سورية والإدارة المستقلة

سورية والإدارة المستقلة

 

في السابع من تموز/يوليو الماضي تمّ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في جنوبي غرب سورية، عقب اجتماعٍ ثنائي في منتدى “مجموعة العشرين” بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين .ويشمل الاتفاق ثلاث محافظات هي السويداء ودرعا والقنيطرة. وتمثل هذه المحافظات أطرافا متصارعة هي قوات النظام المدعومة بمليشيات إيرانية وبمقاتلين من حزب الله، وفصائل المعارضة السورية المسلحة المنضوية تحت اسم “الجبهة الجنوبية”. أمّا بالنسبة للمناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، فتمتد من الشرق في الجولان على مدى سبعين كيلومتراً وتحيط بمدينة درعا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 400 ألف نسمة. وفي الوقت نفسه، يعيش ما يقرب من مليون شخصٍ في الأراضي التابعة للنظام السوري وتشمل درعا والسويداء ومدينة البعث. ولا يشمل الاتفاق أي تفاصيل حول مصير هذه الأراضي على المدى البعيد. ويشكل اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا فرصة لتعاون أكبر بين الولايات المتحدة وروسيا في سورية.

  وتطرح في سياق استمرار هذا الاتفاق عدد من الأسئلة أبرزها: هل ستشهد منطقة جنوبي غرب سورية بالإضافة إلى منطقة النتف “المثلث السوري الأردني العراقي” مستقبلًا إدارة مستقلة تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة؟ فتخلي الحشد الشعبي عن فكرة السيطرة على منطقة النتف هذا يعني أنه استوعب الرسالة العسكرية التي أرسلتها إدارة الرئيس أمريكي دونالد ترمب له، عندما قامت المقاتلات الأميركية باستهداف الأرتال العسكرية التابعة للنظام السوري وحلفائه من الميليشيات الشيعية عند قاعدة التنف العسكرية عند مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية من أجل تأمين الحدود بالنظر إلى ما يمثله وصول الميليشيات الإيرانية من تهديد لقوات المعارضة المتواجدة بالقاعدة إلى جانب نخبة من الضباط والمستشارين العسكريين الأميركيين.  وبعد بضعة أيام، أسقطت القوات الأمريكية مركبة جوية إيرانية مسلحة بدون طيار كانت تهاجم مقاتلين أمريكيين وآخرين من قوات المعارضة في منطقة التنف. فأثبتت الحادثة استعداد «فيلق القدس» لمواجهة أصول الولايات المتحدة في سوريا بشكل مباشر، فضلاً عن استعداد الولايات المتحدة الجديد للرد على الاستفزازات الإيرانية في البلاد. وفي 19 حزيران/يونيو، اضطرت القوات الأمريكية مرة أخرى إلى إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار بالقرب من حامية التنف.

وبحسب خبراء عسكريين، فإنّ الضربة العسكرية الامريكية رسائل للفاعلين المحليين والإقليميين، أظهرت مدى أهمية المناطق الحدودية في التفكير الاستراتيجي الأميركي الذي يمتد إلى مرحلة ما بعد تنظيم داعش في سورية والعراق، وعملية ترتيب النفوذ داخلهما، كما أظهرت مدى جدية واشنطن في منع أي قوى عاملة بالوكالة لمصلحة إيران من السيطرة على مناطق الحدود ونقاط التواصل بين بلدان الإقليم.

في حزيران/يونيو الماضي قال القيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أثناء وجوده في تلعفر إنه سيتم تطهير المنطقة من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وملاحقتهم في كل مكان وصولا إلى “العاصمة السعودية” الرياض، مشيرا إلى أنه موجود حاليا على الحدود العراقية السورية برفقة مقاتلين الحشد الشعبي. فهل الاتفاق الأمريكي الروسي قطع الطريق على مخططات الحشد الشعبي أم إنهم ماضون فيها؟

وهل سيقطع هذا الاتفاق أيضًا الطريق على الحشد الشعبي في دخول الأراضي السورية الخاضعة للقوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية؟ فبحسب معلومات خاصة حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن للولايات المتحدة الأمريكية تسع قواعد عسكرية في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية في سورية وبحسب تلك المعلومات فإن المقاتلات الأمريكية قد هبطت فيها. وبحسب المعلومات أيضًا فإن القوات الكردية كانت قد أبلغت قوات الحشد الشعبي العراقي بأنه في حال اختراقه للحدود السورية فأنه سيواجه بقوة من قبل التحالف الكردي “السوري” الأمريكي.

وبناء على ما تقدم، هل سيكتب للاتفاق الامريكي الروسي في جنوبي غرب سورية  النجاح على ضوء تجارب وقف اطلاق النار الفاشلة ؟هناك سوابق مثيرة للقلق هذا العام، انتهكت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران اتفاقات وقف إطلاق النار التي أعدّها حلفاءها الروس الظاهريون. ففي كانون الثاني/يناير 2017، على سبيل المثال،  تجاهل كل من نظام الأسد وهذه الميليشيات اتفاقاً روسياً تركياً واستمرّوا في شن هجمات في عدة مناطق في سوريا، ومنها وادي بردى والغوطة والشرقية في ضواحي دمشق. ثم، في أيار/مايو، انتهكت الميليشيات الشيعية ما يُسمّى باتفاق تخفيف التوتر المُبرم بين روسيا وتركيا وإيران، بشنّها هجمات في ضواحي حمص وحماة. وفي الشهر نفسه، أدت الضربات الجوية الأمريكية إلى مقتل عدة عناصر من ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقية المدعومة من إيران، بعد أن كان هؤلاء يتقدمون نحو القوات السورية المناهضة لتنظيم داعش الإرهابي والمدعومة من الولايات المتحدة في التنف، وهي منطقةٌ “محظورة” أنشأتها موسكو وواشنطن. وخلال هذه الضربات، أفادت بعض التقارير أنّ الطائرات الحربية الأمريكية استهدفت أيضاً الميليشيا اللبنانية «حزب الله»، مما أسفر عن مقتل عدد من عناصره.

أن الصراع المتعدد الأشكال في المشرق العربي يؤسس لقناعة مفادها أن سورية ستكون هي المنطلق في إعادة رسم خريطته من جديد.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية