“خلية العبدلي” إلى أين ستقود العلاقات الإيرانية الكويتية؟

“خلية العبدلي” إلى أين ستقود العلاقات الإيرانية الكويتية؟

في العشرين من الشهر الحالي  أعلنت وزارة الخارجية الكويتية بخفض عدد دبلوماسيي السفارة الإيرانية وإغلاق مكاتبها الفنية، وتجميد نشاطات اللجان المشتركة بين البلدين؛ على خلفية تطورات قضية “خلية العبدلي” المتهمة بالقيام بأعمال “إرهابية” مرتبطة بإيران. الأمر الذي يشير أن العلاقات الإيرانية ـ الكويتية دخلت نفق الأزمة من بوابة الأمن.

 التوتر الحالي في العلاقات بين الكويت وإيران مرتبط بقضية ما باتت تعرف بـ«خلية العبدلي»، وهي القضية المتهم فيها 26 كويتياً وإيراني واحد يشكّلون تنظيماً كويتياً متهماً بالضلوع في «مؤامرة» لزعزعة الأمن في البلاد، بالتعاون مع إيران و«حزب الله» في لبنان. لكن الفصل الأول من هذا التوتر بدأ فعلاً يوم الإعلان عن اكتشاف هذه الخلية، في 13 أغسطس (آب) 2015، خصوصا أن المتهم الأول فيها والمحكوم بالإعدام هو الدبلوماسي الإيراني عبد الرضا حيدر دهقاني الذي صدر عليه حكم بالإعدام غيابياً، وكان يعمل في سفارة بلاده لدى الكويت.
أما الفصل الثاني من الأزمة الدبلوماسية، فقد تفجّر أمس بعدما تبيّن أن 16 متهماً محكومين في قضية العبدلي، قد اختفوا عن الأنظار، بعدما أبطلت محكمة التمييز أحكاماً بالبراءة لـ15 متهماً منهم، والحكم مجدداً بحبسهم مدداً تتراوح بين 5 و10 سنوات، بالإضافة إلى المتهم إيراني الجنسية (دهقاني) الذي صدر عليه حكم بالإعدام غيابياً. وتشمل القائمة التي تلاحقها السلطات متهماً كويتي الجنسية صدر بحقه حكم بالسجن 15 عاماً، و11 متهماً كويتياً صدرت بحقهم أحكام سجن لمدة 10 سنوات، و3 متهمين صدرت بحقهم أحكام سجن لمدة 5 سنوات.وكانت محكمة التمييز ألغت في 16 يونيو (حزيران) الماضي أحكام البراءة التي حصلوا عليها من محكمة الاستئناف في 21 يوليو (تموز) 2016.
وتسود البلاد شكوك بأن المتهمين الـ16 قد فرّوا بالفعل بحراً من الكويت إلى إيران، رغم أن وزارة الداخلية قالت أول من أمس، في بيان، إنها ما زالت تعتقد أن معلوماتها تؤكد من خلال السجلات الرسمية أن أعضاء الخلية الـ16 لا يزالون داخل الكويت، لكنهم متوارون عن الأنظار. وعلى وقع «الصدمة»، تفجّرت من جديد الأزمة السياسية مع إيران، حتى إن «وكالة أنباء الطلبة» الإيرانية قالت إن «الكويت أمرت السفير الإيراني بمغادرة البلاد»، وهو ما لم تؤكده مصادر كويتية.

 يرى مراقبون  أن الإجراءات التي اتخذتها الكويت تشير إلى أن التهديدات التي تفرضها ممارسات إيران وصلت إلى درجة لا يمكن التزام الصمت تجاهها أو عدم الرد عليها، على غرار ما حدث قبل ذلك.كما أن الكويت وجدت من الدلائل ما يعزز ضلوع إيران في تأسيس ما يسمّى بـ”خلية العبدلي” في أغسطس 2015 واختفاء بعض المتهمين فيها، وربما نقل عدد منهم إلى داخل أراضيها، بشكل دفعها إلى توجيه رسالة تحذير قوية لطهران عبر تلك الإجراءات.تكتسب هذه الخطوات أهمية خاصة أيضا لجهة توقيتها، لأنها جاءت في مرحلة تتصاعد فيها الاتهامات الموجهة إلى إيران بدعم الإرهاب وتهديد أمن واستقرار بعض دول المنطقة.  ويفرض إقدام الكويت على تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في هذا التوقيت المزيد من الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها إيران. ويضع عقبات جديدة أمام محاولات الترويج لدورها المزعوم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، خاصة بعد انتهاء معركة الموصل.تزامن الموقف الكويتي مع تصاعد حدة الضغوط الدولية على إيران، فقد اتهم التقرير السنوي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في 19 يوليو الجاري إيران بأنها ما زالت الدولة الأولى الراعية للإرهاب على المستوى العالمي.

قبل قضية ” خلية العبدلي”، لطالما كان ثمة شكوك كويتية تظهر بين الفينة والأخرى، حتى في فترات الهدوء، حول تورط إيران في بناء شبكات تجسس وتخريب في الكويت.العنصر الشيعي الكويتي الوازن (ديمغرافياً وعملياً، إذ يشغل مناصب مؤثرة) في الدولة الخليجية كان لعب في مناسبات عدة دوراً تقريبياً بين البلدين، لكنه في المقابل أثار المخاوف من كونه بيئة خصبة يمكن لإيران استغلالها كورقة ضغط إذا ما احتاجتها في الخليج، لا سيما وأن رجال دين شيعة في الكويت خرجوا مراراً للدفاع عن المتهمين في قضايا تجسس.في الثمانينات، وإبان الحرب العراقية – الإيرانية، شهدت العلاقات بين البلدين توتراً ملحوظاً، إذ وقفت الكويت على الحياد لتميل لاحقاً لصالح العراق.في تلك الفترة، شهدت الدولة الخليجية أحداثاً أمنية عدة كتفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية (1983) ومحاولة اغتيال أمير الكويت (1985) أو محاولة اختطاف طائرة كويتية (1988)… وكان التخطيط لهذه الأحداث، يُنسب لإيران إما مباشرة أو بالتلميح إليها.لاحقاً، وتحديداً بعد الغزو العراقي للكويت، تحسنت العلاقات بين الطرفين بعد وقوف طهران بجانب الكويت. ومع ذلك بقيت أخبار اكتشاف خلايا تجسسية تظهر من حين لآخر ليعود الكلام معها عن انعدام الثقة الكويتية بإيران.أبرز تلك الاكتشافات سجلها العام 2010 مع إعلان اكتشاف شبكة تجسس إيرانية أعقبها أحكام بالسجن المؤبد على 4 أشخاص، بينهم إيرانيان بتهمة “التجسس لصالح إيران”، وجرى الحديث حينها عن أن الشبكة المكتشفة هي واحدة من أصل 8 شبكات تجسس عملت في البلاد بإشراف الحرس الثوري الإيراني.في العام نفسه، اتهم دبلوماسيون إيرانيون بتجنيد أعضاء الشبكة قبل أعوام سابقة، وعلى خلفية الاتهام جرى طرد مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين في العام 2011 وحذرت الكويت من تداعيات القضية على العلاقات الثنائية.وتتهم شبكات التجسس بنقل معلومات عن منشآت كويتية وأمريكية ومراقبة الجيشين الإيراني والأمريكي ورصد المواقع الأمريكية في البلاد للحرس الثوري، وهي تهم نفتها إيران تماماً في مناسبات مختلفة

في العام 2012، عادت أزمة “حقل الدرة” أو (“أراش” إيرانياً) بين البلدين والمستمرة بين صعود وهبوط منذ الستينيات. وحقل الدرة هو المثلث المائي الواقع بجزء منه على الحدود المشتركة بين الكويت والسعودية وبجزء آخر مع إيران. وفي حين كانت الأخيرة قد حلت أمورها الحدودية مع كل من قطر والبحرين، بقيت على خلاف مع الإمارات بشأن الجزر ومع الكويت بشأن استغلال الحقل. في الستينات منحت إيران حق التنقيب والاستغلال لشركة “بريتش بتروليوم” بينما منحت الكويت الامتياز لـ”رويال داتش شل”، وتقاطع الامتيازان في جزء من الحقل الذي يقدر احتياطي الغاز فيه بحوالي تريليون قدم مكعبة.حينها احتجت الكويت على بحث إيران عن الغاز في الحقل الذي لم يتم الاتفاق بشأن ترسيم الحدود فيه، مع العلم أن تطورات القضية ارتبطت كذلك بالجوانب السياسية، إذ أن التقارب السياسي انعكس تهدئة في الملف، مقابل الاندلاع إبان مراحل التوتر.وتُعرف الأزمة الحدودية البحرية بين البلدين بـ”الجرف القاري”، واشتعلت في العام 2012 بعد تصريح رئيس شركة نفط الجرف القاري الإيرانية الحكومية أنه “إذا تم رفض دبلوماسية إيران سنمضي قدماً في جهودنا لتطوير حقل أراش البحري للغاز في الخليج من جانب واحد”، فأتى الرد الكويتي باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في الكويت وتسليمه مذكرة احتجاج.

في عام 2015م، طفت على السطح بوادر صراع كويتي إيراني جديد، لكنه لم يكتمل، وذلك عندما استدعت الخارجية الكويتية بأعمال السفارة الإيرانية لديها احتجاجاً على طرح إيران مشروعين لتطوير حقل الدرة النفطي، حسبما ذكرت الخارجية الكويتية.وقالت الخارجية الكويتية، آنذاك، إنها سلمت مذكرة احتجاج بسبب تقارير أشارت إلى إصدار شركة النفط الوطنية الإيرانية نشرة بشأن الفرص الاستثمارية النفطية في إيران، متضمنة فرصاً للاستثمار في أجزاء من امتداد حقل الدرة، الواقع في المنطقة البحرية المتداخلة التي لم يتم ترسيمها بين الكويت وإيران.ويعود النزاع حول هذا الحقل إلى الستينيات عندما منحت إيران حق التنقيب والاستغلال للشركة الإيرانية – البريطانية للنفط، في حين منحت الكويت الامتياز لشركة “رويال داتش شل”، وقد تداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من حقل الدرة.وفي العام 2016، قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ولحقتها بعض الدول الخليجية، في حين اكتفت الكويت باستدعاء السفير الإيراني وتقديم مذكرة احتجاج شديد اللهجة.وبداية 2017، وفي خطوة لتهدئة الأوضاع، زار وزير الخارجية الكويتي محملاً برسالة من أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح، إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، بشأن العلاقات الخليجية الإيرانية، في حين زار روحاني الكويت والتقى أميرها.

رغم التطور الأخير في تقليص حجم البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الكويت، إلا أن ثمة ما يشبه الإجماع على عدم إمكانية تطور الأمور إلى قطيعة تامة. يؤكد ذلك وعي صناع القرار في الكويت، كما في إيران، هناك مجموعة من المحددات والمعطيات الجيوسياسية والديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحكم العلاقات الإيرانية– الكويتية:

 1-الموقع الجغرافي: لا يوجد للكويت حدود مباشرة مع إيران، بل يفصل بينهما العراق ومياه الخليج العربي، لكن تجاورهما أسهم بتشكيل روابط اقتصادية وثقافية بين البلدين. حسب الإحصائيات المنتشرة، يزور إيران أكثر من 200 ألف زائر سنوياً، بينما تتواجد العديد من العائلات من أصول إيرانية في الكويت وعددها يقارب الـ50 ألفاً. كما تشكل السياحة، وبالأخص الدينية، بين البلدين عاملاً مهما، إذ يتجه كثر من الكويتيين سنويا لزيارات المقامات المقدسة في إيران.

2- الرابط المذهبي: يمثل الشيعة في الكويت ما يقارب الـ20%، لكن علاقتهم الجيدة بالأسرة الحاكمة ودورهم في مجالات السياسة والإعلام جنّب البلاد الانزلاق إلى توترات مذهبية شهدتها دول خليجية أخرى، وإن كانت التوترات المذهبية التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة، انعكست جدلاً كويتياً – كويتياً تجلى باتهام النواب الشيعة لجهات كويتية بغض النظر عن تمويل بعض الكويتيين لمتطرفين في العراق وسوريا.

3- الاقتصاد والنفط: في السبعينات، وقعت الدولتان اتفاقيات ومعاهدات اقتصادية عدة بينها اتفاقية الترانزيت والتجارة (إعادة تصدير البضائع)، والتبادل التجاري بين موانئ الكويت والمحمرة وبوشهر وبندر عباس، كما تشير الأرقام، 2014 مثالاً، إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ حوالي 150 مليون دولار سنوياً.

وتعتبر إيران دولة استراتيجية مهمة للكويت انطلاقاً من ثقلها السياسي وموقعها المتميز، فضلاً عن كونها مصدراً أساسياً للغاز للكويت. في المقابل، تشكّل الكويت، انطلاقاً من موقعها الجيواستراتيجي في المثلث بين إيران والعراق والسعودية، فضلاً عن مخزونها النفطي ودبلوماسيتها الهادئة، قيمة أساسية لإيران في المنطقة.

قد يعبّر عن حدود مشكلة التمثيل الدبلوماسي المستجدة وارتباطها بالمصالح الاقتصادية ما قاله أحد المسؤولين الكويتيين السابقين لصحيفة “هافنغتون بوست” تعليقاً “الكويت تستورد المواد الزراعية والإنشائية والغذائية من الخارج، ومن بينها إيران… من الأفضل أن تحتفظ الكويت بعلاقات جيدة مع الجيران، ومن ضمنهم إيران، التي هي عضو في أوبك، تلك المنظمة التي تحدد سياسة النفط وهو المورد الوحيد للكويت”.

في العلاقات الإيرانية– الكويتية من الصعوبة بمكان فصل الجغرافيا والديمغرافيا عند التحليل؛ فقدر دولة الكويت أن موقعها بين ثلاث قوى رئيسية في المنطقة: المملكة العربية السعودية، وإيران، والعراق؛ لذلك كان على الكويت محاولة التوفيق والجمع بين هذه الدول، ولكن الكويت تنحاز إلى الإخوة بدول الخليج العربي في توجهاتها وأفكارها، إلا أنها دائمًا ما تلعب دور الوسيط بينهم وبين إيران؛ نظرًا للتركيبة السكانية؛ فالشيعة في دولة الكويت ينقسمون إلى قسمين؛ شيعة عرب، وشيعة عجم، وكانت الأخيرة من المهاجرين للكويت في فترة السبعينيات، لذلك كونوا لوبي قويًا في الكويت للحفاظ على العلاقات الإيرانية الكويتية ومحاولة تقويتها وخروجها عن الصف الخليجي، وذلك عندما طلب النائب في مجلس الأمة الشيعي عبد الحميد دشتي استجواب وزير الخارجية الكويتي بخصوص مشاركة الكويت في حرب اليمن، فتسبب بأزمة داخل الكويت، فكانت حديث الرأي العام، مما أجبر القيادة السياسية الكويتية بالبت في القضية عند تصريح أمير الكويت بأن أي إساءة للسعودية أو دول الخليج هي إساءة لي شخصيًا. أخيرًا، صانع القرار الكويتي يعي حجم التداخل والتبادل الاقتصادي والاجتماعي والأمني مع إيران، فتحتم عليه الهدوء وعدم التصعيد، إضافة إلى عدم المساس بأمن الخليج والوقوف صفًّا واحدًا مع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، ونظرًا لمعطيات البيئة الإقليمية الراهنة؛ فإن سيناريو المد والجزر هو الذي سيحكم العلاقات الإيرانية الكويتية.

وحدة الدراسات الخليجية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية