«حزب الله» و «النصرة» ومبررات استمرار الصراع

«حزب الله» و «النصرة» ومبررات استمرار الصراع

تتشابه أجندة كل من ميليشيات «حزب الله» و «هيئة تحرير الشام»، أو «جبهة النصرة» سابقاً، في سورية، وإن اختلفت التبعية والتوظيفات، إلا أن النتائج المأمولة من كليهما تقضي بتفشيل الحراك السوري الذي قام من أجل الحرية والديموقراطية وحقوق المواطنة، وإقامة ما يسعى إليه كل طرف منهما. الجمهورية الإسلامية في إيران أولهما، تحت ما يسمى دولة «ولاية الفقيه»، والآخر «الإمارة الإسلامية»، التي تتبع «القاعدة»، أي أن كليهما يشتغل لأجندة لا علاقة لها بجغرافية سورية المعروفة، ولا بأجندة السوريين، أو بالمقاصد الأساسية التي اندلعت من أجلها ثورتهم، في أواسط آذار (مارس) 2011.

وفقاً لذلك سعى الطرفان، منذ بداية انخراطهما في الصراع السوري، إلى تغليب الصراع العسكري على السياسي، بل تحويل الصراع كلياً إلى صراع عسكري برداء طائفي، أو صراع طائفي بأدوات عسكرية، ما كان من شأنه صياغة مشهد الحرب في سورية على انها حرب سنية- شيعية، الأمر الذي منح النظام فرصة التلاعب بالصراع السياسي، وزعزعة صدقية الثورة، علماً أن تدخل «حزب الله» كان منذ الأسابيع الأولى لانطلاقة احتجاجات السوريين، بينما بدأت مفاعيل ظهور «النصرة» في سورية في نهاية عام 2011.

فمن جهته، فإن «حزب الله» الذي لا يرى في لبنان دولة مستقلة، وإنما جزءاً من الدولة الإسلامية الكبرى التي يحكمها «الولي الفقيه»، الذي تمتد ولايته بامتداد المسلمين، يعمل ضمن هذه العقائدية أيضاً في سورية، وهو لا يختلف في عقائديته تلك عن «جبهة النصرة»، التي لا تعترف أيضاً بحدود الدولة السورية، ولا بأهداف ثورتها، وهو ما أعلنه أمير «جبهة النصرة» ابو محمد الجولاني (في تموز/يوليو 2014) عند إعلان إقامة إمارة إسلامية على أرض الشام، مؤكداً أن جبهته «لن تسمح للمشاريع العلمانية والانبطاحية والخارجية» بأن تقطف ثمار الجهاد في سورية.

لا يجتهد الطرفان (الحزب و «النصرة») في اختراع مبررات لاستمرار الصراع في سورية للإطاحة بأي بارقة أمل قادمة، سواء عبر المفاوضات في جنيف أو آستانة، أو عبر اتفاقات الولايات المتحدة – روسيا فوق التفاوضية، كما حدث في اتفاق جنوب غربي سورية، بل يتابعان معاركهما المفتعلة، كما حدث في جرود عرسال، لتثبيت وجودهما، أو وجود الأطراف التي تقف خلفهما، في المفاوضات الدولية من جهة، ومتابعة مخططاتهما في عملية التغيير الديموغرافي، التي بدأت من حمص، واستمرت في ريف دمشق وإدلب وحلب، والآن في جرود عرسال، وفي جميعها كان لـ «حزب الله» و«النصرة» يد واضحة قبل عقدها، بصناعة مسببات الاقتتال، وأثناء العمليات القتالية الوحشية، ثم عبر الحصار، وصولاً إلى إجراء المفاوضات وتالياً التهجير والتغيير الديموغرافي المنشود لكليهما.

ولعل قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار في عرسال، وما يترتب عليه من نتائج على كلا الطرفين، تبين مدى التفاهمات التي تجمع بينهما، في التوظيف والأجندة وإلحاق الأذى بثورة السوريين وشعب سورية عموماً.

على ذلك يبدو أن «حزب الله» يريد إعادة الاعتبار لوجهه اللبناني، بعد أن فقده كلياً من خلال تبنيه الصريح لمشروع «ولاية الفقيه» في سورية، وهو الذي أجّج مخاوف اللبنانيين الذين يدركون أن مشروع «ولاية الفقيه» لن يتوقف عند المهمة العسكرية للحزب في سورية. بل يعتقد بأن لزاماً عليه أن يصنع انتصاراً للحاكم وصاحب الزمان «الوليّ الفقيه» في مكان اقامته لبنان، ومن أجل تخفيف حدة تلك المخاوف أراد الحزب أن يصور نفسه كـ «المخلص» للبنانيين، المتأزمين من وجود «النصرة» على حدودهم وداخلها، وكذلك أن يتجاوب مع تلك الأصوات المنزعجة من تزايد عدد اللاجئين السوريين في لبنان، فكانت المعركة مع «النصرة»، ثم المشهد العنيف، لينتهي باتفاق وقف النار وخروج المقاتلين ومعهم بضعة آلاف من اللاجئين، الذين اشتدت عليهم الحياة وتساوت مع الموت المنتظر في إدلب، حيث «النصرة» وما ينتظرها أو في القلمون حيث النظام وعقوباته التي لا تتوقف.

على الجهة المقابلة كان لا بد من طرف آخر في الاتفاق وهو «النصرة» التي تحتاج هي الأخرى لفك الحصار عن مقاتليها، وزيادة أعدادهم في إدلب، إضافة إلى سعيها الى ايجاد حاضنة شعبية، كي تؤكد للمجتمع السوري قبل الدولي: أن مناطق «النصرة» قابلة للحياة، وأن الدرع البشرية كبيرة جداً، متوهمة بذلك أنها ستحصن سواد المنطقة من الضربة القادمة تحت مسمى الحرب على الإرهاب.

هكذا يعمل كل من «حزب الله» و «النصرة»، وفق مقتضيات الجهة الداعمة، أو الموظفة، أو الممولة، التي تبدو على ما يظهر متضررة من التوسع الحاصل في الاتفاقات فوق التفاوضية، في جنيف وآستانة، والتي تعقدها موسكو، تارة مع الإدارة الأميركية، وأخرى برعاية مصرية، وقادمة تخطو باتجاه تركيا، وكلها بعيدة من المحور الإيراني، الذي يرى نفسه أكثر وضوحاً في مرآة متعاكسة، ما بين «حزب الله» و «النصرة»، رغم اختلاف الوجهة الوظيفية، وتناغم الهدف في هدم أي مشروع لدولة ديموقراطية، تهدد المشاريع الإسلاموية السنّية منها والشيعية، التي تخدم أجندات خارجية، ولا تمت بصلة الى ثورة السوريين، وتطلعاتهم الى الحرية والمواطنة والديموقراطية.

سميرة مسالمة

صحيفة الحياة اللندنية