليمي في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغ نسبة الانفاق على مجال التعليم في العراق 6% من مجمل الإنتاج الوطني، و20% من ميزانية الحكومة. لكن مسيرة التعليم في العراق تراجعت بعد عام 1991م، بفعل الحروب والحصار الدولي الذي فرض على العراق، أما بعد عام 2003م، شهد العراق انتكاسة في نظامه التعليمي، ففي الوقت الذي ظنّ العراقيون بأن الخير قادم جرّاء التغيير السياسي الذي حصل في العراق بعد نيسان/إبريل عام 2003م. الا ان الآمال سرعان ما أتت مُخيبة للآمال في حكم لم يكن ديمقراطياً بكل معنى الكلمة وإنما حكما يعتمد على المحاصصة الطائفية والقومية وفي بيئة من الصراع غير خلاّق نتجه عنه صراع مرير في المشهد السياسي أدى بظلاله على طبيعة المجتمع فأقترب من الحرب الاهلية وإعمال العنف والتهجير والدمار وفقدان الامن واثر هذا بشكل كثير على مفاصل الدولة والخدمات وطبيعة الانسان العراقي ومنها التعليم. أن التعليم في مرحلة ما بعد عام 2003م شهد اخفاقاً كبيراً في مسيرته حاله حال باقي الخدمات فقد خضعت ووزارة التربية للمحاصصة الطائفية فدخل التعليم في صراعها وأصبح التعليم بدلا ان يكون دافع ومؤشرا لتقدم البلد ساهم في تأخره فأصبحت المدارس  بيئة خانقة  في بعض الاحيان للطالب وللتدريسي في مناهج متخلفة لم يُعد النظر فيها لخدمة المرحلة بتخلي عن شعاراتها ومناهجها التي تكرس الطائفة الى مناهج وطنية تحترم التعددية واحترام حقوق الانسان.

بغية النهوض في الجانب التعليمي في العراق على الحكومة اتخاذ الإجراءات التالية :-

1- ابعاد وزارة التربية عن المحاصصة الطائفية وتعيين وزراء تكنوقراط لهم مؤهلات علمية عالية ويشهد لهم بالوطنية والنزاهة مع منحهم صلاحيات كبيره بقية عملية اصلاح التعليم .

2- تغيير المناهج بشكل يخدم التوجه الديمقراطي وتكريس مبدأ احترام الاخر واحترام حقوق الانسان.

3- ابعاد المدارس عن الصراعات الطائفية واحترام الحرم الجامعي

4-الاهتمام بالأبنية المدرسية وزياد عددها على ان تتم بنائها بشكل علمي وضمن مواصفات عالمية والحد من ظاهرة الفساد في هذا المجال .

5-اصدار قوانين او تفعيل الموجود منها بغية القضاء على افة الامية والعمل بتعليمات التعليم الالزامي ومكافحة حالة تسرب للتلاميذ.

6- رعاية التلاميذ الصحية والبدنية والاهتمام بحالات التميز والإبداع والعباقرة منهم .

7- الارتقاء بالتعليم الحكومي وخلق علاقة تربوية بين الطالب والمعلم وولي الامر والحد من ظاهرة المدارس الاهلية والتدريس الخصوصي.

في مرحلة ما بعد داعش، ينتظر العراق العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية ولعل من بينها تحدي التعليم، فمن الصعوبة بمكان النهوض به، والعراق دولة ومجتمعّا قد يشهد تفجر صراعات مستقبلية في أي لحظة. كالصراع العربي الكردي  حول كركوك وسهل نينوى وسنجار والمناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة العراقية، والصراع السني الشيعي حول نزاهة العملية السياسية وعدالة التمثيل وتوازن النظام السياسي بمؤسساته المختلفة. وصراع شيعي شيعي بين مقتدى الصدر ونوري المالكي، وصراع بين مختلف المكونات الكردية، والصراع مع الفساد والترهل الإداري وتضخم الجهاز البيروقراطي وانعدام كفاءته وقضايا النمو الاقتصادي وإعادة البناء والإعمار وغير ذلك الكثير من تحديات الداخل. كل ذلك انعكس-وسينعكس- بشكل سلبي على التعليم في العراق وسيؤدى إلى انحداره.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية