قوات الحشد الشعبي تعمق الاصطفافات الطائفية في العراق

قوات الحشد الشعبي تعمق الاصطفافات الطائفية في العراق

داعش حدث وتنظيم. حدث نتأ على أرض العراق منذ يونيو 2014 حين اقتحم الموصل في “بهتة سياسية” من الجيش العراقي. وداعش تنظيم يرى أبعد من العراق والشام وما تغييره لاسمه إلى الدولة الإسلامية سوى إعلان نوايا يفيد بأن حلم خلافته أوسع من جغرافيا العراق والشام.

حين حلّ داعش بالعراق، أعاد ترتيب التوازنات السياسية المركبة عشية الاحتلال وجيء بديمقراطيين بهوى طائفي، وكشف أن العملية السياسية برمتها قُدت من مواد أولية طائفية ومذهبية، تتراجع معها مفردات الوطن والمواطنة إلى مراتب دنيا. لحظة داعش في العراق كانت أيضا نتيجة وسببا. نتيجة لإدارة البلاد وفق الولاءات الطائفية وسببا كذلك في مزيد تأجيج تلك الولاءات.

داعش تنظيم كشف علل العراق القديمة واستخرج منها أسقاما جديدة. طرق مواجهة داعش كانت تعبيرا عن الأزمة. تفتقت قريحة ساسة عراقيين يدارون من إيران بأن تنظيم داعش سيزاح من العراق بتشكيل “حشد شعبي” (شيعي في الأساس) يحارب التطرف السني الذي يمثل داعش أقصاه ومنتهاه. حشد شعبي يجاور أو يساعد أو يسند قوات الجيش العراقي التي يفترض أنها تحمي الوطن، لكن الحشد الشعبي يدار أولا بـ”خبرات عسكرية” إيرانية ولذلك يفترض أنه سيذود عن المذهب التي يفترض أنها تحمي الوطن، لكن الحشد الشعبي يدار أولا بـ”خبرات عسكرية” إيرانية ولذلك يفترض أنه سيذود عن المذهب.

الشيعية غير مرحب بها حتى لو استعادت الموصل

لا يخفي أسامة النجيفي نائب الرئيس العراقي والقيادي السنّي البارز، مخاوفه من تبعات تشكيل قوات الحشد الشعبي ودعمها بالمال والسلاح من قبل الحكومة وقبول مشاركتها في قتال تنظيم داعش المتطرف الذي سيطر على مدينة الموصل.

ويقول نائب الرئيس العراقي والرئيس السابق لمجلس النواب “لا نرحب بالحشد الشعبي ولن نرضى بدخوله إلى المحافظات السنّية وهو دائما غير مرحب به حتى لو نجح في تخليص مدينة الموصل من براثن داعش.

ويرى أن ميليشيا الحشد الشعبي بثقلها العسكري، وبالدعم الذي تحصل عليه من الحكومة ومن أطراف خارجية (في إشارة إلى إيران)، باتت تمثل خطرا على وحدة العراق.

وطالب أهالي نينوى بأن يتطوعوا للقتال إلى جانب الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على الموصل دون مساعدة الحشد الشعبي، كما دعا الحكومة إلى تسليح المتطوعين السنّة.

ويأتي موقف النجيفي ردّا من جهة على التيار الصدري الذي اتهم المحافظات السنّية بالتراخي في محاربة داعش، في محاولة لتبرير إنهاء تجميد جناحه المسلح المعروف بـ”سرايا السلام” للمشاركة في الحملة العسكرية التي تشنها القوات العراقية على التنظيم المتطرف، وردّا من جهة ثانية على المالكي أكبر السياسيين الداعمين لمليشيا الحشد الشعبي.

وقال إن “أهل الموصل ليسوا متراخين ولكنهم يشكون ظلم ذوي القربى، فلا تسليح ولا دعم، والتلكؤ أوضح من إثبات وجوده”.

ويؤكد نائب الرئيس العراقي أن هناك آلاف المتطوعين من أبناء السنّة، جاهزون للمشاركة في معركة استعادة الموصل، لكنه أوضح أنه لا توجد أسلحة يقاتلون بها.

وينظر شق واسع من العراقيين السنّة بعين الريبة لهذا التشكيل الشيعي المسلح، ويشككون أصلا في أن يكون أنشئ لقتال الجماعات المتطرفة، فيما يرى فيه آخرون ذراعا عسكرية لإيران في العراق، بدعم وغطاء من أذرعها السياسية في الحكومة ورئاسة الجمهورية والبرلمان. ويرفض قادة من السنّة اشتراك الحشد الشعبي في المعارك بمحافظة نينوى شمالا والأنبار غربا، خشية ارتكاب هذه المليشيا جرائم طائفية بعد ارتكابها جرائم مشابهة في عدد من المدن بمحافظة ديالى (شرقا) عقب استعادتها من داعش.

ولا تقف مخاوف أهل السنّة في العراق من تغول هذه المليشيا الشيعية عند حدود تصفية الحسابات على أساس طائفي، بل تتجاوزها إلى مخاوف تتعلق بسيادة العراق ووحدته بعد أن اعترف الحرس الثوري الإيراني، بقيادة هذه المليشيا ودعمها بالمال والسلاح.

واتهم أسامة النجيفي الحكومة بالإحجام عن تسليح السنة، بعكس ما تفعله مع فصائل الحشد الشعبي، وقال إن “وزارة الداخلية لم تسلح أفواج الشرطة الملتحقين بمعسكر نينوى، في حين تحظى معسكرات أخرى بأفضلية واضحة”، في إشارة إلى مليشيات الحشد الشعبي المكونة من مقاتلين شيعة.

وترى واشنطن أن تسليح العشائر السنّية خطوة هامة وملحة، لسحب البساط من تحت أقدام داعش والقضاء عليه، لكنها لم تنتقد تسليح المليشيات الشعية، وسط اتهامات دولية لنوري المالكي بتغذية العنف الطائفي، واتهامات لقوات الحشد الشعبي بارتكاب جرائم طائفية.

ويقول أسامة النجيفي إنه “منذ اللحظات الأولى لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على محافظة نينوى، أعلنا بوضوح أن استعادة الموصل مسؤولية وطنية وتاريخية، وأهل الموصل أولى من غيرهم بأن يكونوا رأس رمح موجه إلى قلب الإرهاب”.

ويقود النجيفي الجبهة المعارضة للحشد الشعبي، ولإشراكها في معارك تخليص الموصل من داعش، ويختزل موقفه من هذه المليشيات الشيعية، موقف معظم القيادات السنّية، لكن تبدو هذه الجبهة أقل ثقلا من الجبهة التي يقودها نائب الرئيس العراقي نوري المالكي بالوكالة عن إيران التي تغلغلت في مفاصل الدولة العراقية تحت أغطية سياسية وأمنية واقتصادية.

منتقدو قوات الحشد الشعبي هم دعاة التقسيم والطائفية

على الطرف النقيض، يقف نوري المالكي نائب الرئيس العراقي ورئيس الوزراء السابق، مدافعا شرسا عن قوات الحشد الشعبي، معتبرا أنها ستكون الضمانة الوحيدة لوحدة العراق، محذرا مما سماها “الحملة الشرسة” التي تشن ضد هذا التشكيل العسكري غير النظامي، والمتهم بارتكاب جرائم طائفية بحق سنّة العراق.

وهاجم منتقدي قوات الحشد الشعبي الرافضين لمشاركتها في قتال التنظيم الإرهابي “داعش”، معتبرا أن هؤلاء من “دعاة التقسيم والطائفية”، وأنهم أدركوا أن هذه التجربة شكلت عقبة في تنفيذ ما سماها بـ”مخططاتهم العدوانية”، في إشارة لأسامة النجيفي الذي يشغل أيضا منصب نائب الرئيس العراقي.

وقال المالكي وهو قيادي شيعي بارز “إن الحملة التي تتعرض لها قوات الحشد الشعبي، حملة طائفية وامتداد للحملة التي شنّت في السابق على الجيش العراقي”، مشيدا بهذه القوات التي قال إنها لبّت نداء الوطن والمرجعية (في إشارة إلى فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيستاني في يونيو 2014 ).

وأضاف أن المنتسبين لقوات الحشد الشعبي “نزلوا إلى ساحات المواجهة يدفعون بصدورهم أمام أجسادهم وأرواحهم على أكفهم دفاعا عن العراق”.

ودافع نوري المالكي -الذي تتهمه أوساط عراقية وعربية ودولية بأنه غذّى العنف الطائفي حين كان رئيسا للحكومة العراقية- بشدّة عن تجربة الحل الشعبي، معتبرا أنها “كانت هي الحل في مواجهة الريح السوداء التي تعرضت لها البلاد”.

وقال “تجربة الحشد الشعبي هي تجربة صالحة لتأسيس قاعدة رصينة ترتكز عليها العملية السياسية”، موضحا أن “الاستقرار السياسي هو الأساس للاستقرار الأمني والاقتصادي”.

ويقود المالكي جبهة داخل رئاسة الجمهورية وخارجها لتلميع صورة ميليشيات الحشد الشعبي، ولتثبيتها كقوة تدافع عن العراق وتواجه داعش، أشرس التنظيمات الإرهابية التي استوطنت الأراضي العراقية في عهده، متجاهلا ما ارتكبته من جرائم قتل طائفية.

ويلتقي نائب الرئيس العراقي في موقفه هذا، مع عدد من المسؤولين العراقيين ومع الأحزاب الشيعية، منهم الرئيس فؤاد المعصوم الذي سبق وأن وصف ميليشيات الحشد الشعبي بأنها قوة دفاع عن وجود العراق، تمكنت من احتواء ومواجهة وإزالة التهديدات التي وصلت إلى أطراف العاصمة بغداد، مطالبا بإيجاد صيغة لإدماج هذه القوات في المؤسسات الأمنية الرسمية. ويتهم أصحاب هذا الرأي، منتقدي قوّات الحشد الشعبي، بأنهم يحملون أجندات خارجية تحاول الإساءة لتلك القوات التي قالوا إنها “لبت نداء المرجعية الدينية لقتال عصابات داعش الإجرامية “.

وينفي هؤلاء أيضا أن تكون لتشكيل هذه المليشيا، أهداف طائفية، لكن الجرائم التي ارتكبتها في عدد من المحافظات السنّية، نسفت ادعاءاتهم، وأظهرت بطلان مزاعمهم وتبريراتهم الواهية.

ويصف هذا الشق، مقاتلي ميليشيا الحشد الشعبي، بأنهم أبطال يقاتلون لاستعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش، معتبرا أن هناك محاولات لتشويه “إنجازات” هذه القوات.

وسبق للمالكي حين كان رئيسا للحكومة، أن اتهم النجيفي وكان وقتها رئيسا لمجلس النواب، بالطائفية وبالتآمر، واستمرت الحرب الكلامية بينهما داخل رئاسة الجمهورية، لكنها تصاعدت بوتيرة أشدّ بعد تشكيل قوات الحشد الشعبي الشيعية ومشاركتها في قتال داعش الى جانب الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية.

وكان المالكي هاجم أيضا الأزهر الشريف بسبب انتقاده لمليشيا الحشد الشعبي واتهامه لها بأنها ارتكبت جرائم قتل طائفية بحق أهل السنّة في العراق.

مخاوف من ارتكاب الميليشيات الشيعية جرائم طائفية في الأنبار

بغداد – تمتزج مشاعر العراقيين بين مؤيد للعمليات العسكرية لاستعادة محافظة الأنبار من قبضة التنظيم الإرهابي داعش، ويخشى معظمهم من أن تلك العمليات ستكون تصفية حسابات طائفية تمارسها بعض الأحزاب والجهات وتنفذها عناصر ميليشياوية لتخريب البنى التحتية لمدن الأنبار فضلا على قتل الأبرياء بحجة محاربة داعش.

وتشهد محافظة صلاح الدين منذ أيام عمليات عسكرية كبيرة تنفذها القوات العسكرية والعشائر وميليشيا الحشد الشعبي الشيعية المتهمة بارتكاب جرائم طائفية، فيما تتواصل العمليات لطرد التنظيمات الإرهابية من قضاء تكريت، مركز محافظة صلاح الدين.

ويسيطر تنظيم داعش على معظم مدن محافظة الأنبار، والتي تعد أكبر محافظات العراق منذ بداية العام الماضي حيث استغل التنظيم المتطرف العلاقات المتوترة بين أهالي الأنبار وحكومة نوري المالكي السابقة، التي اتبعت سياسة طائفية عمّقت جراح العراقيين.

ويخشى سكان محافظة الأنبار من أن ترتكب ميليشيا الحشد الشعبي والمليشيات الشيعية الأخرى التي انضمت إليها والتي تشرف عليها قيادات من الحرس الثوري الإيراني، انتهاكات وجرائم لا تقل عن تلك التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي ضد المدنيين في الأنبار.

ولا يمانع سكان المحافظات السنّية في الحصول على دعم لاستعادة السيطرة على مناطقهم من داعش، لكنهم يخشون في الوقت نفسه من تنفيذ المليشيات الشيعية المشاركة في العمليات العسكرية، جرائم طائفية بناء على شواهد سابقة حين ارتكبت قوات الحشد الشعبي الشيعية مجازر بحق أبناء محافظات صلاح الدين وديالى ومناطق حزام بغداد، بعد أن نجحت في طرد مسلحي داعش منها.

ويرى معظم سكان المحافظات السنيّة أنه إذا كانت الحكومة العراقية جادة في مسعاها لتخليص الأنبار من قبضة داعش، فإن عليها أن تدفع بقوات من الجيش العراقي إلى المحافظة لتعاضدها العشائر حصرا، معتبرين أن هذا الخيار هو الوحيد الذي يمنع حدوث انتهاكات متنوعة.

ويقول صباح كرحوت رئيس مجلس محافظة الأنبار “على الحكومة المركزية أن تخرج عن صمتها وتعمل على استعادة الأنبار من تنظيم داعش وفرض هيبة القانون بالقوة” ، داعيا إلى بذل المزيد من الجهود والتنسيق بين أبناء المحافظة والحكومة المركزية لتخليص المحافظة من براثن الجماعات الإرهابية.

وأوضح أن عاما كاملا انقضى والمدن في الأنبار بيد عصابات إجرامية تمارس القتل والاضطهاد كجرائم جيش المغول الذي أحتل بغداد، داعيا الحكومة المركزية إلى التنسيق مع الحكومة في الأنبار وعشائرها من أجل المساهمة في تنفيذ العملية العسكرية للتخلص من عدو العراقيين الأوحد داعش.

ولا يمانع رئيس مجلس المحافظة مشاركة قوات الحشد الشعبي الشيعية المعتدلة في العمليات العسكرية ضد داعش في الأنبار، لكنه أكد أيضا رفضه ورفض سكان المحافظة مشاركة أي ميليشيات شيعية أيديها ملطخة بدماء الأبرياء.

وأكد نواف الدليمي أحد شيوخ عشائر الدليم أن العشائر ستقف صفا واحدا مع القوات العسكرية التي ستقوم بتطهير مدننا من داعش الإرهابي”.

ودعا شيخ عشائر الدليم الى الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبتها قوات الجيش العراقي، وقوات الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين التي نفذها مندسّون قاموا بقتل عددا من الأبرياء ودمروا منازلا بحجة أنها لداعش.

وطالب بطرد هؤلاء المندسين، مؤكدا أن الأنبار محافظة ذات طابع اجتماعي وعشائري معقد، وأنه قادرة أيضا على مساندة الجيش دون الحشد الشعبي.