العبادي بعد معركة تكريت يواجه استحقاقات سياسية… لمنحه الميليشيات سلطة وجودها وحمايته وفي سوريا عززت إيران وجودها…وحزب الله خسر السمعة والمقاتلين واكتسب الخبرة

العبادي بعد معركة تكريت يواجه استحقاقات سياسية… لمنحه الميليشيات سلطة وجودها وحمايته وفي سوريا عززت إيران وجودها…وحزب الله خسر السمعة والمقاتلين واكتسب الخبرة

bMz5rTW

يواجه رئيس الوزراء العراقي امتحانا في الأيام المقبلة لإرضاء ميليشيات الحشد الشعبي التي لعبت دورا في المعركة الجارية في تكريت. وكان لافتا سفر حيدر العبادي إلى نواحي المدينة برفقة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق الذي تسبب في الدمار الحالي وجاء يركض كي يشارك العبادي «المجد والانتصار».
ولم يخف المسؤولون العراقيون الدور الذي لعبته الميليشيات المعروفة بالحشد الشعبي في معركة تكريت التي إن تم السيطرة لها فستكون انتصارا رمزيا وضربة لتنظيم الدولة الإسلامية وستؤكد فقدان هذا التنظيم سرعة المبادرة والزخم الذي مكنه من اجتياح شمال العراق صيف العام الماضي. ورغم وقوف الأمريكيين متفرجين تاركين لإيران وحلفائها في العراق قيادة العمليات إلا أن مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة عبر يوم الأربعاء عن مخاوفه من البعد الطائفي للعملية ومن وتصرفات الميليشيات التي لونت تكريت كما تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» بلون وأعلام الميليشيات.

دور أمريكي
ومع ذلك يرى مسؤولون أمريكيون نقل عنهم موقع «ديلي بيست» إن استعادة تكريت إن تمت فستكون نتيجة للجهود الأمريكية. ويقولون إنه بدون الغارات المستمرة على تنظيم الدولة منذ شهر آب/ أغسطس لم يكن الجيش العراقي والميليشيات الشيعية قادرين على التقدم نحو المدينة.
ورغم هذه التصريحات فمن الواضح أن أمريكا في حربها على التنظيم اختارت الوقوف مع إيران. وكما يقول والي ناصر، الباحث في جامعة جون هوبكنز، «أحببنا أم لم نحب، تقف الولايات المتحدة في الوقت الحالي في الصف نفسه مع إيران».
ونقلت كاتبة التقرير نانسي يوسف عن كريستوفر هارمر الباحث المسؤول عن برنامج أمن الشرق الأوسط بمعهد دراسات الحرب بواشنطن قوله إن الغارات الجوية أدت لتقييد حركة تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال باستطاعته تحريك قوات صغيرة «ولكن ما لا يستطيع فعله هو تحريك قوة من 5.000 مقاتل في الوقت نفسه».
ويرى هارمر أن التنظيم توسع أكبر من قدراته ولم يعد بإمكانه وضع قوات في أي مكان يريده. وعليه فقد كان للحملات الجوية التي قام بها التحالف الدولي والعمليات الميدانية التي تمت بقيادة إيرانية أثرت في دحر التنظيم من عدد من المواقع بدءا من بلدة إيمرلي والتي استطاعت الميليشيات العاملة بإشراف الجنرال قاسم سليماني استعادتها بمساعدة من الطيران الأمريكي إلى عمليات ديالى.
ويرى ناصر أن التحالف غير المعلن بين الأمريكيين والإيرانيين مبني على قيام الإيرانيين بالمهام القتالية فيما تؤمن الولايات المتحدة الغطاء الجوي، وهو تحالف يقوم كما هو قائم على «لا تسأل ولا تتكلم». فالولايات المتحدة تقدم الدعم وبشكل سري للقوات المدعومة من الإيرانيين لأنها تريد هزيمة تنظيم الدولة.
ويعتقد ناصر أن الجيش العراقي لم يكن قادرا على مواجهة التنظيم وحده بدون الدعم الإيراني على الأرض. لكن هناك مخاوف من أن يؤدي الدعم إلى التخلص من تنظيم الدولة بمدة قصيرة وفتح المجال أمام حرب تطهير طائفية على المدى البعيد.
وللتأكيد على التحالف غير المعلن بين إيران وأمريكا، يقول «دايلي بيست» إن حملة تكريت التي بدأت في الأول من آذار/ مارس الحالي تقدمت مع تواصل قوات التحالف غاراتها الجوية التي وصلت إلى 1.500 غارة في العراق.
وقد حدت الغارات من تحرك تنظيم الدولة ولم يكن باستطاعته نقل مقاتلين من سوريا والموصل إلى تكريت حيث واجهت الحامية الصغيرة فيها قوات أكبر منها وهو ما اضطرها للانسحاب. وحال تمت السيطرة على المدينة بالكامل فستكون العملية تتويجا للتعاون الأمريكي – الإيراني حسب المسؤولين الأمريكيين لكن ما تريده إيران من العراق يتعارض مع تخطط له أمريكا له. فانتصار إيران في العراق سيعزز من نفوذها السياسي الذي يتنامى منذ عام 2003 وقد يقود إلى عمليات تطهير عرقي ضد السنة.
وظهرت ملامح هذا في الصور التي نشرتها مواقع التواصل الإجتماعي عن جنود عراقيين يعلقون رؤوسا على مقدمة عربات «همفي» الأمريكية الصنع وصورة لجثة القيت من مركز مراقبة عسكري ولقطات فيديو لتعذيب طفل علق على حافة باب وكان المحققون يصفعونه باستمرار، وهو ما أثار مخاوف من أن عملية تكريت التي تلونت منذ البداية بلون الانتقام لمجزرة سبايكر العام الماضي قد تؤدي لانتهاكات واسعة.

استحقاقات
ورغم أهمية التقدم في تكريت التي تعتبر قلب الوجود السني في العراق إلا انه يضع على كاهل العبادي وحكومته استحقاقات واسعة، فلا يعرف إن كان قادرا على التحكم في تصرفات قوات لا تأتمر بأمره بل بإيران. وقد اضطر العبادي نفسه إلى الاعتراف بشرعية هذه الميليشيات التي قال إنها شكلت في فترة حالة الطوارئ عندما كانت قوات تنظيم الدولة تتجه نحو العاصمة بغداد.
وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» لحجم التحديات الملقاة على العبادي، ففي الأسابيع والأشهر المقبلة على العبادي تقديم الدعم للميليشيات التي لعبت دورا في تكريت وإلا التف عليه منافسوه في المعسكر الشيعي. وفي الوقت نفسه على العبادي تجنب تهميش وإغضاب الولايات المتحدة التي لا تزال تقدم الدعم الجوي والتدريب للقوات العراقية.
وترى الصحيفة أن محاولة العبادي إرضاء الصف الشيعي وإضفاء شرعية على الميليشيات ستمعنه من مواصلة بناء مؤسسات الدولة القوية. وترى ماري فانتابي، محللة شؤون العراق في مجموعة الأزمات الدولية إن العبادي «في وضع ينم عن تناقض ظاهري»، «فهو بحاجة لإرضاء الرأي العام والحرس الثوري والحفاظ على دعمه.
ولكن إن بقيت هذه الميليشيات تلعب دورا في المهام الأمنية للدولة وفي الوقت نفسه تحافظ على بنيتها فعندها لن يكون العبادي قويا وسيظل يواجه لاعبين آخرين بمن فيهم المالكي». وأمام معركة تلبست منذ البداية بطابع ديني فقدرة العبادي على المناورة ستظل محدودة.

حصة في الموصل
وفي هذا السياق نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مقاتلين في الحشد قولهم إن الدافع هو ديني وأنهم يخوضون حربا مقدسة ضد المتطرفين السنة، وبفتوى من المرجعية الشيعية العليا في العراق.
وترى الصحيفة أن معركة تكريت ستقنع قادة الميليشيات بلعب دور في معركة الموصل وهو أمر تحاول الولايات المتحدة تجنبه. وتنقل عن مستشار للعبادي قوله «سيكون من الصعب إقناع قادة الحشد الشعبي عدم المشاركة في أهم عملية بعد كل التضحيات التي قدموها واستعادة تكريت».
ورغم قول الكثير من قادة الميليشيات أنهم استطاعوا الدخول لمناطق سيطرة تنظيم الدولة بعد الخبرة التي اكتسبوها من قتال التنظيم في مواقع أخرى واعتمادهم على مناظير بعيدة لتحديد حركة التنظيم إلا أن بعض المحللين يرد تراجع التنظيم من تكريت إلى محاولته تعزيز قدراته في الموصل.
ونقلت الصحيفة عن أيمن التميمي المحلل في «منبر الشرق الأوسط» قوله إن الحديث عن سيطرة تنظيم الدولة على تكريت بشكل كامل مبالغ فيه.
فقد اعتمد في إدارتها على قوات موالية للرئيس العراقي السابق صدام حسين والذين يتشاركون مع التنظيم العداء للحكومة الشيعية في بغداد لكنهم لا يدعمون أيديولوجية الجهاديين المتطرفة.
وبحسب تقديرات العسكريين الأمريكيين فلم يقاتل في المدينة سوى 1.000 جهادي. وفي النهاية تعتبر معركة تكريت انتصارا للدعاية الإيرانية رغم محاولة حكومة العبادي تصويرها على أنها معركة وطنية تشارك فيها عشائر سنية (بشكل رمزي) إلا أنها انتصار للدعاية الإيرانية، وكما يقول كول بانزيل الخبير في فكر الجهاديين في جامعة برنستون «إنها رائعة لدعايتهم وتؤكد وتخدم السرد الذي يقول إن الإيرانيين يقودون مؤامرة شيعية للسيطرة على الشرق الأوسط وأن الأمريكيين متواطئون في هذه المؤامرة».

وفي سوريا
لا تتوقف المؤامرة الإيرانية عند العراق بل ممتدة في سوريا ولبنان واليمن. وفي سوريا بالتحديد التي تدخل الحرب فيها عامها الرابع ساعدت إيران وروسيا بشار الأسد على التمسك بالسلطة.
ومثل العراق يظهر الدور الإيراني علانية. فقد دخلت إيران والميليشيات العراقية التي دعمت النظام السوري إلى سوريا باسم «حماية المزارات الشيعية» وظلت متمركزة في دمشق والشمال ثم تطورت إلى دخول حزب الله اللبناني ومتطوعين من المجتمعات الشيعية جاءوا من أنحاء مختلفة في العالم.
وأظهرت دراسة أعدها فيليب سميث «الجهاد الشيعي في سوريا»(2015) كيف حشدت إيران والشيعة في العراق كل الرموز الدينية لدخول سوريا. وكيف قامت إيران بالتعامل مع دعم النظام السوري كواجب ديني. ومنذ أكثر من شهر تخوض قوات شيعية ومن حزب الله معارك قرب الحزام الجنوبي القريب من سوريا بشكل يهدد بجلب إسرائيل لمواجهة مباشرة مع هذه القوات. وفي حالة نجحت القوات الإيرانية في جهودها فستسيطر على الجزء السوري من مرتفعات الجولان. مما يعطي طهران ميزة إضافية ضد إسرائيل قبل التوصل لاتفاق مع القوى الغربية بشأن ملفها النووي.
ونقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونتيور» عن سميث المحاضر بجامعة ميريلاند قوله « يرغب الإيرانيون من خلال حزب الله إكمال الطوق من شمال إسرائيل مما يمنحهم مدخلا للجولان، وأعتقد أن هذا تحرك استراتيجي مهم».
وتقول الصحيفة إن إسرائيل تراقب عن كثب التحركات الإيرانية في الجولان. وترى أن هناك مخاطر للعمليات الإيرانية في المنطقة ففي حالة ارتكاب خطأ أو سوء تقدير من الجانب الإيراني فقد يؤدي لاندلاع حرب واسعة في المنطقة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اتهم إيران بالبحث عن جبهة ثالثة للمواجهة مع إسرائيل بعد غزة ولبنان. وعاد وذكر الكونغرس بالنشاطات الإيرانية في خطابه أمامه الثلاثاء الماضي. وكانت إسرائيل قد قتلت في 18 كانون الثاني/ يناير أربعة من القادة الإيرانيين وحزب الله قرب القنيطرة.
ولم يمنع الهجوم إيران عن مواصلة نشاطاتها بل أعلنت بعد الهجوم الإسرائيلي عن عملية «شهداء القنيطرة» في شرق الجولان. ونقل مراسل الصحيفة نيكولاس بلانفورد عن مقاتل من حزب الله قوله «سنسيطر على المنطقة شبرا بعد شبر حتى نصل الحدود مع إسرائيل». وأكد المقاتل وجود قوات إيرانية «ليس فقط ضباط ولكن جنودا»، «وستكون إيران قريبة من الحدود الإسرائيلية ولن تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى». وسيطرت القوة المكونة من مقاتلي حزب الله وإيرانيين وعراقيين وأفغان على عدد من القرى في نهاية الشهر الماضي. ويشكل الوجود الإيراني في جنوب سوريا معضلة لإسرائيل.
ويرى الكاتب أن توصل طهران لاتفاق مع مجموعة 5+1 بنهاية حزيران/ يونيو بشأن وقف النشاطات النووية سيتعزز من خلال الوجود في الجولان حيث ستعمل القوات الإيرانية فيها كقوة ردع بديلة عن المشروع النووي.
والمخاطر من النشاطات الإيرانية نابعة من تحول الجبهة التي ظلت هادئة طوال أربعة عقود إلى ساحة حرب بين إيران وإسرائيل مما سيؤدي زيادة الفوضى في سوريا. ويقول دبلوماسي إن النشاط الإيراني يعتبر خلطة ملتهبة وقد تقود إلى أخطاء في التقدير. و «قد تكون خطيرة جدا».

فيتنام حزب الله
وفي تقرير آخر لبلانفورد أشار لثمن التدخل الذي يدفعه حزب الله في سوريا. فمنذ أن أكد زعيم الحزب حسن نصر الله مشاركة الحزب عام2013 دخلت الجماعة الشيعية دوامة حرب لا نهائية كلفتها عددا كبيرا من الضحايا. وكان هذا واضحا في معركة القصير التي استمرت 17 يوما وخسر فيها عشرات من مقاتليه. وأدى هذا ببعض المراقبين لوصف دعم حزب بشار الأسد بأنه بمثابة الدخول في «فيتنام» أي حرب طويلة ومتعبة بدون مخرج أدت لتراجع رصيد الحزب في العالم العربي.
وكان المعلق ميشيل موعد الذي يعارض حزب الله قد كتب «ستكون معركة القصير بمثابة فيتنام حزب الله». ورغم هذه التوقعات والخسائر التي تعرض لها الحزب إلا أن حرب سوريا كانت بمثابة الساحة التي أخرجت جيلا جديدا من المقاتلين الذين تعلموا خبرات جديدة وفي الوقت نفسه أسهموا ببقاء الأسد في منصبه.
ويرى الكاتب أن النقد لدور حزب الله في سوريا قد تراجع على الصعيد المحلي وذلك بسبب صعود التنظيمات الجهادية التي غالبا ما يصفها حسن نصر الله بالجماعات التكفيرية.
ويقول مايكل يانغ، المحلل السياسي اللبناني إن حرب فيتنام تعني «مستنقعا» وبالنسبة لحزب الله فلم تتحول مشاركته إلى مستنقع. وكان نصر الله قد برر منذ عام 2013 المشاركة في سوريا من أجل حماية «محور المقاومة»، فالنظام السوري يعتبر نقطة وصل مهمة، تربط الحزب مع راعيته الإيرانية.
وكما يقول جيفري وايت، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني «كان نصر الله واضحا أن حماية النظام ومحور المقاومة يعتبران استراتيجيين لحزب الله».
ويقاتل الآن في سوريا ما يقرب عن 5.000 مقاتل من الحزب ويشاركون في معارك تمتد من الحسكة وحلب واللاذقية إلى دمشق ودرعا.
وفي الوقت الحالي يستفيد النظام السوري من الوضع فقد تراجعت قوة المعارضة المعتدلة، وحرف الإهتمام الدولي بتنظيم الدولة النظر عن مصير الأسد. ورغم كل هذا فقد دفع حزب الله ثمنا باهظا، فمنذ بداية المشاركة في سوريا منذ عام 2012 قتل ما يزيد عن 1.000 من مقاتليه.
ويقترب العدد من ضحاياه الذين سقطوا في الحرب ضد إسرائيل في الفترة ما بين 1982- 2000 وهو 1.284 شخصا. بالإضافة لخسائره المادية تراجعت شعبيته في العالم العربي وأصبحت شخصية حسن نصر الله مكروهة.
وكما تقول راندا سليم من معهد واشنطن «سال دم كثير ومات الكثيرون وتراجعت الثقة ولهذا فمن الصعب على الحزب إعادة تأهيل نفسه وسط الشارع السني».
ويرى بلانفورد أن إيرن التي تقود المعركة في سوريا ليست مستعدة لتقديم ورقة التين للمعارضة السورية لإنقاذ العلاقات السنية ـ الشيعية بل وعلى العكس ضاعفت من التزامها بالأسد وقامت ببناء ميليشـيات جديدة في سـوريا على شـاكلة حـزب الله ونشرت الحرس الثوري الإيراني. ويزعم قادة إيران العسكريين أنهم حرروا 85% من الأراضي السـورية.

إعداد إبراهيم درويش

نقلا عن القدس العربي