المرحلة النهائية في أربيل

المرحلة النهائية في أربيل

تعتزم «حكومة إقليم كردستان» تنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول/سبتمبر 2017، بدءاً بما وصفه قادتها بأنها عملية انفصال عن العراق. ولا توافق بغداد وشركاؤها الإقليميون على خطوة «حكومة إقليم كردستان»، رغم أنها كانت متوقعة. فهل ينبغي أن يؤدي الاستفتاء وما بعده إلى إقامة دولة في كردستان العراق؟ هل هناك دوافع أخرى وراء الإعلان عن الاستفتاء في أربيل؟

بلال وهاب: يُعتبر الاستقلال الهدف النهائي لكردستان، وكان الحلم لكل حركة قومية كردية منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية. وأصبح الإقليم الكردي العراقي أقرب اليوم إلى تحقيق هذا الهدف، مع توفر الأسس اللازمة لذلك مثل البيشمركة القوية والإيرادات النفطية وبعض مؤسسات الدولة. ومع ذلك، لم تضع «حكومة إقليم كردستان» استراتيجية أو سياسة لإيصال الإقليم إلى تلك المرحلة. وما يكتسي أهمية حاسمة  ويجب أن نتذكره حول الاستفتاء الذي أُعلن مؤخراً هو أنه في غياب أي سياسة رسمية أو متماسكة، سيُمثل ذلك بداية لعملية نحو الاستقلال. ومن المهم أيضاً الإشارة هنا إلى أن نتيجة الاستفتاء معروفة مسبقاً إلى حد كبير: وفي حين أنه من غير المرجح أن نفس نسبة 98 في المائة من الأكراد العراقيين الذيأعلن رئيس «حكومة إقليم كردستان»ن صوّتوا من أجل الاستقلال في عام 2005 سوف تفعل ذلك مرة أخرى في الاستفتاء القادم، فمن الواضح أن غالبية الأكراد العراقيين سيصوتون بـ “نعم” في أيلول/سبتمبر. والسؤال الذي يواجه صناع السياسات في أربيل هو ما إذا ستكون الأغلبية كبيرة (ربما أكثر من 80 في المائة) أو أقل من ذلك (ربما حوالي 60 في المائة). والفارق بين هاتين النتيجتين سيكون هائلاً، ولكن في النهاية ستكون النتيجة هي نفسها إزاء الاستقلال.

ومع ذلك، ففي حين أن المحللين وواضعي السياسات قد يكونوا متأكدين إلى حد ما بما سيحدث في 25 أيلول/سبتمبر، إلّا أنهم لا يعلمون ما الذي سيحدث في 26 أيلول/سبتمبر. ما الذي ستفعله القيادة السياسية الكردية العراقية مع نتائج الاستفتاء؟ فقد أشارت تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى من «حكومة إقليم كردستان» إلى أنه في أعقاب التصويت بـ “نعم”، سيبدأ صناع السياسة الأكراد بعد ذلك بالمفاوضات مع بغداد. بيد، إن حتى هذه الخطة غير واضحة. هل سيتفاوضون على انفصال عن بغداد؟ هل سيتفاوضون على اتفاق كونفدرالي مع الحكومة العراقية؟ أم أنهم سيتفاوضون حول القضايا العالقة التي منعت حتى اليوم من أن تكون العراق الدولة الاتحادية التي تطلّع إليها الأكراد على مدى سنوات؟ وعندما يتم الضغط على المسؤولين الأكراد العراقيين حول هذه النقاط، غالباً ما يجيبون بالقول إن الأساس المنطقي الرئيسي للاستفتاء القادم هو إرغام نظرائهم في بغداد على احترام أجزاء الدستور العراقي التي تحدد الحكم الذاتي الكردي.

لقد بقي خطاب صناع السياسة في أربيل غامضاً فيما يتعلق بالمقاربة التي يعتزمون انتهاجها، ربما استراتيجياً من أجل إتاحة المجال للمرونة. فقد سبق أن صرحوا أن الاستفتاء لن يؤدي إلى اتخاذ إجراء أحادي الجانب من قبل «حكومة إقليم كردستان»، وأن النتائج لن تكون ملزمة. ومع ذلك، فقد تغيّرت اللغة [المستعملة] حول النقطة الأخيرة – مما يشير إلى أن نتيجة الاستفتاء تلزم «حكومة إقليم كردستان» بالتفاوض على الانفصال عن بغداد. وفي النهاية، يُعدّ التفاوض عبر بغداد السبيل الوحيد لكي تحقق أربيل هدفها المتمثل بالاستقلال دون إثارة غضب دول الجيران في المنطقة مثل إيران أو تركيا، فضلاً عن الجهات الفاعلة الدولية مثل الولايات المتحدة. وعوضاً عن ذلك، يعني العمل مع الحكومة العراقية أن الاستقلال الكردي سيصبح قضية داخلية.

وكان الكثيرون في العراق وفي الخارج يأملون في أن يؤدي الإعلان عن الاستفتاء إلى توحيد الأكراد العراقيين على الرغم من الأزمة الاقتصادية المستمرة [التي يمر بها الإقليم] والمأزق السياسي في المنطقة – أو بعبارة أخرى، أن لا يكون بمثابة وسيلة تضليل لمشاكل أعمق في كردستان العراق. وما يؤكد هذا الانتقاد الأخير هو عدم وجود استراتيجية واضحة المعالم تم توضيحها في أربيل أو المؤسسات القادرة على السعي لتحقيق هدف الاستقلال بعد الاستفتاء.

كما أن الخطاب الكردي بشأن الاستفتاء كان غير متناسق إلى حد ما. ففي الواقع، يَعد الأكراد رسالة مزدوجة. فالرسالة الأولى موجهة إلى المنطقة الأوسع والمجتمع الدولي. وهي تشدد على حق الأكراد العراقيين بتقرير المسار المستقبلي للإقليم، وتشير إلى أن الاستفتاء يمثل عملية ديمقراطية ستصدر إعلان نوايا بدلاً من العمل الانفرادي. ووفقا لهذا السرد، لن يؤدي الاستفتاء سوى إلى إضفاء الطابع الرسمي على ما هو معروف بالفعل عن الدعم الكردستاني للاستقلال.

إلا أن هذا النوع من الخطابات قد أتى بنتائج عكسية على السياسة الكردية المحلية. ففي كردستان العراق، قالت المعارضة لـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الحاكم أن الإقليم قد أجرى بالفعل استفتاءً على الاستقلال في عام 2005. وأسفر التصويت في ذلك الحين عن أغلبية بنسبة 98.9 في المائة لصالح الاستقلال الكردي عن العراق. وقد استخُدمت هذه النتيجة آنذاك كأداة قوية للحصول على تنازلات من بغداد – وعلى رأسها تكريس الفدرالية في الدستور العراقي. ومع ذلك، لم تستفد من هذه النتائج إلا الأحزاب السياسية الكردية الحاكمة في العراق؛ فهي لم تساعد المواطنين العاديين. وفي الوقت الراهن، سأل سياسيون معارضون ما إذا كان استفتاء أيلول/سبتمبر يركز حقاً على تحقيق الاستقلال، أو إذا كان الغرض منه ليس سوى استخدام القومية الكردية للحصول على امتيازات نقدية من حكومة بغداد. وهذه انتقادات وجيهة بسبب عدم وجود استراتيجية تم تحديدها من قبل القادة السياسيين في أربيل.

وبالتالي، تهدف الرسالة الثانية التي نشرتها أربيل إلى تخفيف حدة المعارضة المحلية، وتذكر أساساً أن الاستفتاء الكردي وإعلان الاستقلال هي في الواقع الشيء نفسه. ومن الناحية السياسية، لا يمكن لأحزاب المعارضة أن تجادل ضد الاستقلال. ويمكنها فقط انتقاد العملية التي يجري بموجبها الاستفتاء، وتصعيد خطابها للمطالبة بأن تركز أربيل جهودها بالفعل على الاستقلال بدلاً من المكاسب السياسية. بيد من شأن هذا الإجراء الانفرادي أن يخلق رد فعل إقليمي أكبر من الاستفتاء [نفسه]. إن الطريق الأكثر أماناً لاستفتاء كردستان العراق في المرحلة القادمة هو وضع الاستقرار الكردي في المرتبة الأولى، وإجراء الاستفتاء – ما لم يتم تأجيله إلى وقت آخر – بطريقة قانونية وديمقراطية.

موقع “بوست وور ووتش”: في كانون الثاني/يناير 2005، صوت الأكراد العراقيون بالإجماع تقريباً لصالح الاستقلال. أما اليوم، وفي حين يبدو التصويت بـ “نعم” حتمياً في النهاية، قد لا تكون نسبة الأكراد المؤيدين للاستقلال مرتفعة بقدر ما كانت عليه عام 2005. فمن سيصوت بـ “لا” على الاستفتاء؟

وهاب: يتخذ الأكراد العراقيون الشباب موقفاً مشككاً من الاستفتاء والاستقلال. وبالمقارنة، في عام 2005، لم يكن العجز في الحوكمة لدى «حكومة إقليم كردستان» فاضحاً لهذه الدرجة، إذ صوت الناس آنذاك حصرياً على الهوية القومية الكردية.

وفي مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي”، أعلن رئيس «حكومة إقليم كردستان» مسعود بارزاني أن الأكراد “يفضلون الموت من الجوع على العيش تحت قمع الآخرين واحتلالهم”. ويعكس هذا التصريح رأي جيله الأكبر سناً – الجيل الذي عهد صدام حسين. فبالنسبة إلى هؤلاء الأكراد الأكبر سناً، يتمحور الاستقلال الكردي حول المظالم والإبادة الجماعية، إذ يتذكرون قيام جمهورية مهاباد الكردية القصيرة العهد في إيران. وفي النهاية، يعتبرون أن معاناة الأكراد بمجملها ناشئة عن عدم امتلاكهم دولة خاصة بهم.

وبالنسبة إلى الجيل الأصغر سناً، الذي لم يختبر تلك المأساة، يبدأ تاريخ «حكومة إقليم كردستان» في عام 1992 مع الانتخابات والعقوبات، والازدهار الاقتصادي اللاحق بعد عام 2003. فذكرياتهم عن العراق تكاد تنعدم، بينما تُعتبر النزعة القومية الكردية الشاملة مترسخة في نفوسهم بعمق. وفي بعض الدوائر، تُعدّ مسألة كردستان العراق من المحرمات السياسية، إذ إن التسمية المفضلة هي جنوب كردستان، باعتبار أن كردستان الكبرى هي الهدف النهائي. ولكن بالنسبة إلى هذا الجيل الأصغر سناً، تُعتبر الحوكمة والسياسات الكردية مخيبة للآمال. ويتسم التاريخ الحديث لإقليمهم بفشل أربيل في إدارة ثروات الإقليم على نحو مستدام وعادل بعد [حُكم] صدام. وأظهرت «حكومة إقليم كردستان» الحياة الرغيدة لهؤلاء الشباب، إلا أنها لم تتمكن من الحفاظ عليها بالنسبة لهم.

ولذلك، فإن العديد من العقول الشابة تشكك اليوم في استعداد الحكومة الكردية العراقية لإقامة دولة مستقلة. وقد يكون الشباب أقل استعداداً للتضور جوعاً لكي تنال كردستان استقلالها، إذ لم يعرفوا الجوع قط. وفي المقابل، يطمح هؤلاء الشباب إلى الدراسة في الجامعات، حيازة الأملاك والسيارات، أو تناول الطعام في المطاعم الرائعة. ولن يشددوا على “حق” الأكراد في الاستقلال بقدر تشديدهم على “قدرة”الأكراد على توفير الحياة الرغيدة المتوقعة من دولة مستقلة مستدامة. وقد يخفض هذا الشرخ بين الجيلين عدد المشاركين في الاستفتاء، إذا امتنع الشباب ببساطة عن التصويت أو صوتوا بـ “الرفض”.

موقع “بوست وور ووتش”: في الوقت الذي لم يؤدِ استفتاء عام 2005 إلى قيام دولة كردية عراقية مستقلة، إلا أنه وفّر للإقليم نفوذاً كبيراً خلال المفاوضات حول الدستور مع بغداد في ذلك العام. كيف استخدم القادة الأكراد العراقيون المفهوم والتهديد المتمثل باستقلال الإقليم الكردي كأداة سياسية تجاه الحكومة العراقية الاتحادية؟

وهاب: ما هو مهم أنه كلما قوبلت أربيل برد فعل عنيف من قبل بغداد بشأن الاستفتاء، كلما زادت نسبة الأشخاص الذين سيصوتون بـ “نعم”. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان حساساً لهذه القضية حتى الآن، إذ يسبق انتقاداته لقرار «حكومة إقليم كردستان» بالقول إنه من حق الأكراد العراقيين تقرير مصيرهم، قبل اعتراضه على آليات الاستفتاء المقترح وتوقيته. إلا أن عدد كبير من السياسيين العراقيين الآخرين تبنوا موقفاً متشدداً، حتى أنهم أعربوا في بعض الحالات عن رغبتهم بطرد كل كردي من بغداد إذا أعلنت «حكومة إقليم كردستان» الاستقلال. ولا تؤدي هذه اللغة التصعيدية سوى إلى تسييس المناقشات المتعلقة بالاستفتاء إلى حد أبعد والضغط على العبادي.

يتعين على الأكراد أن يكونوا على درجة كبيرة من الحذر أيضاً. ففي حين أن أولئك الذين يدافعون عن الاستفتاء يقرّون أن شهر أيلول/سبتمبر ليس التوقيت الأمثل، إلّا أنهم يرون في النهاية أن الوقت ليس في صالح كردستان العراقية، حيث يعتبرون أن إجراء الاستفتاء عاجلاً وليس آجلاً أمر أساسي. فلا يريد الأكراد رؤية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي – الذي غالباً ما يُعتبر مصدراً لمشاكل «حكومة إقليم كردستان» – يعود إلى السلطة في بغداد. وفي المقابل، ينظرون إلى العبادي، الذي يتولى السلطة منذ صيف عام 2014، بنظرةً أكثر إيجابية. إلا أن العبادي لم يبطل الكثير من السياسات البارزة التي اتبعها المالكي ضد الأكراد. ويشير هذا التقصير إلى أن بعض المشاكل القائمة بين أربيل وبغداد لا تعتمد على رموز السلطة، بل هي في بعض الحالات بنيوية، وعلى الأخص فيما يتعلق بالنزاع على الميزانية وتقاسم العائدات.

وهناك مؤشرات مبكرة بأن العبادي مستعد للتفاوض بشكل بنّاء مع نظرائه في أربيل. فقد كان متعاطفاً في البداية على نحو مفاجئ مع التطلعات الكردية، إلا أن خطابه أصبح أكثر عدائيةً في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك أساساً إلى الضغوط السياسية المحلية التي تدفعه إلى تبني موقف أكثر تشدداً ضد الأكراد. وقد يسعى العبادي إلى اتخاذ خطوات تصالحية تجاه الأكراد لأنه يحتاجهم لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتعاون معهم في كركوك والموصل في جهود إعادة الإعمار. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للعبادي من الناحية السياسية أن يكون رئيس الوزراء الذي في عهده انقسم العراق خلال فترة إعادة انتخاب. ومن المهم هنا أن نتذكر أن صناع السياسات في كل من أربيل وبغداد يدركون هذه القيود والعوائق، إذ لم يبدِ أي طرف منهما عدائية مفرطة تجاه الآخر. وفي النهاية، يُعتبر هذا التفاهم المتبادل عاملاً إيجابياً سيحدد مسار المفاوضات المستقبلية، حيث أنّ كلا الجانبين له مصلحة في الحفاظ على البيئة الودية التي برزت خلال المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأخيراً، إن العامل الأساسي الآخر الغير معروف وراء عملية صنع القرار في بغداد هو الرأي الإيراني بشأن الاستقلال الكردي. وسيكون من المثير للاهتمام رصد مدى استجابة العبادي لأي ضغط من قبل طهران خلال عملية التفاوض، بالإضافة إلى تصرفات بعض العناصر المدعومة من قبل إيران ضمن «وحدات الحشد الشعبي». ويرتكب الأكراد أحياناً الخطأ المتمثل بتحدي «وحدات الحشد الشعبي»، الأمر الذي يقدم لهذه «الوحدات» حجةً للحفاظ على وجودها في شمال العراق من أجل معارضة تطلعات الأكراد وأفعالهم. ولكن هذه التدابير تُرغم قوات الأمن العراقية على اختيار أحد الطرفين، وهو افتراض خطير للغاية.

موقع “بوست وور ووتش”: على الرغم من أن التصويت بـ “نعم” يبدو حتمياً، إلا أن القادة الأكراد العراقيون قد أكدوا على أن مثل هذه النتيجة لن تعجّل الاستقلال الفوري عن بغداد. فما هي حدود الاستفتاء؟ – ھل ھناك مسائل أساسية (مثل وضع محافظة کرکوك) سيعقّدها هذا التصويت أو سيخفق في معالجتها على نحو ملائم؟

وهاب: يتطلب هذا السؤال إجابةً ذات شقين. أولاً، لكي يوفّر الاستفتاء التفويض العام المنشود من قبل «حكومة إقليم كردستان» لصالح الاستقلال، ستحتاج هذه الأخيرة إلى أغلبية كبيرة من الأصوات المؤيدة، قد تصل نسبتها إلى 75 أو 80 في المائة بدلاً من 60 في المائة. ولتحقيق هذه النتيجة، لا بد من تنفیذ الاستفتاء بشکل صحیح ضمن السياق السياسي الكردي، إذ يتعين على قادة «حكومة إقليم كردستان» تكوين نوع من الإجماع السياسي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال المصالحة البرلمانية. ثانياً، تحتاج أربيل على الجبهة الخارجية إلى إيجاد وسيلة للمناورة حول الآراء المعارضة لاستقلالها في كل من العراق وتركيا وإيران وحتى الولايات المتحدة. ومن العوامل الرئيسية التي تشكل قدرتها على تحقيق ذلك هو تسوية وضع الأراضي المتنازع عليها، وعلى الأخص كركوك. ولكن يبدو أنه في هذه المرحلة، قد توفر مسألة كركوك بعض المرونة الدبلوماسية لـ «حكومة إقليم كردستان». وفي الوقت الراهن، أعلنت أربيل أنه سيتم إدراج كركوك في الاستفتاء المقبل. ولكن إذا تزايدت الضغوط على «حكومة إقليم كردستان»، فإن استثناء كركوك من الاستفتاء، قد يكون تنازلاً يقدَّم إلى بغداد.

وتتزايد الضغوط التي تمارَس على «حكومة إقليم كردستان» لتأجيل الاستفتاء. وستتضرر القيادة الكردية الحالية إلى حد كبير إذا عمدت «حكومة إقليم كردستان» إلى تأجيل الاستفتاء أو إلغائه، ولكن يمكنها أن تجري استفتاء لا يتضمن الأراضي المتنازع عليها، أو يمكنها إجراء استفتاءين منفصلين، أحدهما لـ «حكومة إقليم كردستان» والآخر للأراضي المتنازع عليها، إما بشكل متزامن أو متسلسل. ومتى تُرجم الإعلان عن الاستفتاء إلى سياسة فعلية، ستُطرح جميع هذه المسائل على طاولة المفاوضات.

موقع “بوست وور ووتش”: بعد الإعلان عن الاستفتاء، انتقد زعماء العالم إلى حد كبير قرار الأكراد العراقيين بالاتجاه نحو الاستقلال. فبشكل خاص، اعترضت وزارة الخارجية الأمريكية على تلك الخطة. فلماذا يعارض المجتمع الدولي الطموحات الكردية في إقامة دولتهم المستقلة اليوم؟

وهاب: تشكل المحافظة على الحدود معياراً دولياً قائماً منذ زمن طويل. ويُعتبر التبرير الذي يقدمه الأكراد للانفصال عن العراق فكرة صائبة أو محقة لم يحن وقتها بعد. ولكن وفق الحسابات السياسية الكردية العراقية، فإن المجتمع الدولي منشغلاً في الشرق الأوسط بقضايا أكبر من مسألة التعامل مع الأكراد، وهي ذهنية تشجع على مستوى من المغامرة أو ربما على المراهنة في أربيل.

لقد توقع القادة الأكراد مقاومة، لكن رد الفعل على الدعوة للاستفتاء كان أعلى صوتاً مما توقعوا. بالإضافة إلى ذلك، من الجانب الأمريكي، تبقى بالطبع سياسة “العراق الواحد” نافذة بقوة. وهناك نقطة حوار مشتركة بين الأكراد مفادها أن العراق يصعب إنقاذه، وبالتالي من الضروري للغاية إنقاذ ذلك الجزء من البلاد الذي يمكن أن ينجح، وهو كردستان العراق. ولكن بنظر صانعي السياسات في واشنطن، وخاصة بعد تنظيم «الدولة الإسلامية»، يُعتبر هذا النوع من الرسائل غير مستساغ.

وبعد الإشارة إلى ما سبق، يجدر القول إن المعارضة الدولية للاستفتاء الكردي اقتصرت لغاية اليوم على الخطابات، إذ لم يتخذ أي طرف دولي خطوات أو تدابير عملية لمنع التصويت. فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت تركيا أن استفتاء أيلول/سبتمبر هو خطوة “خاطئة”، فقد حذرت من تصريحها بالقول إنها لن تغلق حدودها أو تغلق خط أنابيب النفط إلى منطقة جيهان التركية. ويُعدّ ذلك خبراً ساراً جداً لـ «حكومة إقليم كردستان». فكل ما تريده أربيل هو غياب المعارضة العملية، مما يُعتبر توقعاً منخفضاً جداً. وخلافاً لما حدث خلال تصويت عام 2005، يمكن أن يُظهر القادة الأكراد حالياً أن كردستان المستقلة لا تشكل تهديداً لتركيا (أو إيران). واليوم، يتعين عليهم إقناع شركائهم أن “النسخة” السيادية من هذا الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي لن تشكل تهديداً أيضاً.

أما الخبر الوحيد المثير للقلق فهو اللغة المعتمدة مؤخراً في قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي، التي من شأنها أن تجعل المساعدات المالية الأمريكية المقدمة لقوات البيشمركة الكردية مشروطة بالوحدة مع باقي العراق. وهذه هي الخطوة العملية الأولى من الجانب الأمريكي التي تُترجِم موقف وزارة الخارجية الأمريكية إلى أفعال من خلال جعل التمويل مشروطاً بوجود عراق موحد. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال كبير للمناورة من قبل كل من واشنطن وأربيل، على الرغم من وثيقة الكونغرس. وبالطبع، فمن الآن حتى استفتاء أيلول/سبتمبر، قد يتغير الوضع أو يتأزم بالنسبة إلى أربيل. ومن المرجح أن تشهد تلك الفترة الحرجة موجة من النشاط على الجانب الكردي متمثلة بإرسال مبعوثين حول العالم لشرح الموقف الكردي، وخاصة في واشنطن.

موقع “بوست وور ووتش”: أعلن مسعود بارزاني أنه لا يعتزم إعادة الترشح للانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة لعام 2017. فكيف يؤثر قرار الرئيس على استقرار كردستان العراقية وموقفها بعد التصويت بـ “نعم”؟

وهاب: يُعتبر إعلان بارزاني تطوراً فائق الأهمية. إلا أن المعارضة لا تأخذ الرئيس على محمل الجد. وينبع تشكيك المعارضة من اعتقادها بأن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بقيادة مسعود بارزاني قد يفرض وضعاً راهناً جديداً على السياسات الكردية العراقية بعد الاستفتاء وتقاعد بارزاني. ولا بد من التوسط من قبل طرف ثالث، ربما الولايات المتحدة، لتهدئة تلك المخاوف. ولكن تخلي بارزاني عن السلطة، في نهاية المطاف، لن يعني بالضرورة تحوّل كردستان العراق فجأة إلى دولة ديمقراطية أو إقليم ديمقراطي. وفي بعض النواحي، إن وجود بارزاني في السلطة يتيح له الخضوع للمساءلة من قبل البرلمان، على الأقل نظرياً. أما كمواطن عادي، فلن يخضع لأي تدقيق أو رقابة. وبشكل رئيسي، قد يكون من الأفضل لمستقبل كردستان العراق أن يكون بارزاني الرجل الأقوى في السياسات الكردية ولكن خاضعاً للمساءلة أمام هيئة منتخبة، من أن يكون مجرد الرجل الأقوى في السياسات الكردية.

موقع “بوست وور ووتش”: إذا تتحرك كردستان العراق قدماً نحو الاستقلال، سيواجه قادتها تحدي المواطنة، إذ عليهم أن يقرروا ما إذا كان بإمكان الجماعات غير الكردية التي تعيش في «إقليم كردستان» أو الأراضي المتنازع عليها، بالإضافة إلى الأكراد العراقيين الذي يعيشون خارج «إقليم كردستان»، أن يصبحوا مواطنين في دولة مستقبلية. فكيف يمكن لصانعي السياسات في «حكومة إقليم كردستان» أن يقرروا حدود المواطنة؟ وبالنظر إلى بعض الخطابات السابقة للرئیس بارزاني، ما هو الدور الذي ستؤديه الإيديولوجيا العرقية-القومية في تلك الحسابات؟

وهاب: إن الإجابة على هذا السؤال هي جزء من عملية صنع السياسات التي لم تنجزها «حكومة إقليم كردستان» بعد. ويُعنى الاستفتاء بكردستان العراق فحسب، أي أنه بشكل أساسي “استفتاء خاص بكردستان” وليس “استفتاء كردي”. وانطلاقاً من هذا التمييز، تُعتبر الأراضي المتنازع عليها في غاية الأهمية. فأي دولة مستقلة ستكون متعددة الأعراق مع أغلبية كردية. وستكون هناك أقليات دينية (يزيديون ومسيحيون وزرادشتيون) وأقليات عرقية (تركمان وعرب وآشوريون). وسيتم تحديد أي كردستان مستقبلية، أولاً وقبل كل شئ وفقاً لجغرافيتها، وليس حسب أغلبيتها العرقية. وكانت هذه من بين النقاط الأولى التي أكّد عليها المسؤولون في أربيل: فالاستفتاء مخصص لأكراد العراق فقط. ومن هنا، فإن أي كردستان مستقبلية في العراق لن تكون دولة عرقية-قومية يُعتبر فيها كل كردي مرحباً به، إذ لن تُعتمد سياسات مشابهة لسياسة “عليّا” (كلمة عبرية تشير للهجرة اليهودية لأرض إسرائيل أو فلسطين) الإسرائيلية، حتى لو تمنت «حكومة إقليم كردستان» ذلك. ومن الأهمية بمكان أن توضح أربيل هذه النقطة، كي لا تُقدّم لجيرانها في أنقرة أو طهران أسباباً لتوحيد موقفهم ضد الاستقلال الكردي.

وفي النهاية، سيتطلب تحقيق الاستقلال بعد التصويت بـ “نعم” اعتماد الأكراد العراقيين موقف موحد. فعلى سبيل المثال، إذا تفاقمت الضغوط الدولية ضد الاستقلال الكردي بعد الاستفتاء، ستزداد أيضاً المعارضة المحلية لخطوة بارزاني وتوقيتها. وإذا ما أراد الأكراد أن يحظوا بفرصة للنجاح، سيحتاجون إلى التحدث بصوت واحد، عوضاً عن التكلم عبر عدة قنوات متفرقة ذات آراء متباينة فيما يتعلق بنطاق الاستفتاء وبنيته وتوقيته.

بلال وهاب

معهد واشنطن