اسكتلندا..هل ستحقق استقلالها؟

اسكتلندا..هل ستحقق استقلالها؟

الخسائر

يتوجه الاسكتلنديون غدا الخميس 18 سبتمبر إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء حول الاستقلال

يمكن ان ينهي ثلاثة عقود من الاتحاد مع انكلترا ويخلق احدث دولة في اوروبا منذ انهيار يوغوسلافيا السابقة. والاستفتاء غير المسبوق في اسكتلندا اثار جدلا واسعا ومخاوف حول الاسواق المالية حيال كيفية فصل اقتصادين متداخلين الى هذا حد كبير.

ففي المعركة السياسية حول استقلال اسكتلندا، والتي سوف يحسمها التصويت الشعبي يوم 18 سبتمبر الحالي، تتنافس حوله رؤيتان ، فالجدل حول الاستقلال الوطني نادرا ما يكون عقلانياً، لأنه يتعامل مع ما سيكون في المستقبل، وعلى كل طرف إقناع الناخبين بأنه هو الخيار الافضل، الجهة الرافضة للاستقلال التي ترفع شعار “معاً أفضل”، تركز في حملتها على تكاليف الانفصال، التي يصعب تحمل اثمانها. و ترد حملة “نعم للاستقلال”، برفض مثل هذه المخاوف لأنها تراها من باب “التخويف”، معتبرين ان اسكتلندا أداؤها افضل بعد الاستقلال. استنادا على واقع تبدو فيه اسكتلندا ضعيفة في الحركة والاداء.

وكان احتمال فوز مؤيدي الاستقلال يعتبر بحكم المؤكد قبل اسابيع لكنه اصبح على المحك الان بعدما اظهرت اخر استطلاعات الرأي أن نسبة المؤيدين والمعارضين اصبحت متعادلة تقريبا. والسؤال الوحيد المطروح على بطاقات الاقتراع “هل يجب ان تصبح اسكتلندا بلدا مستقلا؟” وستفتح مكاتب الاقتراع ابوابها عند الساعة السادسة بتوقيت غرينيتش على ان تغلق عند الساعة 21,00.

ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي يمكن ان يصبح منصبه مهددا في حال استقلت اسكتلندا، الاسكتلنديين الى التصويت بـ”لا” في الاستفتاء. وقال رئيس حكومة اسكتلندا المحلية اليكس سالموند المؤيد للاستقلال ان امته “على وشك صنع التاريخ”. وحملة الاستفتاء اثارت انقسامات شديدة في الاراء حتى ضمن العائلة الواحدة او الاصدقاء منذ فترة طويلة لكنها بقيت سلمية، في مثال نادر لحركات انفصالية في انحاء العالم.

وسجل نحو 4,3 مليون شخص أسماءهم للمشاركة في التصويت (97% من القاعدة الناخبة) ما يدل على الاهتمام الشديد بهذا الاقتراع الذي سيشمل للمرة الاولى الشباب البالغين من العمر 16 و 17 عاما. ومهما كانت النتائج فان الاستفتاء سيخلف عواقب كبرى على المملكة المتحدة وابعد من ذلك. وقد وعدت ابرز الاحزاب البريطانية باعطاء حكومة اسكتلندا المحلية سلطات قوية جديدة في مجال تحصيل الضرائب والانفاق في حال فوز معارضي الاستقلال وقالوا ان قوانين جديدة ستعد بحلول كانون الثاني/ يناير 2015.

مخاوف اوربية

وهذا الامر تسبب بظهور دعوات مماثلة للحصول على سلطات محلية اوسع من قبل اقسام اخرى في البلاد مثل ايرلندا الشمالية او ويلز وحتى في اخرى مناطق ضمن انكلترا مثل كورنويل ويوركشير. كما ان حملة الاستفتاء اعادت احياء نزعات انفصالية خارج بريطانيا في اماكن مثل كاتالونيا حيث احتشد مئات الاف الاشخاص في برشلونة الاسبوع الماضي للمطالبة بتنظيم استفتاء حول الانفصال عن اسبانيا.

ويواجه قادة الاتحاد الاوروبي صعوبة في اخفاء توترهم ازاء احتمال حصول اسكتلندا على استقلالها خشية ان يتحول ذلك الى عدوى، ويلوحون بالتهديد بعدم قبول ادنبره في الاتحاد. ورفض متحدث باسم المفوضية الاوروبية الاسبوع الحالي التعليق على اخر استطلاعات الراي التي تظهر التقارب في نسبة الرافضين والمؤيدين للاستقلال مشيرا الى ان الامر يتعلق بـ”شان داخلي”. لكن رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو اثار غضب الاستقلاليين في فبراير الماضي عندما صرح انه “سيكون من الصعوبة بمكان بل من المستحيل” ان تنضم اسكتلندا كدولة مستقلة الى الاتحاد الاوروبي. كما قال “سيكون من الصعب جدا الحصول على موافقة جميع الدول الاعضاء في الاتحاد لقبول بلد جديد منفصل عن بلد اخر”.

واعطى مثالا على ذلك اسبانيا التي تواجه مطالب انفصالية وترفض الاعتراف بكوسوفو. وتابع باروزو في حينها “انه بطريقة ما، وضع مشابه لان الامر يتعلق ببلد جديد”. وسرعان ما ندد الاستقلاليون الاسكتلنديون بتصريحاته مؤكدين ان الاستفتاء الذي واقفت عليه لندن مختلف جدا عن اعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد ويلاقي اعتراض صربيا.

والاتحاد الاوروبي الذي يواجه صعوبات جمة مع الوضع الاقتصادي المزري والبطالة المرتفعة، في صفوف الشبان خصوصا، قد لا يتخطى مسالة التعامل مع محادثات تبدو عاصفة حول اسكتلندا كدولة مستقلة. وزيادة على ذلك هناك مشكلة في الشرق مع تحركات روسيا في اوكرانيا وقلق دول بحر البلطيق التي تضم اقليات روسية قد تطالب بحكم ذاتي .

300 سنة هي المدى اللائق لاي مشروع سياسي

إثر مفاوضات طويلة وُقعت في عام 1707 معاهدة الوحدة التي رسخت قيام المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى. ورغم أن أسكتلندا لم تجن ثمار الانضواء تحت الراية البريطانية فورا إلا أنها لم تنتظر طويلا لجني هذه الثمار حيث حققت ازدهارا أكبر من المنشود بالنظر إلى حجمها. إضافة إلى دور الاسكتلنديين المهم في غزوات وإدارة الإمبراطورية البريطانية كان أيضا لمبتكريها الفضل في اختراع الهاتف والتلفزيون والبنسلين والرادار والمحركات البخارية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

وفي الذاكرة الشعبية بقيت الوحدة “اتفاقا غير شرعي فرضه سياسيون محتالون على الاسكتلنديين”. ويرى أحد أكبر المؤرخين الأسكتلنديين، توم ديفاين، أنه مع نهاية الإمبراطورية وتراجع البروتستانتية وانتقال السلطات بالفعل إلى إدنبرة ظهرت الضرورة لوحدة أنجلو-ساكسونية. وقال لصحيفة الجارديان إن “الوحدة بين إنجلترا وأسكتلندا لم تكن زواجا عن حب. لكنها كانت زواج عقل أملته مصلحة براجماتية”. وأضاف “من 1750 إلى 1980 كانت العلاقة مستقرة.

اليوم اختفت الأسس التي بني عليها هذا الاستقرار أو قلت إلى حد كبير”، هذا ما يوضحه كريس واتلي أستاذ التاريخ في جامعة دوندي (جنوب شرق أسكلتندا) مؤكداً “إن أسكتلندا اليوم بلد منقسم. وأضاف “أعتقد أنه كانت هناك أسباب جيدة للوحدة عام 1707,و لم تكن شعبية لكنها كانت في صالح أسكتلندا”.

وأوضح أنه “كان هناك قلق شديد، على الأقل لدى الطبقات الحاكمة الأسكتلندية، من أن تتخلف أسكتلندا عن ركب باقي أوروبا” في سياق نمو حركة التجارة الدولية. “لأنه لم يكن لأسكتلندا أسطول بحري قادر على مساعدة سفنها التجارية في أعالي البحار، كما أنه لم يكن لديها مستعمرات إمبراطورية مثل إنجلترا”.

وطرحت صحيفة التايمز، في وقت سابق، تساؤلا براجماتيا,, هل ستكون هناك حدود وهل سيتوجب استخدام جواز سفر للتنقل بين إسكتلندا وجيرانها؟ ربما نعم إن رفضت إدنبرة التقيد، كما يلمح الحزب الوطني الأسكتلندي بسياسة الهجرة التي تنتهجها لندن التي تزداد تشددا.

علاوة على ذلك هناك دعوات وجهت الى الأسكتلنديين لرفض “المزاج الشعبوي” الذي اتهمت سالموند باستغلاله، ومن هنا وقع أكثر من 200 رئيس شركة في نهاية آب /أغسطس على عريضة تدعو إلى الاستقلال. وردا على مذكرة لرؤساء شركات آخرين مؤيدين للاستقلال اتهم هؤلاء لندن بأنها تعامل أسكتلندا مثل “بقرة حلوب” ووعدوا ببناء مجتمع “أكثر عدلا ورخاء” ومتحررا من الوصاية اللندنية.

قبل يوم من تصويت الأسكتلنديين على إنهاء 300 عام من الوحدة مع باقي مناطق المملكة المتحدة تتوالى الاستطلاعات التي تحاول معرفةرأي الأسكتلنديين تجاه الاستقلال. فقد أظهر استطلاع لمعهد يوجوف أن الوحدويين يتقدمون بفارق أربع نقاط على مؤيدي الاستقلال. وأوضح الاستطلاع الذي أجراه المعهد لمصلحة صحيفتي التايمز وصن أن نسبة دعاة الوحدة تبلغ 52 % بفارق ضئيل عن مؤيدي الاستقلال ونسبتهم 48 % باستثناء أولئك الذين قالوا إنهم لم يحسموا أمرهم. وكان رئيس الوزراء الأسكتلندي ألكس سالموند قد قال في وقت سابق، إن أسكتلندا “على أعتاب صنع التاريخ” مخاطبا مجموعة من الصحفيين الأجانب في إدنبرة بعد 17 عاما من تصويت أسكتلندا لمصلحة استعادة برلمانها الخاص. واتهم سالموند رئيس الحكومة الانتقالية في إدنبرة، الحكومة البريطانية بـ “البلطجة والترهيب الفاضح”، وقال إن حملة “لا” المؤيدة للاتحاد في “حالة انهيار نهائي”.

ترغيب وترهيب

وبحسب كثير من المراقبين فإن تقارب الأصوات وتضييق الفارق في استطلاعات الرأي “هز القادة السياسيين في لندن”. إذ أعلن كبار قادة الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على نحو غير متوقع رحلة منسقة إلى إسكتلندا اليوم الأربعاء لدعم حملة من أجل الاتحاد. وفي معرض ترغيبهم الاسكتلنديين بالوحدة فقد أعلنوا أيضا دعمهم خطة لنقل مزيد من السلطات لأسكتلندا حال رفضها الاستقلال.

حملات الترغيب في الاستقلال تقابلها حملات تهديد وتخويف من الانفصال، يتبناه كثير من الجهات التجارية والبنكية، حيث تلقت حملة “لا” دفعة أخرى يوم الخميس الفائت عندما أكد “رويال بنك أوف سكوتلاند” أنه سينقل مقره الرئيسي إلى لندن في حال التصويت “بنعم”. وقال البنك في بيان له “إن هذه الخطوة تعد الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل بوضوح مع جميع مالكي الأسهم وتخفيف المخاطر التي تم تحديدها سابقا في تقريرنا السنوي”.

واعتبر صندوق النقد الدولي أن انتصار “نعم” في استفتاء استقلال أسكتلندا سيسبب حالة من الارتباك، وقد يثير ردود فعل “سلبية” في الأسواق. وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي بيل موراي في مؤتمر صحافي إن “أحد أبرز الردود الفورية قد يكون غموضا في العملية الانتقالية نحو وضع نقدي ومالي مختلف في إسكتلندا”. وأضاف إن “هذا الغموض قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية على الأسواق على المدى القصير”.

ورغم حرص الكس سالموند رئيس الوزراء الأسكتلندي وزعيم الحملة الداعية للاستقلال، على الطمأنة بالتأكيد أن أسكتلندا المستقلة ستحتفظ بالعملة ذاتها وبانتمائها إلى الاتحاد الأوروبي وبالولاء للملكة اليزابيث الثانية، إلا أن الزعماء السياسيين البريطانيين استبعدوا في الواقع أي وحدة نقدية بين باقي المملكة المتحدة وإسكتلندا إذا ما اختارت الاستقلال، رافضين وحدة نقدية دون وحدة سياسية. بينما القطاع المالي يتساءل عمن سيتولى وظيفة المقرض الأخير (التي يقوم بها حاليا بنك إنجلترا) بالنسبة للمصارف التي ستبقى في الشمال.

مؤسسات أخرى غير بريطانية بدأت أيضا تتبنى موقف المعارضين للانفصال مثل البنك الوطني الأسترالي أو “ناشونال بنك أوف أوسترليا” الذي يمكن أن ينقل فرعه في إسكتلندا إلى الجنوب. في السياق ذاته كرر العملاق النفطي بريتش بتروليوم، الناشط جدا في بحر الشمال، أن هذه الآبار ستكون مستغلة بشكل أفضل “إذا تم الإبقاء على قدرات ووحدة المملكة المتحدة”. إلى ذلك ستطرح أيضا مسألة تقاسم الثروات النفطية في بحر الشمال. وتتوقع وسائل الإعلام البريطانية التوجه نحو توزيعها على أساس جغرافي باتباع خط تقاسم مياه الصيد البحري، الأمر الذي سيعطي أسكتلندا 91 % من العائدات.

للخروج من هذا المأزق، فإن وجود اسكتلندا المستقلة بحاجة الى عملتها الخاصة، وهو خيار قد اعترفت مؤخرا حملة “نعم” فقط باعتباره ممكنا في ظل “خطة بديلة” دون السيادة النقدية.

غير أن انعكاسات الاستقلال المحتمل على الصعيد الاقتصادي ما زالت تتضمن عناصر غامضة وعلى الأخص حول مسألتين أساسيتين هما العملة والانتماء إلى الاتحاد الاوروبي.

وقال برادلي ماكاي الأستاذ في كلية التجارة في جامعة ادنبرة “إن الناس في الشركات لا يعرفون ما ينبغي أن يتوقعونه”.ورددت حكومة لندن أنه من غير الوارد لاسكتلندا المستقلة أن تتقاسم معها الجنيه الإسترليني ضمن اتحاد نقدي، كما يدعو إليه الانفصاليون. كما أن إمكانية انضمام البلد الجديد إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما تعتبره العديد من الشركات أمرا أساسيا، ما زالت غير محسومة.

وقال ماكاي إن “أي شخص يبدو موافقا على أن اسكتلندا سوف تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكن لا أحد يعرف الآلية والمدة، وما إذا كان الأمر سيستغرق 18 شهرا أو سنتين أو خمس سنوات.”

وترى الشركات البريطانية الكبرى المتمركزة في اسكتلندا إن الوضع لا يزال شديد الغموض ويطرح الكثير من التساؤلات وهو ما لا تعتبره مطمئنا. مقابل ذلك، ولاستمالة القادة الاسكتلنديين وعد قادة أحزاب المحافظين والعماليين والليبراليين الديمقراطيين البريطانيين بمنح أدنبرة مزيدا من الصلاحيات إن بقيت ضمن المملكة المتحدة، لكنهم حذروا من أسوأ الصعوبات في حال قطع صلات اقتصاد اسكتلندا مع لندن.

وسيضع إجمالي الناتج الداخلي في استكلندا في حال استقلالها البلاد الجديدة في مستوى فنلندا واليونان وإيرلندا تقريبا، وهو أمر كاف إلى حد كبير لتدير أمورها بنفسها، بيد أن الروابط قوية جدا مع بقية مناطق المملكة المتحدة وقطعها سيهز البلاد على الأرجح، وفق متابعين.

ولخص جاك ألن الخبير في معهد الأبحاث “كابيتال إيكونوميكس” الوضع بقوله “قد تكون هناك فترة طويلة من التفاوض بين حكومتي ويستمنتر وهوليرود (البرلمان الاسكتلندي) حول مواضيع مهمة مثل تقاسم الدين العام وضبط البنوك الاسكتلندية والمسألة النقدية”.

وفي حال فوز المؤيدين للاستقلال في 18 ايلول/ سبتمبر المقبل لن تنال اسكتلندا فعلا استقلالها بشكل رسمي سوى في 24 آذار/مارس 2016. لكن المعركة على العملة الوطنية لم تنتظر في الواقع الاقتراع لتبدأ، ويقترح سالموند وحزبه الوطني الاسكتلندي وحدة نقدية بين اسكتلندا وما تبقى من المملكة المتحدة (انكلترا، بلاد ويلز وايرلندا الشمالية)، تحت إشراف بنك انكلترا وهو نموذج مشابه للبنك الأوروبي المركزي بالنسبة لمنطقة اليورو.لكن هذا السيناريو رفضته بشكل قاطع الأحزاب الثلاثة في ويستمنتر مثل زعيم الحملة “أفضل معا” بيتير توغيذر المؤيد لبقاء اسكتلندا في أحضان المملكة المتحدة , أليستر دارلينغ وزير المالية العمالي السابق.

هدى النعيمي